دخل الأزمة السورية مرحلة الأمتار الأخيرة من تطوراتها، وسط حراك دبلوماسي محموم إقليمي ودولي من أجل التوصل لحل سياسي يحقق مصالح كافة أطراف الأزمة المباشرة (النظام السوري والمعارضة) وغير المباشرة (القوي الإقليمية المعنية بالأزمة وهي إيران والسعودية وتركيا) و(القوى الدولية وهي روسيا والولايات المتحدة الأمريكية) والقوى التي ليست لها طموحات إقليمية وهي سلطنة عُمان التي لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق أسوة بشركائها الخليجيين ، وهو ما يمكنها أن تلعب دورا مهما في محاولة حل الأزمة السورية شديدة التعقيد ، وهو دور مشهود لها في المنطقة ..ومن هنا فقد دخلت مسقط على خط الأزمة من أجل التوصل لحل سياسي يُنهي صراعاً دام أكثر من أربع سنوات، فيما بات المشهد السوري في منعطفه الأخير.
جاء الحراك الدبلوماسي الإقليمي والدولي بشأن الأزمة السورية نابعاً، ليس فقط من أجل الحفاظ على سوريا واستقرارها، وإنما من أجل مواجهة الآثار السلبية الناجمة عن عدم الاستقرار في سوريا ، والتي مهدت لبيئة سياسية خصبة لظهور حركات التطرف الإسلامي وفي مقدمتها "داعش" والتي باتت تؤرق أمن العالم أجمع، وهذا ما دار في المحادثات المستمرة بين الأطراف الإقليمية والدولية بشأن سوريا.
وتلاقت مصالح وطموحات القوى الإقليمة والدولية، ومصالح النظام السوري والمعارضة معا ، وتتمثل تلك المصالح في اهتزاز قوة الجيش السوري على أرض المعركة وهو ماظهر في اعتراف الأسد على شاشة التليفزيون السوري بأنه يواجه مشكلة في التجنيد للقوات المسلحة، وبالتنازل عن أراض خاصةً في شمال وشرق سوريا. أما مصالح المعارضة فتكمن في رغبتها بالتوحد في جبهة واحدة تستطيع أن تشارك في إدارة البلاد في مرحلة ما بعد الأسد.
في حين ترغب القوى الإقليمية والدولية في استثمار التغير الاسترتيجي الحادث في مواقف اللاعبين الدوليين، فباتت السعودية مؤمنة بضرورة حل سياسي للأزمة بدون وجود للأسد في المشهد السياسي، لكن روسيا تتحفظ على ذلك، وإيران تريد طمأنة دول المنطقة بتوجهها الدبلوماسي بعد نجاحها في التوصل لحل أزمة ملفها النووي مع الغرب، والولايات المتحدة الأمريكية ترغب في تحقيق نجاح سياسي يدعمها في مواجهة منتقدي الاتفاق النووي مع إيران، وتركيا ليست بمعزل عن أطماع الأكراد في سوريا ، وإقامة منطقة عازلة تضمن مصالحها الاستراتيجية في محيطها الإقليمي.
حراك دبلوماسي متعدد
وتتويجاً لذلك، جاءت محادثات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مع نظيره الروسي سيرجي لافروف في موسكو، وبدت ملامح توافق روسي – سعودي على غالبية الملفات المطروحة، فقد اتفقا على "خطوات عملية لتعزيز فرص الحوار بين الأطراف السورية تحت رعاية المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، وفي سياق توحيد اطياف المعارضة السورية للخروج برؤية مشتركة تعزز المسار التفاوضي على أساس اعلان جنيف، خصوصاً البند المتعلق بتأسيس هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات مع المحافظة على الجيش ومؤسسات الدولة التي سيكون لها دور في مواجهة الارهاب وحماية المواطن السوري.
وباعتبار أن المناقشات التي تجريها موسكو مع أطياف المعارضة السورية تصب في المجرى المشترك الذي يجري تنسيقه مع الرياض والأطراف الدولية الأخرى. ورغم هذا التوافق فقد أقر لافروف بوجود "نقاط خلافية" من بينها مصير الرئيس السوري بشار الأسد. فالموقف السعودي ثابت حيال سوريا وأنه "لا مكان للأسد في مستقبل سوريا" باعتباره جزء من المشكلة وليس من الحل. أما الموقف الروسي فيرى أن الحفاظ على الأسد مهم لفترة ما لاستقرار الأوضاع السورية.
وتعد هذه المرة الأولى التي تعترف فيها موسكو علناً بأن مسألة "مصير الاسد" باتت مطروحة على جدول اعمال المحادثات مع الاطراف الاقليمية والدولية.
كانت روسيا قد رتبت زيارة للعاصمة السعودية "الرياض " لمدير المخابرات السورية الجنرال علي مملوك، حيث التقى ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
كما شكلت الأزمة السورية محورا رئيسيا من اللقاءات التي شهدتها الدوحة الأسبوع الماضي لدول إقليمية محورية وعلى رأسها مجلس التعاون الخليجي وروسيا والولايات المتحدة.
وفي إطار ذات الحراك الدبلوماسي، فقد طرحت إيران مبادرة من أربع نقاط وهي: الوقف الفوري لإطلاق النار في سوريا وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتعديل الدستور، بهدف ضمان حقوق الأقليات الإتنية والدينية وإجراء انتخابات يشرف عليها مراقبون دوليون”. وقد اطلع وزير الخارجية السوري عليها خلال زيارته لإيران التي أصبحت أكثر ثقة في إعلان خططها وإبراز رؤيتها للتسويات التي يتم طرحها لأزمات المنطقة بعد نجاحها في تسوية ملفها النووي مع الغرب.
وفي خضم موجة الحراك الدبلوماسي، جاءت زيارة وليد المعلم وزير الخارجية السوري إلى سلطنة عمان ومحادثاته مع يوسف بن علوي الوزير المسئول عن الشئون الخارجية ، لتصنع آفاقاً جديدة باتجاه الحل السياسي، ولتضع سلطنة عمان في قلب الأزمة السورية. وبات التساؤل هو: هل تملك سلطنة عمان خبرات ومؤهلات تجعلها تُقدم على القيام بهذا الدور؟
في هذا السياق يرى محللون سياسيون أن هذه الخطوة تمثل تقدماً كبيراً وتواصلاً ذكياً، باعتبار أن سلطنة عمان من الدول الخليجية صاحبة المواقف المتوازنة والوسطية، وتتمتع بعلاقات قوية مع أطراف مختلفة، تشمل دول مجلس التعاون الخليجى بالدرجة الأولى، وإيران وأعضاء مجلس الأمن والقوى الفاعلة عالمياً، كما أن تلك الخطوة تكتسب أهمية خاصة، لأنها تأتى بعد لقاء وزيرى خارجية روسيا وإيران.
أرسل تعليقك