الدارالبيضاء - حاتم قسيمي
أكَّدت الأمينة العامة للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، والرئيسة السابقة لجمعية حقوق الإنسان في المغرب، وعضو اللجنة الاستشارية لإصلاح دستور المغرب 2011 ، أن "السلطات الجزائرية منعت الترخيص لأعضاء جمعيتها، بزيارة منطقة تندوف التابعة للتراب الجزائري، وحيث تتمركز قيادة جبهة "البوليساريو"، ويتواجد عشرات الآلاف من المحتجزين الصحراوين المغاربة".
وأضافت بوعيات، "لم نتوصل بعد لأي جواب من السلطات الجزائرية، وبالتالي كان ذلك بالنسبة لنا رفض ضمني بعدم الذهاب، وسنظل مُصرِّين في طلبنا حتى نتوقف عند أوضاع المغاربة المحتجزين".
وبشأن الوضع الحقوقي في تندوف، أوضحت الأمينة العامة للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، أن "دورها هو فضح الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في تندوف، وإعطاء المحتجزين الحقوق الأساسية والحرية، ولا يمكن أن تكون تندوف مدينة فاضلة، انطلاقًا من العائدين والعائلات التي يعيش جزء منها في الصحراء، وجزء آخر في تندوف".
وعن القضايا الجديدة التي أصبحت تطرح نفسها على مستوى المجتمع ومرتبطة بالحرية الفردية، أوضحت قائلة، "نحن في هذا الموضوع لنا رؤيتنا الواضحة، هو أنه بقدر ما تتوسع الحريات وكل الوسائل التعبير عليها، فإن هناك مطالب أخرى ستطفو على السطح، ومجالات لم تكن معروفة سابقًا، وبالتالي فتلك الحريات، ولاسيما العقيدة والممارسة الدينية، كلها إشكالات تطفو بشكل ضاغط؛ لأنها الآن تجد لها مكانًا وفضاءً للتعبير، وبالتالي تعبر عن نفسها بشكل علني وعمومي، أفضل من ذي قبل، ذلك أنها سابقًا لم تكن تستطيع أن تعلن عن نفسها بحرية، واليوم تتطلع إلى آفاق جديدة وهذا من حقها، والأساس هو قدرة المجتمع على الاحترام وخلق قواعد جديدة وآليات جديدة للتعبير عن كل تلك القناعات الجديدة التي تتزايد بشكل مستمر خلال السنوات الأخيرة".
وأشارت قائلة، "أظن أن الضغط كان حاضرًا بقوة خلال سنوات السبعينات وصولًا إلى التسعينات، ولكن المجتمع الحقوقي لم يكن يُعبِّر عن نفسه، إلا أنه أصبح اليوم بإمكانه التعبير عن نفسه بكل حرية، وهذه هي الخطوة الأولى الأساسية في نظري بمعنى أنه العمل الذي أنجز على مستوى حريات الرأي والأفراد والتعبير والحماية من التعذيب والحق في الحياة، ما مكن هؤلاء من وسائل التعبير عن قناعاتهم، كما أن تلك التغيرات، والتطورات لابد أنها تفرض علينا تحديات جديدة، ومن أهمها عدم تعنيف المحتجين، وعدم سجنهم، والمنظمة تراقب مدى استيعاب قدرة المجتمع المغربي لمبادئ حقوق الإنسان، وصحيح أنها شعارات، لكن استيعابها وتملكها واستهلاكها وإعمالها يجعل هناك فرقًا كبيرًا، وهذا الاستيعاب سيفرض على الفاعلين السياسيين خاصة على المجتمع المغربي مراجعة وإعادة الجوانب الثقافية والأخلاقية بل إعادة النظر في النظام بشكل عام".
وبشأن الجانب الذي يميز المنظمة المغربية لحقوق الإنسان عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أضافت قائلة، "أظن أنه من بين الجوانب التي تميزنا أننا نحاول في تناولنا وتناول قضايا حقوق الإنسان أن ننقل المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان إلى المجال العام، وعملنا هو الشعار وتنفيذه على أرض الواقع، وعملنا بشكل متواصل خلال سنوات لتغيير البنيات الاجتماعية والأخلاقية، وتلك المبادئ ليست شعارًا، وإنما هي ممارسة فعلية في كل الفئات المجتمعية في المملكة، وتناولنا مثلًا لما جرى في القصر الكبير كان مغايرًا بشكل كبير، لما تم تناوله سواء من طرف الصحافة أو من بعض الجمعيات الحقوقية في موضوع الحريات الفردية، وقدمنا ما يكفي من الدلائل خلال مرافعاتنا في تلك الواقعة، لأنه لم يكن هناك بالفعل ما يجرمه القانون، وبالتالي انطلقنا إلى مجالات أخرى، ولاسيما وأنه جرى تهييج المجتمع سياسيًّا ضد أناس لم يرتكبوا جرمًا حسب القانون، وشجبنا تهييج الشارع لمواقف سياسية اختلطت ما بين اليساري وما بين المتطرف، والانزلاقات لها انعكاسات كبيرة على الأطفال والعائلات".
وتابعت قائلة، "يجب ألا ننسى أن 60 عامًا من العمل النضالي سواء الديمقراطي أو الحقوقي في المغرب، بالإضافة إلى إشكالات أخرى مُؤجَّلة مثل المشروع الديمقراطي، جعل منها تجربة ديمقراطية، كما أن هناك عدد من المطالب الحقوقية كانت ضرورية منذ إطلاق المسار، ورغم أنه كان هناك حركات اجتماعية مهمة جدًّا، إلا أن الحركة الاجتماعية كذلك، سواء في الثمانينات أو السبعينات، ارتبطت كذلك في المحيط السياسي، وتغافلت في ذلك الظرف الجزئي من تلك الحقوق، ويجب أن يكون هناك نقد ذاتي مستمر؛ لأن شخصيًّا أقول بأن تجزئة الحقوق، جعلتنا اليوم كحركة حقوقية أو تلك السياسية في المغرب، نتوقف لأن تتمكن من أن توازي ذلك العجز الحاصل على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، الفاعل ينسى بأن هناك مبادرات مهمة جدًّا، على العموم، وتلك المبادرات علينا أن نتعلم كيفية الاستفادة منها، والعمل بها، وكذلك كيفية تطويرها، وتفعيلها والتقاطها ومرافقتها في القوانين والحريات والتعبير والصحافة إلى غير ذلك".
واستطردت، "لابد أن نقر بأن هذا المعطى حقيقة سياسية تطبع المشهد السياسي الحقوقي في المغرب، إلا أنه في هذا الوقت تطورت المسألة الحقوقية، ونموذج منظمات الثمانينيات كان بالضبط مطابق لهذا التقييم، إلا أنه لا يمكن أن تكون منظمة حقوقية رافضة لمواقف أي جهة، أو منظمة سياسية، أو للسلطات العمومية، وبالتالي لقد استغربت السلطات، كوننا تقدمنا بطلب تأسيس المنظمة، عندما علمت بألا انتماء سياسي لنا، وكان هذا حدث في تاريخ تأسيس المنظمة والمشهد الحقوقي في المغرب عمومًا، فالجمعيات الأخرى كانت إما مع أحزاب سياسية أو مع السلطات، ولكن ألا تكون تابعة لإحدى الجانبين هذا هو الجديد الذي قدمناه، وهذا من دواعي تأسيس الجمعية، والفكرة الثانية، أنه تمكَّنا من تلك المقاربة أن نساءل الجميع، من سلطات وأحزاب سياسية، ولعبت الجمعية دورًا مهمًا في دعم حركة الحريات المدنية والسياسية في عدد من المناسبات، واستطعنا أن نجعل الملف الحقوقي المغربي ملفًا يُمثِّل الرأي العام كافة، إننا أول منظمة طرحت موضوع تعذيب المعتقلين السياسيين، كما كنا أول منظمة قامت بتحرير قرار دولي في جنيف، ومع توالي السنين تبين أن المجال السياسي تغيير، بمعنى أن الأحزاب السياسية بدأت تأخذ المسافة مع المنظمات، والسلطات العمومية بدأت تعتبر بأن هذا مجال آخر لابد من إعطائه المسافة، وأن نأخذ بمواقفه في الشأن العام والقضايا الدولية، إذن، فالمنظمة مكنت من تغيير العلاقات وتفعيل قرارات سياسية مهمة".
وقالت، إن "المنظمة ليس لها طموح في أن يكون لها تواجدًا سياسيًّا، وليس لها هاجس أن يكون لها دور سياسي في الإشكالات التي تطرح عادة، ولكن للمنظمة دور إيجابي في الجانب الحقوقي وكل ما يدخل في هذا الإطار، واختارت المنظمة أن يكون الانتماء إليها نخبويًّا، ومنظمة حقوق الإنسان ليست تنظيمًا جماهيريًّا، وواجب حقوق الإنسان عليه أن يكون منحازًا للرأي العام وليس للسياسيين، وهذا هو الفرق بين المنظمة وأخرى، نحن لا نشتغل فقط بأعضاء منظمة حقوق الإنسان، ولكن نشتغل كذلك مع الجامعات والمنظمات الإقليمية والمحلية، وبالتالي تكون قوة المنظمة في طرح مواقفها وفي بلورة اقتراحاتها، ويأتي بالضرورة من تلك التقاطعات الضرورية ما بين المحلي والجهوي والوطني وكذلك الدولي، وهي حاضرة على مستوى التعاون مع جمعيات دولية في ما يخص تبادل المعلومات وتدقيقها والتقاطع فيما بينها، فالمنظمة تقوم بحل العشرات من القضايا على المستوى المحلي والوطني والإقليمي، نحن لا نقوم بنشر كل الرسائل التي نحررها، أو تلك التي نرسلها إلى الوزارات، إن ما نريده هو إنصاف الضحايا الذين يلجأون إلينا".
وأوضحت أن "هناك إطارات أخرى لها طموح سياسي أكثر منها حقوقي، أما بالنسبة لنا في المنظمة فالأمر واضح"، مضيفة أن "ما يسمى بـ"الجيل الثالث" في مجال الحق في الولوج إلى المعلومة وحماية البيئة، لابد له من وقت كافي ليكون الرأي العام هو المشارك في تلك القيم، وإذا لم نشارك الرأي العام في تلك القناعة، لن ننجح في أن تكون تلك الحقوق واضحة، والمقاربة في هذا الموضوع تختلف عما قمنا به في المقاربات الأخرى على المستوى المدني والسياسي، حيث قمنا بعدد من الورش التي تعنى بحقوق الإنسان، وشارك فيها عدد من الشباب المتحمس، كما قمنا بندوات بشأن مسؤولية المقاولات في احترام حقوق الإنسان، وسمحت لنا مثل تلك اللقاءات من الوقوف عند أسئلة ومقاربات جديدة".
أرسل تعليقك