كانت الصحفية البارزة شينا شيراني، قبل ثلاثة أشهر تعيش في إيران حيث عملت كمذيعة في شبكة "برس تي في" التلفزيونية الناطقة بالإنكليزية والتي تمولها الدولة. وظهرت شيراني في عناوين الصحف على مستوى العالم في وقت سابق هذا العام بعد حديثها عن التحرش الجنسي الذي تعرضت له أثناء عملها في الشبكة المذكورة، ما دفع المحطة التلفزيونية إلى إصدار بيان باللغة الفارسية يؤكد توقيف رجلين عن العمل دون تحديد هويتهما. وتعرضت شيراني للنقد من المجتمع حيث يتمثل دور المرأة في الخضوع وعبودية العائلة والحياة المنزلية، وكانت شيراني سيدة مطلقة في بلد يضم قوانين قمعية تجعل النساء تحت سيطرة الرجال، فلا تستطيع النساء الدراسة في الخارج أو مغادرة البلاد دون أن تحصل على إذن زوجها.
وتعيش السيدة شيراني بشكل مستقل دون أي دعم وكانت في حاجة إلى العمل لتوفير دخل من أجل ابنها، وعلى الرغم من كونها الراعي الوحيد لطفلها فليس لديها أي حقوق قانونية عليه كأم، ولا تستطيع استخراج باسبور له حتى الحصول على إذن من زوجها السابق، حيث يعطي القانون الإيراني الحقوق القانونية للأب بعد وصول الأبناء إلى عمر 7 أعوام، إلا أن تجربة السيدة شيراني تغيرت داخل المحطة التلفزيونية التي عملت بها لمدة 9 سنوات حيث كانت المحطة تتوجه للجماهير الغربية، وأوضحت شيراني أن الإدارة اتخذت موقف أكثر ليبرالية، وأعربت عن سرورها عندما وجدت أنه يمكنها وضع المكياج وارتداء ملابس ملونة أمام الكاميرا.
ومع مرور الوقت وجدت شيراني أنه يطلب منها مراعاة قواعد محافظة بشأن مظهرها، وعلى الرغم من التزامها بذلك إلا أنها وجدت نفسها ضحية للتحرش الجنسي فضلاً عن اقتطاع جزء من راتبها بزعم وضع مكياج وارتدائها ملابس غير مناسبة على الهواء.
وتحدثت صحيفة "الإندبندنت" مع شيراني حول تجربة عملها كمذيعة تلفزيونية في إيران وقضايا التمييز على أساس الجنس والقهر الذي يؤثر على النساء في مختلف أنحاء إيران.
وقالت شينا شيراني: كوني إمرأة يعني المزيد من التمييز ضدي في بلد تُجبر فيها النساء على ارتداء الحجاب والزي الإسلامي الصارم، ولدي القليل لأقوله عندما يتعلق الأمر بحقوق النساء الأساسية مثل الحق في العمل والحق في التعليم والحق في الزواج من رجل برغبتها دون الحاجة إلى موافقة ولي أمرها، والحق في أن ترتدي ما تريد، والحق في أن تصدق فيما تختار أن تؤمن به، والعمل في التلفزيون يعني الاضطرار إلى التعامل مع أشكال التمييز كافة والتحيز على أساس الجنس، وذلك لأن المرأة يجدر بها أن تكون زوجة مطيعة وأن تضحي من أجل المنزل، أما القيام بأدوار أكثر نشاطًا في الحياة الاجتماعية وممارسة مهنة معينة يتعارض مع هذه الحدود الأيديولوجية.
وأضافت: فلابد أن تكون وجهًا يظهر في التلفاز يعني أن تنصب كل العيون عليك من جميع الجهات من حيث طريقة اللبس والمشي والحديث والسلوكيات الخاصة وتعاملك مع الرجال ونمط حياتك الخاصة ويتم التركيز على كل التفاصيل الدقيقة في حياتك بالمجهر، حتى عندما ألتزم بهذه القواعد واللوائح فهناك رجال يجدون أنه من الصعب احترامك بطريقة مهنية، وتستمر في المعاناة من النظر بازدراء، لأن الغالبية العظمى من المجتمع تعتقد أن المرأة ينبغي أن يقتصر دورها على التدبير المنزلي، صحيح أن المرأة أكثر وضوحًا داخل المجتمع الإيراني ولكن إذا أخذت نظرة فاحصة ستري صورة أقل تأنيثا لهؤلاء النساء.
وتابعت: يعد العثور على وظيفة مرموقة مهمة بشعة في إيران لغابية الإيرانيين بغض النظر عن جنسهم، وللأسف لا يلعب التعليم والمؤهلات دورًا كبيرًا، فضلاً عن البنية الاجتماعية البطريركية التي تضطهد الناس خاصة مع كوني أم عزباء فكان ذلك عيب صريح لدي، وكان ما يميزني هو القراءة والكتابة باللغة الإنكليزية وكوني نشأت في اسكتلندا، وعانيت من كل أشكال التمييز الثقافي والاجتماعي والقانوني كأم وحيدة تعيش في إيران، وعملت مدرسة ومترجمة قبل الحصول على وظيفة كمذيعة ناطقة بالانكليزية، ومع مرور الوقت حُرمت من الحقوق والمزايا التي يكفلها لي الدستور والقانون الإيراني، وعملت لدى بريس تي في لمدة 9 سنوات دون تعاقد أو تأمين صحي أو تقاعد حكومي أو أجازات سنوية أو أجازة مرضية مدفوعة، ودائما كنت أتجن فكرة الاتغناء عني باعتبار أم وحيدة مطلقة ووظيفتي هي مصدر الدخل الوحيد لي ولأسرتي فيعني فقدان وظيفتي أن أتعرض وطفلي للضرر، وعملت لمدة 4 أيام في النوبات الليلية حتى أستطيع الموازنة بين مسؤوليات العمل والمنزل، وكان التحرش الجنسي في عملي هو أخر ما أحتاجه.
وأكد حول تعرضها للتحرش الجنسي: أدركت أنه لا توجد سلطة أو هيئة قانونية أو منظمات حقوق إنسان في بلدي يمكنها أن تحميني من الاضطرار إلى التعامل مع التحرش الجنسي، وكنت أتحدث إلى صديقاتي في العمل وكانوا يخبروني أنهم تعرضوا للشيء نفسوا وأنني بحاجة للزواج من رجل لحمايتي، وكنت أتحدث إلى الرجال في المناصب القيادية في السلطة لكنهم كانوا يسألون عني وعن سلوكياتي، وكانوا يقولون : "يجب أن ترتدي ملابس أكثر تواضعًا وآلا تبتسمي أو تضحكي وألا تتحدثي إلى الرجال، فالرجال ضعفاء بطبيعتهم ولا يمكنهم التحكم في أنفسهم، وسوف تجلبين العار لنفسك إذا تحدثتي عن مثل هذه القضايا"،
وأضافت: لقد فعلت كل ما في وسعي للامتثال للمجتمع الإيراني ولم يكن لدي أي حياة اجتماعية ولم يعد أصدقائي يعرفوني، لقد تحولت إلى إمرأة غير اجتماعية كما يريد المجتمع وفي النهاية تعرضت للتحرش الجنسي كل يوم، وما حدث في المكتب كان القشة الأخيرة، وكنت خائفة من رد الفعل وخائفة من ألا يصدقني أحد وأدركت أيضًا أننى إذا بقيت فيعني ذلك إعطاء الضوء الأخضر للرجل ليفعل معي ما يريد، وشاهدت أيضًا حالات تحرش بنساء مع تهديدهن الإقالة إذا تحدثن للرؤساء، ولم يكن لدي أي خيار سوى ترك الوظيفة، وتحدثت عن قصتي للجمهور العام حتى تجد النساء الأخريات الشجاعة لفعل ما فعلته.
وتابعت شينا شيراني: يعد التحرش الجنسي في الأماكن العامة حقيقة واقعية في كل مكان في الحياة اليومية للمرأة الإيرانية، وأصبح الأمر شئ معتاد حتى أن بعض النساء لا تهتم به، وما أعطي الرجال الجرأة للتصرف بهذا الشكل هو عدم وجود أي عواقب، وبالنسبة لي كنت أحتاج هذه الوظيفة وأحتاج للبقاء في إيران لأنه ليس لدي حضانة لإبني ولا يمكنني استخراج جواز سفر له، كنت عرضة لذلك لأنني إمرأة وحيدة ولا أتلقى أي نوع من الدعم المالي أو المساعدة من أي شخص، وكانوا يعلمون أن لديهم الدعم والمساندة من النخبة وبالتالي لماذا لا يسيئون استخدام السلطة خاصة مع عدم وجود عواقب لأي خطأ.
وتابعت: هؤلاء الرجال قد وصوا إلى مناصب رفيعه بسبب نفوذهم الكبير في إيران، واتخذت بريس تي في عدد من التدابير الجذرية ولكن إذا كان يتم تطبيق العدالة في بلدي كنت سأقاضي العديد من الرجال في السلطة، إنهم مثال على عدد الرجال في البلاد الذين اعتادوا على معاملة النساء بهذا الشكل، لا يمكنك معاقبة رجل تعلم أنه لا بأس أن يسيء استخدام السلطة ويمارسون التحرش الجنسي بالنساء دون النظر إلى الأسباب التي جعلتهم يتحولون إلى وحوش في المقام الأول، هناك وحوش داخلية خلقت سياسات إيران على مدار السنين، والرجال الذين تحرشوا بي هم إلى حد كبير ضحايا لهذا الفكر المريض
وحول عملها كصحافية قالت: أنا صحافية وعلى الرغم من ذلك لم يتم إعطاء اهتمام كبير للقضايا الداخلية في بريس تي في، وسمعت قصص كثيرة من نساء إيرانيات، ولا أقصد معاقبة كل الرجال الإيرانيين لأن ذلك هو الحال بالكاد، ولكن لماذا يحدث ذلك على نطاق واسع؟ وهذا هو ما يحتاج إلى معالجة، ويمكن القول أن الفصل بين الفتيان والفتيات من سن مبكرة جدا والحد من التواصل والتفاعل بينهم وعدم السماح لهم بالانخراط في المجتمع وفرض الحجاب على النساء يعطي الرجال سلطة مطلقة على النساء، والكثير من السياسات التي تبناها النظام الإيراني أدت إلى ما نراه الأن، فهناك حالات عديدة من التحرش الجنسي داخل العائلات وفي الشوارع والجامعات وأماكن العمل، وما لم يثير أحد هذه القضية فلن يتم معالجتها.
وتابعت شينا: أدركت أن العديد من أماكن العمل لها قواعد خاصة في الملابس وخاصة الصناعات التي تعتمد على المظهر ولم يكن لدي مشكلة في تفهم واحترام ذلك، وتحولت إلى المظر الذي طلبته مني المحطة وكنت أرتدي ملابس فضفاضة وأوشحة طويلة وأحذية مسطحة، وكان مكياجي يتم بواسطة فنانة المكياج التابعة للمحطة، ولكني كنت أعترض لمضايقات يومية، إنه شئ مهين أن تعمل مع مصورين ورجال فنيين للكاميرا ومديرين للمحتوي وجميعهم يعطون أنفسهم الحق في الحديث عن جسمي، والإشارة إلى صدري، ويخبروني أنني بحاجة إلى تعديل وشاحي وأن عنقي مكشوف، أو أنه يجب علي تغيير ملابسي لأنها ضيقة من عند الخصر أو منطقة الصدر، من المثير للاشمئزاز أن تشعر بأن عيون الرجال تخترق جسدك، على الرغم من التزامي بالقواعد وما كنت أرتديه كان يظهر للعالم على الكاميرا وكان جسدي مغطى من الرأس حتى القدمين ولكن لم ينقذني ذلك من التعرض للتحرش الجنسي بشكل منتظم.
وحول عملها في التلفزيون الإيراني قالت شينا: بدأت مسيرتي المهنية كصحافية في الإذاعة الرسمية الناطقة بالإنكليزية، ويممكني وصف الإنذار الذي تلقيته من حارسات الأمن الإناث على أبواب المدخل بكونها مهينة ومروعة، وأتذكر منعي من دخول المكان وتفويت موعد البث الحي بسبب وضعي كحل رقيق أو مكياج خفيف، وكانوا يحدثوني بابتذال عميق قائلين: إلى أين تعتقدي أنك ذاهبة بهذا المظهر؟، ضعي الوشاح وامسحي أحمر الشفاة، وعندما أجريت اختبار للكاميرا في بريس تي في فوجئت أن البيئة كانت أقل تحفظًا، حتى أنهم أرسلوني إلى المنزل لتبديل ملابسي بملابس مشرقة وملونة، وأخبروني أنه لا بأس من وضع المكياج، وقالوا أنهم يتوجهون للجمهور الغربي، ولم يكن على المذيعات في بريس تي في الالتزام بقواعد الملبس الصارمة المفروضة على المذيعات المحليات، وتم تخصيص مبنى كامل خارج موقع المحطة حتى لا يتعرض الرعايا الأجانب العاملين في المحطة للتحرش من قبل الحراس.
وتغيرت الأمور بشكل جذري بعد مرور عام على إطلاق القناة وأصبحت قواعد الملبس أكثر سلامة واصطف الحراس على الأبواب لرصد المداخل والمخارج حتى أن الرعايا الأجانب العاملين في المحطة تركوها نتيجة القيود الصارمة وتم توظيف المزيد من الموظفين المتشددين والمحافظين في المحطة، وتحولت بيئة العمل إلى بيئة مغلقة تماما، وعانيت من التمييز بقوة حتى أنني حصلت على غرامة بسبب الرموش الطويلة والكعب العالي وارتداء خاتم، والقائمة تطول.
وقالت : كان هناك ردود أفعال متباينة بعد نشر تسجيل صوتي على صفحتي الخاصة على الفيسبوك، ودعمني العديد من زملائي وشجعوني على التحدث باعتباري سأكون لسان حالهم، واعرب الكثير من الإيرانيين عن إعجابهم بما فعلت، واتصلت بي نساء من مختلف أنحاء العالم لتبادل تجاربهم الشخصية عن التحرش الجنسي وسوء المعاملة، ولكن هناك أيضا من وضعوا اللوم علي، وكانت هناك تعليقات من النساء في بلدي توحي بأنني المذنبة، وشعر العديد من مشاهدي المحطة بضرورة سحقي وإسكاتي.
وأشارت: لا أعتقد مالم يتغير النظام الحالي، وتلقيت العديد من التهديدات بعد انتشار قصتي، وذكرت محطة بريس تي في في بيان لها أن المقطع الصوتي تم تلفيقه بمساعدة شخصيات معارضة للنظام الإيراني بدوافع سياسية، واشار البيان إلى أن القضية كانت مشبوهة لأنني لم أتقدم بشكوى جنائية، ويزعم هذا البيان في حد ذاته أنني تآمرت ضد المصالح الوطنية للبلاد وهو ما يعادل الخيانة، ونحن نعرف تداعيات ذلك، وتلقيت العديد من رسائل الكراهية من مؤيدي النظام وتهديدات بالرجم حتى الموت واتهموني بأني عميلة للأجانب الذين تسللوا إلى المحطة لتوريطها.
وأضافت : تحاول النساء في إيران تحقيق المساواة مع الرجل منذ سنوات، واليوم تستطيع النساء فقط الاستفادة من أبسط حقوقها تحت سلطة الرجل في الأسرة مثل والدها أو زوجها، ويعد الحجاب أحد الركائز الأيديولوجية للدولة وأصبح إلزاميا لكافة النساء منذ عام 1979م، إنه ليس فقط قطعة من القماش عندما يتعلق الأمر بمختلف أشكال المضايقات وسوء المعاملة والتمييز بشكب يومي لعدم ارتداء الحجاب الصحيح، وتواجه المرأة قيود وحرمان عندما يتعلق الأمر بالتعليم والعمل والخدمات العامة والمشاركة في الأماكن الثقافية والترفيهية إذا خالفت قوانين الحجاب، حيث تصبح وسيلة للاضطهاد، ويعتبر الحجاب أحد الخطط التي وضعتها الجمهورية الإسلامية للسيطرة ليس فقط على الجسد ولكن حياة النساء الإيرانيات واستبعادهم من المشاركة الكاملة في المجتمع، واقتصار دورهم على المنزل فقط.
واختتمت شينا حديثها قائلة: على عكس ما يدعي رموز الدين في إيران فالحجاب لو يوقف اعتداء الرجال على النساء، حيث يتم تحذير النساء دوما بارتداء ملابس متواضعة وتغطية أجسادهم، وكلف المجتمع النساء بالابتعاد عن الأضواء وعدم التحدث كثيرا أو الضحك وأن يهتموا بشؤونهم الخاضة وأن يلتزموا الصمت أمام الاعتداء الجنسي والتمييز ولكن لماذا؟ لحمايتنا!، ما نراه الأن هو أن هذه القيود لم تساعد على حمايتنا من التحرش الجنسي، لكنها خلقت عشرات الوحوش الجنسية المريضة، حتى إذا كان الجزء الوحيد الذي يظهر من المرأة هو ظلها، إنهم فقط لا يستعبدون النساء لكنهم يستعبدون الرجال أيضا بإخبارهم أنهم لا يستطيعون السيطرة على غرائزهم الجنسية الخاصة بهم.
أرسل تعليقك