108 شقة سكنية، وملايين الجنيهات، وأكثر من مائة أسرة لم يعد بإمكانها العودة إلى البرج الذي كانوا يقيمون فيه والذي اشتعلت فيه النيران قبل عدة أيام ولم تخمد حتى الآن، بسبب وجود مصنع أحذية غير رسمي ومخازن سرية كانت وراء الحريق، وعلى إثر ذلك أصدرت الحكومة المصرية عدة قرارات لمواجهة الأزمة المتجددة.حادث "عقار فيصل" كما اشتهر إعلاميًا، يقف خلفه - حسب اللواء جمال حلاوة رئيس قطاع الحماية المدنية السابق في وزارة الداخلية - وجود مخازن للأحذية بمساحة 3 طوابق في العقار الذي يصل إلى 13 طابقًا مأهولة بالسكان، فقد صعبت هذه المخازن السيطرة على الحريق في الساعات الأولى من اندلاعه.
ولم تكن هذه المخازن بطل الواقعة الأولى للحرائق في مصر خلال الأشهر والسنوات الأخيرة، حيث تكررت هذه الحوادث الضخمة بما لا يقل عن واقعتين كل شهر، حيث اشتعلت النيران في أسواق العتبة بوسط القاهرة وباب الشعرية و15 مايو في حلوان، ثم تكررت مرة أخرى في منطقة العتبة التجارية، قبل أن تشل حركة المرور في القاهرة الكبرى في الحادث الأخير نتيجة عدم القدرة على السيطرة على النيران.
وأمرت النيابة العامة في مصر، الثلاثاء، بحبس مالك العقار المحترق بمنطقة كرداسة قرب الهرم جنوبي القاهرة أربعة أيام على ذمة التحقيقات.وذكر بيان للنيابة العامة أن مالك العقار خضع للتحقيقات يوم الأربعاء، حيث أقر أثناء التحقيق معه بشرائه قطعة الأرض المقام عليها العقار وقتما كانت أرضًا زراعيًة خارجًة عن الحيز العمراني -في غضون عام ٢٠١٣- للبناء عليها، وإنشاء مخزن للأحذية مع علمه بعدم إمكانية استصدار ترخيص بالبناء عليها لخروجها عن الحيز العمراني.
"ثم بعدما حقق غرضه وبنى العقار وهيأ المخزن، زاول نشاطه فيه دون الحصول على ترخيص بذلك، ولم يتخذ الاشتراطات اللازمة للوقاية من مخاطر الحريق والوقاية من المخاطر الكيميائية والفزيائية بالمخزن بالرغم من علمه بتصنيع الأحذية من مواد كيميائية وبترولية معجلة للاشتعال بطبيعتها".وقال بيان النيابة إنه تسبب بإهماله هذا في نشوب الحريق بالعقار، مضيفًا أن سبب حدوثه هو ماس كهربائي، وأنه سبق وتقدم بطلب للتصالح عن المخالفات التي ارتكبها، ولكن رفض طلبه فتظلم منه ولم يبت في التظلم حتى تاريخه.
قنابل موقوتة
ويقول اللواء حلاوة ، إن مصانع الأحذية تقوم على التصنيع باستخدام "الكولة والتينر"، وهي مواد تساعد الاشتعال بشكل كبير جدًا، ومن ثم تلجأ قوات الحماية المدنية لطرق خاصة للسيطرة على الحرائق الناتجة لنفس السبب، إلى جانب أنه محظور من الأساس استخدام العقارات والمناطق السكانية في هذه الأغراض.ويؤكد رئيس قطاع الحماية المدنية السابق، أن العديد من رجال الإطفاء والمواطنين سقطوا ضحايا لهذه الحرائق الكارثية، خاصة وأن هذه المواد مع زيادة ضخ المياه تزيد من درجة الاشتعال، وبالتالي تزيد رقعة الحرائق وتتسبب في شلل كبير للحركة المرورية مع الوقت.
قرار عاجل
وبحسب بيان رسمي، فقد استدعت النيابة العامة المصرية، لجنة من كلية الهندسة لمعاينة "عقار فيصل" الذي شهد اندلاع النيران داخل مخزن لصنع الأحذية بجوار الطريق الدائري، وطالبت اللجنة بوقف عمليات إخماد النيران وعدم استخدام مياه حتى لا يتسبب الأمر في انفجار أعمدة المسلح نتيجة اصطدام النار مع مضخات المياه ما قد يؤدي انهيار العقار.
فيما طالبت محافظة الجيزة، المواطنين بالإبلاغ فورًا في حال وجود أي مخزن أو مصنع غير مرخص أسفل العقارات السكنية أو لا يتبع إجراءات الحماية المدنية، وأهابت في بيان نشر على صفحتها الرسمية عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بالمواطنين إخطار المحافظة فورًا لاتخاذ الإجراءات القانونية حيال مالكه حرصًا على سلامة المواطنين وقاطني العقارات.
أحمد حمزاوي، أحد مالكي الوحدات في العقار المنكوب، يشير إلى أنه وضع بعد سنوات من العناء "تحويشة" عمره في شقة ملك، تساعده على العيش مع أسرته في أمان أكثر، وكان من نصيبه أن يتجه إلى المنطقة الأقرب إليه، حيث يعد العقار آمنا ويشير مظهره إلى حياة أفضل بكثير من التي عاشها طوال سنوات في القاهرة.
يقول حمزاوي إنه شعر بالأسى عندما علم بالحريق، كل ما مر به كاد أن يذهب هباءً، لم يطمئن سوى بعد التأكد أن الحريق لم يمس شقته، لكن في النهاية لا يستطيع الدخول إليها في الفترة الراهنة، مشيرًا إلى أن صاحب العقار الأساسي مشهود له بالسمعة الحسنة، وأنه سيقوم بتعويض المتضررين، وذلك قبل أن يتم القبض عليه لمخالفة الإجراءات.ونص قانون 119 لسنة 2008 والمكمل لقانون 17 لسنة 2019 أنه لا يجوز إقامة محال تجارية أو مخازن في الطوابق العليا، ورغم صراحة القانون إلا أن مناطق عده منها الموسكي والعتبة تشهد تحويل العمارات السكنية لمحال تجارية ما ينذر بكارثة تعيد نفس الأزمة في كل مرة يتم مواجهتها.
مواجهة شاملة
مواجهة أزمة المصانع والمخازن السرية والمسببة للحرائق، امتدت إلى مجلس النواب، حيث قال طارق شكري، وكيل لجنة الإسكان في مجلس النواب، إن الجهات التنفيذية مطالبة بالتدقيق في أوراق تقنين المنشآت، ورفض أي تصالح في المنشآت التي تمثل خطورة على سكانها.وأضاف في بيان صحفي أن مالك عقار فيصل يواجه عددًا من التهم، أبرزها استخدام المنشآت السكنية في غير أغراضها، وتهديد سلامة المواطنين، خاصة في ظل وجود مواد قابلة للاشتعال.
ولا يعد هذا التحرك البرلماني الأول لمواجهة بطل حرائق العقارات السكنية الممتدة في مصر، حيث تقدم طارق متولي، عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب، في البرلمان السابق، بطلب احاطة موجه إلى رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، حول خطورة ورش الأحذية بباب الشعرية على السكان بالمباني المحيطة، خاصة بعد تكرار نشوب الحرائق بما يهدد سلامة الجميع.النائب أكد في بيانه، أن معظم الورش تقبع في الطابق السفلي لعقارات شبه منهارة وأيلة للسقوط في أغلب الأحيان، فالشوارع ضيقة للغاية بالكاد تكفي لمرور الأشخاص من حاملي البضائع، وبالتالي فإن فرص الإنقاذ في حالة الحرائق ضعيفة.
كما أن هذه الورش تتسبب في الإزعاج والمشاكل المستمرة بين السكان والعاملين في هذه الورش.ويأمل حمزاوي ، صاحب الشقة الصغيرة داخل العقار أن يسكنها، بما لا يؤدي إلى تضرر أطفاله الصغار، أن يعيش بدون أن تلحقه النار، في الوقت الذي يقع 3 طوابق كاملة داخل العقار المحترق كمخزن للأحذية التي تمثل مصدر رزق صاحبه الأساسي ومصدره في بناء العقار نفسه، لكن في النهاية انتهى كل ذلك وتحول إلى رماد، فيما يواجه صاحب العقار الحبس.
وأكد خالد قاسم المتحدث باسم وزارة التنمية المحلية، أن العقار المحترق مخالف لإجراءات قانون التصالح.وأكد قاسم أن أي مصنع غير مرخص أو لا يتطابق مع المواصفات سيتم إغلاقه وفقًا للقانون، وهو الأمر الذي تعمل عليه المحليات بالكامل، مشيرًا إلى أن الحادث الحالي أصبح تحت سلطة النيابة.
قد يهمك أيضًا:
ارتفاع "تاريخي" بثاني أكسيد الكربون بسبب حرائق الغابات في أستراليا
تأهّب مناطق واسعة في جنوب شرق أستراليا تحسّبًا لكارثة بيئية تُهدِّد السكان
أرسل تعليقك