توقيت القاهرة المحلي 07:53:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإخوة عساف ينحتون عالمهم في صخور جبل لبنان

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - الإخوة عساف ينحتون عالمهم في صخور جبل لبنان

صخور جبل لبنان
بيروت ـ العرب اليوم

يجلس فريد الأطرش ساهماً في الطبيعة وتحت قدميه تتناثر أوراق الشجر، إلى جانبه عوده، وعدة وريقات وقلم رصاص. ليس بعيداً عنه، يقف شوشو، سيد المسرح وعاشقه، بشعره الطويل المعتاد وشاربيه الكثين، يرفع إصبعه عالياً في وجه الزائر، والابتسامة لا تغادر وجهه، إلى جانبهما شارل مالك والشاعر طليع حمدان، وشخصيات أخرى بينها الفنانان التشكيليان الراحلان وجيه نحلة وعارف الريس. المنحوتات عديدة ومبهرة، بعضها بأحجام أصحابها الأصلية، تلتقيها في الصالة الرئيسية لـ«محترف عساف»، الشامخ في أعالي منطقة الشوف في جبل لبنان، إضافة إلى منحوتات حديثة. الإخوة الثلاثة، عساف ومنصور وعارف، من عائلة عساف، لا يفرقون بين كلاسيكي وحديث. فهم يعملون حيث يحلو لهم، وكما تأتيهم القريحة. 

بدأوا بإقامة مشروعهم هنا في بلدة الورهانية في جبل لبنان، قبل 24 عاماً، بعيداً عن صخب المدن، وأخبار الانهيارات والأوبئة والمنغصات اليومية. على مساحة 13 ألف متر مربع، قرر الإخوة أن ينحتوا أحلامهم في صخر الجبال. تركوا مكان إقامتهم القديم في عاليه، وجاء كبيرهم عساف إلى الورهانية، في أعالي منطقة الشوف، وبدأ يحضّر النواة الأولى للمشروع قبل انتقال الأم والأب وأخويه منصور وعارف. منذ ذلك الحين، بدأت الأرض المهجورة، تتحول إلى مركز فني، بيئي، معماري، نموذجي، والطموحات تكبر، والخطط تنفذ، والأمل الآن أن تتوارث الأجيال حلم الإخوة الذي لا يكفيه عمر واحد.
تبدأ رحلة زائر «محترف عساف» من تمثال رخامي ضخم مثبت في الصخر لكمال جنبلاط، تصعد في الجبل ليطل عليك شهيد الاستقلال سعيد فخر الدين، ملوحاً برايته من مرتفع شاهق. تدلف إلى المشروع من باب خشبي يقودك إلى أدراج حجرية تعبر خلالها الحديقة الضخمة، التي حرص الإخوة على الاحتفاظ بمزروعاتها الطبيعية. عشرات النباتات والأعشاب التي اقترنت بأسمائها بلغات ثلاث، إضافة إلى الرمز الرقمي، وتم تصنيفها بالتعاون مع الجامعة الأميركية، احتراماً لهويتها. كل ما تطلبه تجده هنا، من الصعتر إلى القصعين، السماق، الفستق، الهليون، السنديان، الزيزفون، التفاح، الكروم، وحتى شجر الأرز. هذا الجانب البيئي يتكامل مع الفكرة الرئيسية للمركز أو المجمع الفني الذي يحوي منزلاً ومحترفاً ومعرضاً، ومجلساً، وحدائق، أقيمت جميعها بالانسجام مع بيئتها والطبيعة. 
كل نافذة وباب وطاولة وكرسي، معاد تدويرها من مواد موجودة سابقاً. حركة المياه للري وللاستخدام اليومي، هي أيضاً مدروسة كي لا تذهب نقطة منها هدراً. الأسطح عولجت بمواد خاصة وزرعت، كي تعزل الحرارة وعوامل الحر والبرد، وتتحول إلى حدائق إضافية على كتف الوادي. كل المباني شيدت والتماثيل ثبتت، بعد دراسة حركة الشمس والضوء والرياح. بعد زيارة المنزل النموذجي المشيد وفق النهج التراثي والاحتياجات العصرية، تصادفك في الحديقة منحوتات تجريدية من ست قطع، كل منها تمثل واحدة من حواس الإنسان، فيما السادسة تجسد «الحدس». 
يطلب منك بشار، دليلك إلى هذا المكان الشيق، الذي لا مثيل له في أي مكان آخر، أن تقف في مدخل المبنى الحجري الذي تدلف منه نزولاً إلى صالة المعرض، ومن فتحة صنعت خصيصاً تبعاً لعمليات حسابية دقيقة، وجدنا المنحوتات الست وقد تجمعت لتشكل مع بعضها بعضاً، تمثالاً كاملاً لوجه ميخائيل نعيمة. الإخوة عساف هم الذين نحتوا تمثال نعيمة الشهير في بسكنتا. كانت تلك فاتحة أعمالهم معاً. وتمثال نعيمة في الورهانية هذا، عمل يمزج بين الابتكار والحسابات الهندسية العلمية. حين تسأل اليوم، من نحت تمثال شوشو الذي استغرق أكثر من سنة ونصف أو رأس سعيد عقل، أو أي تمثال آخر، يأتيك الجواب واحداً: الثلاثة معاً. 
يحدثنا الأخ الأكبر عساف عساف، حين نستفسر عن هذه الشراكة التي تذكّر بـ«الأخوين رحباني» عن «فلسفة التخلي» عن نبذ الأنانية، عن مشروع كبير لن ينتهي في عمر واحد، بل يحتاج أجيالاً وتعاضداً. يقول عساف: «الحلم كبير والمشوار طويل، ونحن عازمون على المضي فيه. الأزمات لا تفرملنا. المخطط النموذجي للمشروع المعروض هنا، سيستكمل. عندنا طلاب حتى من كوريا، يأتوننا ليتتلمذوا. سننمي هذا الجانب التعليمي، في المرحلة المقبلة، سنوسع الأكاديمية، ونبني إقامات للفنانين والطلاب، ونكبّر مساحة العرض، والأهم هو مسرح ومدرج، في خلفيته منحوتة ضخمة لجبران ونعيمة وجنبلاط».

هذه المنحوتة لجبران ستزن أكثر من 200 طن، تم وضع تصورها، وسيعمل عليها تلامذة المعهد. «التلامذة الذين من بينهم سنختار الأكفأ والأجدر، ليبقوا معنا، منقطعين في رهبنة النحت. الفن إنكار للذات. نحن أول ما نعلم طلابنا فضيلة التخلي، أن يتخلوا عن أعمالهم وأفكارهم». يقول عساف عساف: «عملنا الأساسي ليس عبر غاليريات، أو أي شبكة، ولسنا حتى منتسبين إلى جمعية الفنانين اللبنانيين. نحن منفصلون عن كل شيء وملتحمون بالطبيعة، التي هي مدرستنا وملهمتنا. نحن نتشارك مع الشجر والحيوانات، وكل ما حولنا، لا نقبل أن نحجّم أفكارنا ونعزلها. عزلة الفكرة هو موت لها». 
حين تستغرق في الحديث يقول عساف عساف أنهم ورثوا بذرة المعرفة عن خالهم ووالدهم الذي كان معمارياً ونحاتاً أيضاً: «وأن ذبذبات المعرفة الأثيرية تنتقل في الطبيعة، وكل يلتقطها من الآخر، ويعمل على صقل موهبته الخاصة». الشيء الوحيد الذي تمكننا من معرفته حول تمايز كل من الأخوة عن بعضهم بعضاً، هو أن الشقيق الأوسط منصور هو الأقرب إلى العمل الهندسي الرياضي، الذي تحتاجه المنحوتات في طور التصميم والتكبير. ما عدا ذلك يصرّ الأخوة على شراكتهم الكلية وذوبان عملهم الجماعي، في المنحوتة الواحدة.

يعتقد الإخوة عساف أن علاقة معرفية كبيرة، ربطت كمال جنبلاط بميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران. الفلاسفة الثلاثة الذين لهم مكانة خاصة في الورهانية، فالنحاتون هنا ليسوا بعيدين عن تلك الفلسفة التي ترى مزجاً مستمراً بين روح الإنسان وما حوله.

حين تخرج من صالة العرض التي تبدو كأنها محفورة في مغارة تحت الأرض وتضم عشرات المنحوتات بسقفها الحجري المحدودب وإضاءتها المحترفة، وتماثيلها الأثيرة التي أحيط بعضها بزجاج منعاً للمس، تخرج إلى محترف في قلب الحديقة مشرفاً على الجبال المحيطة، وآخر في صالات مغلقة، هناك تلتقي بتماثيل نصفية أو كاملة لعشرات الشخصيات. تعرف أن الإخوة عساف نحتوا أكثر من 55 منحوتة معروضة في أنحاء لبنان، وكذلك في النرويج وبلجيكا ونيجيريا. وأقاموا لأنفسهم محترفاً في الصين ينفذون فيه ما يصعب عليهم تقنياً في لبنان. في المحترف تلتقي بغسان تويني والقديس شربل، الطبيب مايكل دبغي وشارل مالك. من الصعب أن تعدّ الشخصيات التي نحتت في هذه القمة الجبلية، واستقرت في أماكن أخرى وبقيت نسخة منها.

حين تنتهي الجولة في الحدائق وبين المنحوتات والمباني التي شيدها الأشقاء بسواعدهم، من حجارة القرية والقرى المجاورة، يجلسك مضيفوك في ساحة تظللها ثلاث سنديانات ضخمة قصت لتشكل سقفاً يجعلك تطل على الطبيعة الخلابة حولك دون أن تلسعك شمس أو تزعجك حرارة، الضيافة من تفاح الشجر المحيط ومياه الينابيع العذبة التي لا ينقطع خريرها، وفنجان قهوة. «كل النحاتين كانوا معماريين، ألم يكن ما يكل أنجلو معمارياً؟» 
يحزن عساف أن الصحافة لا تعنى بالنحاتين، مع أنهم «هم صنّاع الحضارة، وبناة المدن، وبناة النهضة. في لبنان 400 نحات وأكثر من أربعة آلاف رسام تشكيلي، ولا يعنى بهم. من بنى روما؟ أنهم النحاتون، من بنى بعلبك، والأهرامات؟». ويضيف: «أول ما نعلم طلابنا التخلي، أن يتخلوا عن أعمالهم وأفكارهم. نحن عملنا الأساسي ليس عبر فنانين، أو شبكة، ولسنا منتسبين إلى جمعية الفنانين. نحن منفصلون عن كل شيء وملتحمون بالطبيعة، هذه مدرستنا وملهمتنا. نتشارك مع الشجر والحيوانات، وكل ما حولنا، لا نقبل أن نحجم أفكارنا ونعزلها. عزلة الفكرة هو موت لها».
النحاتون عساف لا يعنيهم أن يكونوا حملة شهادات، هم أبناء الأرض، ورثوا مهنة العمارة التراثية عن والدهم كامل الذي توفي قبل أشهر بوباء «كورونا»، يقول الأخ الأكبر: «أنا وصلت للصف الخامس، لكنني تعلمت بمفردي». الأخ الأوسط منصور يعلّق: «لم نسافر، لم نهاجر، ولم يسبق لنا أن زرنا فرنسا أو إيطاليا، أو أي بلد أوروبي، نحن نتعلم مما يحيط بنا» وفي رأي منصور: «إن العبور في الأمكنة لا يساعد على وضوح الصورة، بل قد يشوشها. النظر إلى الصورة من زاوية واحدة، يساعد على التعمق في المشهد، ويعطي القدرة على التأمل والصفاء».
يوقف الإخوة عساف باب الزيارات في أول الشتاء، وينصرفون إلى التبتل في محترفهم. الصيف، هو فسحة لاستقبال الزوار والانفتاح على العالم والتعريف بما أنجز، حيث لا وقت ولا إمكانية للتركيز. بعد ما يقارب الشهر ونصف الشهر، سيعود النحاتون إلى مشغلهم يتبتلون برفقة أعمالهم ويغوصون في فلسفتهم، وفي الصيف المقبل، يطلوّن علينا من جديد، بوافر من منحوتات ونباتات وأبنية تضاف إلى المشروع - الحلم.

 قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :

أول صور ترصد عملية نقل مركب خوفو من منطقة الأهرامات إلى المتحف الكبير

حاكم إقليم فويفودينا يزور الأهرامات ومتحف الحضارة في الفسطاط

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإخوة عساف ينحتون عالمهم في صخور جبل لبنان الإخوة عساف ينحتون عالمهم في صخور جبل لبنان



الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 14:35 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

سموحة يعلن سلبية مسحة كورونا استعدادًا لمواجهة المقاصة

GMT 01:05 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

الزمالك يقبل هدية الأهلي لتأمين الوصافة ويُطيح بحرس الحدود

GMT 15:44 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

سموحة يبحث عن مدافعين لتدعيم صفوفه في الميركاتو الصيفي

GMT 07:13 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الإثنين 12 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 06:34 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حفل عقد قران هنادى مهنا وأحمد خالد صالح

GMT 15:02 2020 الأربعاء ,30 أيلول / سبتمبر

خيتافي وفالنسيا يتقاسمان صدارة الدوري الإسباني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon