توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الباحثة التّونسيّة مها عبد الحميد:

الأسود اسمه عبد في أوّل بلد ألغى الرّق

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - الأسود اسمه عبد في أوّل بلد ألغى الرّق

الباحثة التّونسيّة مها عبد الحميد
تونس - مصر اليوم

بمناسبة تنظيم مسيرات مناهضة للعنصرية ضد السّود في مدن تونسية عدة، حاورنا منسّقة المسيرات الباحثة التّونسيّة مها عبد الحميد، وهي عضو سابق في "آدم للمساواة والتّنمية" أوّل جمعيّة للدّفاع عن السّود في تونس تأسّست عام 2012. وتعد مها عبد الحميد أطروحة دكتوراة في الجغرافيا الاجتماعية في جامعة باريس العاشرة عن التهميش الاقتصادي والاجتماعي في الأحياء اللا قانونية في واحة زريق في مدينة قابس جنوب تونس.
وقالت مها عبد الحميد إن مسيرة "المساواة ومناهضة العنصرية ضد السود في تونس"، انطلقت في 18 آذار/مارس في جربة وتلتها أخرى يوم 19 آذار/مارس في قابس وتتواصل يوم 20 آذار/مارس الموافق لعيد الاستقلال في صفاقس ويوم 21 آذار/مارس الموافق لليوم العالمي لمناهضة العنصرية في العاصمة تونس.
وبسؤالها عن ماهيّة رمزيّة هذه المسيرات، وسبب هذا التوقيت من المسار الثوري، وهل كانت هناك تحركات أخرى قبل أو بعد الثورة أجابت مها عبد الحميد قائلة "للأسف بعض الناس عندما يتحدثون عن المسار الثوري ينظرون من وإلى زاوية واحدة. لكننا مؤمنون بأن الثورة يجب أن تغير كل شيء وتضع حدا لما من شأنه أن يمس من كرامة الإنسان ويحط من وجوده في وطنه، فلأجل عديد الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية والأخلاقية قامت الثورة التونسية. والمسار الثوري الذي يراد به إصلاح المنظومات والعقليات ومناهضة أشكال التمييز يجب أن يشمل أيضا مناهضة التمييز العنصري ضد المواطنين السود الذين طالما تعرضوا للتمييز والتفرقة على مرأى ومسمع المجتمع المدني والسلطات التي تعاقبت على البلاد. فما يحدث من ممارسات عنصرية لفظية كانت أو من نوع آخر، لم يمثل فضيحة في بلادنا حسب رأي الأغلبية. قد تكون التجاوزات العنصرية اليومية غير ظاهرة لكن ما تعرضت إليه رئيسة نقابة الصحافيين التونسيين نجيبة الحمروني من اعتداءات بسبب لونها لم يحرك ساكن أكبر مناضل من أجل حقوق الإنسان في تونس. إذاً هناك صمت خطير على هذه الظاهرة التي تعتبر بسيطة ومسموح بها في نظر الكثيرين. قبل الثورة لم تكن هناك تحركات باستثناء الحركة التي قادها سليم مرزوق في الستينات والتي سرعان ما أجهضت وزجّ به في السجن ثم في مستشفى الرازي للأمراض النفسية، حيث قضى أكثر من 30 عاماً قبل أن يطلق سراحه قبل شهر من وفاته عام 2001. وفي سنوات حكم بن علي قدم البعض شكاوى فردية لكن كانت تحل بسلاسة دون "شوشرة". وبعد الثورة أخذت القضية نهجاً جدّياً من أجل كرامة المواطن الأسود في بلاده متجذراً في الثورة وأهدافها. فتكونت الجمعيات لمناهضة التميز اللوني بعد الثورة وتتقدم هذه الجمعيات بصعوبة أمام نكران العديد لوجود التمييز العنصري في تونس. العنصرية في تونس شبيهة بالشبح الذي لا يراه الناس لكنه موجود ومخيف ومقلق ويهدد راحة المواطن الأسود في وطنه".
يشار إلى أن سليم مرزوق هو مواطن أسود من الكوادر وصاحب شهادات عليا طلب من الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة إدماجه في السلك الدبلوماسي فرفض ذلك واستهزأ به. وأمام ذلك الرد العنصري لجأ سليم مرزوق إلى التحرك وتجميع السود للدفاع عن مطالبهم في إطار حزب سياسي.
وردّاً على سؤال بشأن مرجعية ثقافة التمييز هذه ومن أين جاءت، قالت مها "يوجد في الحقيقة موروث ثقافي وتاريخي، وإن استطاع الزمن التخفيف من حدته جزئيا إلا أنه مازال موجودا وبكثرة خصوصا في المناطق التي عرفت العبودية (الواحات والمجتمعات الرعوية في الجنوب التونسي وفي العاصمة في العائلات التي كانت تملك العبيد وفي بعض جهات الساحل). وبقي هذا الموروث يربط الأسود بصورة العبد فهو بالضرورة ليس مثل الأبيض الحر حتى أن في الجنوب وإلى يومنا هذا مازلنا نسمي الأبيض "الحر" ونسمي السود "العبيد" أو "الوصفان". وما يميز هذا التحرك مقارنة بأشكال تمييز أخرى هو الاعتراف، فالناس كلهم تعترف بالتمييز. والعديد من النخبة المثقفة هي من داخل البلاد ويعيشون ذلك ويحسّونه ويحسّنون تحليله، لكن التمييز ضد السود فلا أحد يعترف به أو قلة هم الذين لهم نظرة ثاقبة للمجتمع يفهمون أن السود في تونس أكثر الناس تهميشا وإقصاء منذ الاستقلال حتى اليوم، وهناك من يعرف ويفهم لكن لا يعترف علنا بهذا التمييز لماذا فقط لأنه "عنصري" ولأنه لا يريد أن تتغير الأشياء وأن تتبدل العقليات، فالتمييز ضد المرأة كذلك من مشاكل هذا المجتمع ولكن التمييز ضد المرأة السوداء أعمق أولا لأنها امرأة وثانيا لأن لونها مميز سلبيا، وأعتقد أن هذه العقليات هي موروث الاستعمار ثم الدكتاتوريات، فلم تكن هناك مشاريع جدية توعوية تحد من هذه المفارقات بل كرّست عقلية التمييز".
وعن فخر تونس بأنها أول بلد عربي ألغى العبودية فهل الحقيقة رغم مرور العقود أنها لم تلغ من الأذهان ، أوضحت مها "أن السّود في تونس لا ينحدرون فقط من العبيد فهم أيضا مهاجرون من جنوب الصحراء ومن الصعيد المصري ومن ليبيا، و كذلك لا ننسى أن تونس توجد في أفريقيا فالتلاحق أقدم مما نتصور لكن التاريخ كُتب على ذوق من وثّقه وكلنا نعرف الحلقات المفقودة في تاريخ العالم. أنا أتساءل ما معنى أن نفتخر بأن تونس أول بلاد ألغت الرق والأسود مازال يقال له "عبد" أو "وصف" بعد 168 عاماً من هذا القانون؟.
وعما إذا كانت تونس أرض استقبال للسّود وصلوا إلى الجنوب هاربين من تجارة العبيد، قالت مها "هناك من السود من دخل تونس عن طيب خاطر واختار الاستقرار بها وهناك من يرقى تواجده بها إلى عصور لا نعلم امتدادها. لكن من الغريب أن التونسيين ما زالوا يتجاهلون أو يتظاهرون بالتجاهل أن بلادهم كانت لقرون عدة مركزا للتجارة المخزية للبشر إذ وقع الإتجار بمئات الآلاف من النساء والرجال والأطفال وعاملوهم كبضاعة مثل باقي البضائع. مع الأسف هي حلقات تم إزالتها تماما من الوعي الجماعي، فهي غائبة عن مستويات التعليم وبرامج التعليم الوطنية.
وعما إذا كانت هناك مصلحة في تواصل سحب وإخفاء هذه الحقبة في تاريخ بلدنا، لفتت مها قائلة"العنصرية هي ظاهرة كونية يقال إن حدتها تختلف من مكان إلى آخر لكن في الحالات كلها يبقى لها الدلالات ذاتها ، الإقصاء والتمييز. عن أي نسج يتحدثون؟ إن كان هناك نسج في التحرك فهذا يثبت أن هناك عنصرية. فلا يمكن أن ننسج على تحرّك دون أن يكون هناك سبب. بالنسبة لي هذا الموقف هو اعتراف ضمني بوجود التمييز العنصري في تونس. التحركات التاريخية وأهم تياراتها في أمريكا وجنوب أفريقيا هي تحركات سجلها التاريخ وحسبت لمن قام بها وتبقى درسا رائعا في تاريخ الإنسانية. كلما قرأناه زاد تطلعنا لمزيد من الحرية والكرامة".
وقالت مها "تنددون بالنظرة الفولكلورية لكن الكثير من الحضارات تعتبر الفولكلور جانبا إيجابيا من ثقافتها كأي فولكلور آخر، العديد يرون مثلا في "السطمبالي" وجها من الاختلاف ومثالا على التلاقح الموسيقي، كان من المفروض أن تكون "السطمبالي" و"البنقا" موسيقات إثراء للموروث الثقافي التونسي وهي كذلك في الحقيقة، لكنها مازالت تعتبر في هامش هذه الثقافة وهي مهمشة مثل أهلها، بل نشبهها في العامية التونسية بكل ما هو غير مفهوم وغير منظم وغير جميل فنقول استغرابا "ما هذا السطمالي؟ !" أو "ما هذه البنقا؟ !" .
يشار إلى أن السطمبالي هي موسيقى تعتمد القوالب ذات الصبغة العقائديّة للأقليّة السوداء.
وعن الأدب والرواية التاريخية لبشرير خريف "برق الليل" عن ثورة الزنوج الصادرة في الستينات، أعربت مها عن الأسف لأن يبقى الأدب حكرا على نخبة معينة وحتى هذه النخبة لا تختلف كثيرا في تناولها لصورة الأسود المعهودة، ففي "برق الليل" قدمه لنا البشير خريف في أحسن صورة، جميل الوجه وضحوك وذكي لكنه ذلك العبد الوصيف. لكن بشير خريف عرج قليلا عن الحلقة المفقودة في التاريخ بشأن خطف العبيد وبيعهم في أرض تونس.
وعما إذا كان التونسيون ساهموا ببعض الأعمال الثقافية الأخرى في دحض التمييز، قالت مها "ليس بالقدر الكافي ودون عمق وجدية تتساوى وعمق المسألة وتعقدها. ففي السينما تبقى كذلك صورة الأسود مهمشة وسلبية.
وعن كيفية تعامل السلطات والمجتمع المدني مع تحرككم أوضحت مها أنه كان ببرود، حذر أو لا مبالاة لكن نأمل أن تتغير العقلية بالعمل وبتقديم البراهين الدامغة وكذلك بتحرر السود أنفسهم من الصمت.
ولما سألناها عن حادثة استهدفت بها بالتمييز ورسخت في ذهنها، أو حادثة كانت شاهدة عليها، أجابت "سأحدثك عن حادثة تعرّض لها هذا العام شاب تونسي أسود في سن الـ 17 شارك مع أصدقائه في إحدى البلدان العربية في عرض مشروع شبابي لا أعرف ماذا بالضبط محتواه. وعند عودتهم أرادت إحدى قنوات التلفزيون الخاصة استقبال ممثل عن هذه المجموعة الشابة فاختاره أصدقاؤه لفصاحته وذكائه وخفة دمه ليمثلهم. وعند التقائه بمعد البرنامج قال له وبكل وقاحة" هلا اختاروا أحدا غيرك وليس في لونك؟".

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأسود اسمه عبد في أوّل بلد ألغى الرّق الأسود اسمه عبد في أوّل بلد ألغى الرّق



GMT 23:00 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون تكرم الأميرة الراحلة ديانا بطريقتها

GMT 22:21 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون تستعد لحدث ملكي مهم وغياب الملكة كاميلا

GMT 22:15 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

النائبة الديمقراطية إلهان عمر تحذر من عودة ترامب للبيت الأبيض

GMT 18:37 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيمان خليف تظهر في فيديو دعائي لترامب

GMT 22:23 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

الملكة رانيا تلتقي بأصحاب مشاريع إنتاجية وتقدم لهم الدعم

GMT 03:49 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يطالب هاريس باجتياز اختبار القدرات العقلية

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon