أثارت دعوات لإنشاء نقابات أو اتحادات مهنية لـ«المؤثرين» على مواقع التواصل الاجتماعي حالة من الجدل، عربياً وعالمياً. ففي حين رحب خبراء ومختصون «بهذه الدعوات»، كونها «ستساعد في حماية حقوق المؤثرين»، وصف آخرون الدعوات بـ«غير المنطقية» لـ«عدم وجود قواعد ومعايير يصار بموجبها إلى تأسيس هذه الاتحادات أو النقابات».
وفي مايو (أيار) الماضي، أطلقت البريطانية إيمي هارت دعوة من خلال مقطع فيديو على حسابها على «تويتر» (يتابعه نحو 99.4 ألف شخص) لإنشاء «اتحاد للمؤثرين (Influencers) على مواقع التواصل»، قائلة: «إننا نعيش في أوقات مضطربة، فيما يتعلق بعملنا وحقوقنا وتشريعاتنا، وثمة نصيحة واحدة الآن، هي: انضموا لاتحاد». وبالفعل، انتشرت دعوة هارت في بريطانيا، ليحقق الفيديو «أكثر من نصف مليون مشاهدة، ونحو ألفي إعادة مشاركة، و10 آلاف إعجاب».
وخلال الشهر التالي لدعوة هارت، أسست مدونة الموضة نيكول أوركان، وخبيرة شؤون «المؤثرين» على مواقع التواصل كيت مولسوورث، اتحاداً لـ«منتجي المحتوى» (TCU)، وهو «أول اتحاد لمنتجي المحتوى الرقمي في بريطانيا»، وفق ما ذكرته صحيفة «الغارديان» البريطانية. وفي الشهر ذاته، تشكلت مجموعة تجارية صناعية تحمل اسم «مجلس المؤثرين الأميركيين» (AIC) في الولايات المتحدة، ليبدأ الجدل بعد ذلك حول جدوى هذه الاتحادات، عربياً وعالمياً.
محمد رضا، المدون مؤسس صفحة «وات تو؟» (What to?) التي تقدم نصائح حول ما يمكن أن تشاهده أو تسمعه أو تقرأه أو تأكله، رحب بهذه الدعوات التي ستساعد -على حد تعبيره- في حماية حقوق المؤثرين.
وأوضح رضا، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن «أغلب المؤثرين يتعاملون مع شركات كبيرة. ولأنهم غير مسجلين في نقابة أو هيئة أو اتحاد، يكون من الصعب عليهم أحياناً المطالبة بحقوقهم ومستحقاتهم المالية. وبالتالي، فوجود مثل هذه النقابات أو الاتحادات سيجعل المؤثرين يركزون أكثر على عملهم لتحقيق نتائج أفضل»، وأردف: «إذا شُكلت مثل هذه الاتحادات أو النقابات، فسيكون ذلك إنجازاً كبيراً في عالم السوشيال ميديا ومنتجي المحتوى الرقمي».
ومن جهتها، أكدت الدكتورة نهى بلعيد، أستاذ الإعلام والاتصال الرقمي في تونس، لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الدعوات أفكار جيدة، ما دمنا نتحدث عن مهنة جديدة، فأغلب المهن لديها اتحادات أو نقابات»، وأضافت أنه «في كثير من الدول، لا سيما العربية، تغيب الأطر القانونية التي تحمي حقوق المؤثرين، بما في ذلك الحقوق المالية. ويدخل معهم (المتعاونون من الخارج)... وعليه، فإن من شأن هذه النقابات حماية المؤثرين، ومساعدتهم على أن يعترف بهم المجتمع، ويدافع عن حقوقهم».
وفي المقابل، رأى أحمد بسيوني، مدير إحدى الوكالات الإعلانية في مصر، أن «تشكيل اتحاد أو نقابة للمؤثرين على مواقع التواصل فكرة شعبوية، وذلك لانعدام القواعد والمعايير المحددة لتأسيس هذه الاتحادات أو النقابات»، وتابع لـ«الشرق الأوسط» أنه «إذا كان الهدف من هذا الاتحاد حماية حقوق المؤثرين على مواقع التواصل، فمَن سيضع قواعد منظمة لهذه الحقوق، ومَن سيضمن تنفيذها... والأهم من هذا وذاك مَن سيضع شروط انضمام المؤثرين إلى النقابة أو الاتحاد، خاصة أنهم ينتمون إلى خلفيات ثقافية واجتماعية مختلفة، ويقدمون محتوى متفاوت ما بين الترفيهي والعلمي والرياضي، وبالتالي لا توجد أي محددات أو رقابة على عملهم».
الصحافية رشا الشامي، وهي أيضاً منتجة محتوى على الإنترنت (لديها 115 ألف متابع على «إنستغرام»)، عدت هذه الدعوات «غير منطقية... فمَن سينضم إلى هذه الاتحادات؟ وكيف سيجري التفريق بين منتجي المحتوى على مواقع التواصل والفنانين الذين لديهم ملايين المتابعين؟»، ورجّحت الشامي أن «الذين سيهتمون بهذه الاتحادات هم أولئك الذين ليس لديهم مهنة سوى إنتاج محتوى على مواقع التواصل».
على أي حال، يرى بعض المراقبين أنه «لا جدوى لهذه الاتحادات لأن الوجود على مواقع التواصل ليس مهنة»، لكن وجهة النظر هذه يعارضها بعض «المؤثرين»، حيث يقول رضا: «هذه وظيفة، وهي الحاضر والمستقبل، والذي يستطيع أن يستمر فيها هو الذي يستطيع تطوير المحتوى الذي يقدمه»، ثم يشير إلى أن «كثيراً من الشركات وأصحاب العلامات التجارية تطلب عملاً من المؤثرين، تبعاً لعدد متابعيهم، من دون النظر إلى طبيعة شخصيتهم، وتعتقد أن أي مؤثر يصلح للحديث عن أي ماركة أو علامة تجارية. ولكن هذا غير صحيح، إذ لا بد من أن يكون العمل والعلامة التجارية التي يتعامل معها المؤثر مناسبة لطبيعة شخصيته، والمحتوى الذي تنتجه صفحته».
وبحسب تقرير «بيزنس إينسايدر»، الصادر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، يتوقع أن تنفق العلامات التجارية نحو 15 مليار دولار أميركي في سوق المؤثرين على مواقع التواصل بحلول عام 2022، في مقابل نحو 8 مليارات دولار عام 2019.
ولكن وفق كلام بسيوني «لا يوجد تقدير لحجم سوق المؤثرين على مواقع التواصل في مصر والمنطقة العربية»، موضحاً أن «أسعار التعاقد مع المؤثرين متفاوتة بحسب الشخص، وعدد متابعيه. وقد تبدأ مثلاً من 10 آلاف جنيه، وتصل إلى نصف مليون جنيه. وعليه، فإن دخلهم متفاوت، ولا يمكن قياس حجم تأثيرهم في السوق مالياً». ويستطرد قائلاً: «الملاحظ أن تأثير منتجي المحتوى على مواقع التواصل أكبر في دول الخليج العربي منه في مصر... ودولة الإمارات العربية المتحدة بدأت في قوننة أوضاع المؤثرين، وطالبتهم بالحصول على تصاريح عمل».
وحقاً، أصدر «المجلس الوطني للإعلام» في الإمارات، خلال مارس (آذار) عام 2018، قانوناً لتنظيم الإعلام الإلكتروني «يفرض على كل من يقوم بأنشطة دعائية على وسائل التواصل الحصول على رخصة حكومية تجارية». وفي نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلنت وزارة المالية المصرية عن أنها «تعمل على إعداد قانون لتحصيل ضرائب على الإعلانات بمواقع التواصل». كذلك فتح مجلس الشورى السعودي أخيراً ملف «التهرب الضريبي لمشاهير مواقع التواصل».
وهنا يقول بسيوني إنه «إذا كان الهدف من الاتحادات المهنية للمؤثرين هو حماية حقوقهم، فمَن سيحمي حقوق المعلنين الذين يدفعون للمؤثرين، وأحياناً لا يحصلون على العمل المطلوب منهم؟». والمعروف أن قضية إنشاء اتحادات للمؤثرين تثير تساؤلات تتعلق بإمكانية وضع مواثيق شرف مهنية وأخلاقية للمحتوى على المنصات الإلكترونية، وعلاقة الحكومات في الدول بهم. وحسب رأي بسيوني «لا أتوقع تأسيس نقابة للمؤثرين في المنطقة العربية، خاصة في ظل العلاقة غير الجيدة بينهم وبين الحكومات. وإن حدث وتجمعوا، فسيكون ذلك في شكل اتحاد».
وأضاف أن «المشكلة تكمن في أن كثيرين من هؤلاء يدخلون السوق بهدف الحصول على عائد مادي مباشر عن طريق المشاهدات، أو غير مباشر عن طريق التعاقد مع علامات تجارية، دون وجود معايير أو مواثيق شرف للمحتوى المنشور على هذه المواقع».
كذلك تلحظ الشامي أن «كثيراً من منتجي المحتوى على هذه المواقع يقدمون معلومات خاطئة، فهل ستضع مثل هذه الاتحادات قواعد لمحاسبتهم، في ظل هوس الكسب السريع من جانب بعض المؤثرين؟».
أما الدكتورة بلعيد، فترى أن «التنافس موجود في كل المهن، ونحن نتحدث عن التنافس الشريف الذي لا يمنع أحداً من ممارسة مهنته. كما أن للمؤثرين اختصاصات مختلفة، فهم يعملون في مجالات كثيرة، مثل الطبخ والماكياج والسياسة والموضة وغيرها... وهناك، مما لاشك فيه، إطار مهني مشترك، في ضوء أن لديهم المصالح نفسها».
وقد يهمك أيضًا:
"فيسبوك" تطرح ميزة للتواصل بين المتواجدين في "الحجر الصحي"
حفلة ساخرة على فيسبوك للاحتفال أول عيد ميلاد لـ كورونا
أرسل تعليقك