توقيت القاهرة المحلي 20:18:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

منها طائر يخرج من رأس القتيل

معاني مُخيفة وغير متوقعة لكلمة "صدى"

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - معاني مُخيفة وغير متوقعة لكلمة صدى

معاني جديدة في مصطلحات اللغة العربية
القاهرة - مصر اليوم

كثيرة هي الكلمات العربية التي تستعمل الآن، بمعنى ما، وكانت في أصلها تحمل معنى آخر قد لا يتخيله البعض أو يتوقعه، إلا أن الشيوع وتطور اللغة وغلبة الاستعمال، ونظام الاشتقاق في العربية، والتطور الحضاري، ساهموا جميعاً، بصناعة محتوى دلالي لكلمة، فيما كانت في أصلها، من غير سياق. كـ"المؤامرة" التي تستعمل الآن، بمعناها الشائع المعروف، إلا أنها في أصولها تعود للتشاور، فيقال المؤامرةُ، المشاورة، وكذلك الائتمارُ والتآمر. من يجرؤ الآن، مثلاً، على وضع كلمتي (التآمر والمؤامرة) في سياق إيجابي؟ اللغة تتغير، بالقدر الذي نتغيّر فيه.

ومثل كلمة (التجديف) التي تقال لحركة جناحي الطائر، والتجديف الذي للسفينة، ويقال جدَف الملاّح، وجدَف الرجل في مشيته، أسرعَ، ثم صار التجديف إنكاراً للنعمة وإخفاء لها. ومنه معنى التجديف المستعمل بمدلوله الديني. والرجل مجدوف اليدين، البخيل.

ولعل كلمة الصدى، هي إحدى الكلمات العربية القديمة التي انتقلت من حال إلى حال، إلى الدرجة التي كانت مرتبطة بالقتل والموتى والجثث، ثم صارت مجرد إشارة إلى أصواتنا أو أصوات الآخرين وأصوات الأشياء.

الصدى ذَكَر البُوم وجمعه: أصداء!

وتأتي كلمة (الصدى) لتشكل فارقاً جذرياً، في مسمياتها، والتي أحصى منها (تاج العروس) 12 وجهاً منفصلاً.

وفيما اتفقت أمهات العربية، كالتاج ولسان العرب والقاموس المحيط وكتاب العين ومقاييس اللغة وتهذيب اللغة، وسواها، على جميع معاني كلمة (الصدى) فقد يستغرب البعض من أن أغلب مسميات هذه الكلمة، لا يرتبط بالمعنى الذي نستعمله الآن، وهو رجع الصوت، وصدى الصوت الذي يسمع في الوادي أو الجبل أو المكان الواسع الفارغ.

وكلمة الصدى متضاربة المعنى إلى درجة تحيّر فيها ألسني العربية ابن فارس، في معجم مقاييس اللغة، فقال عنها: "صدي، الصاد والدال والحرف المعتل، فيه كلمٌ متباعد القياس، ولا يكاد يلتقي فيه كلمتان في أصل". مورداً في اقتصاب يندر عند هذا الرجل، أحد معاني الصدى، قائلاً: "الصدى ذكَرُ البُوم، والجمع أصداء!".

إذن، (أصداء) التي نجمعها الآن، على أنها جمع صدى الشيء أو ما تبع الشيء، كالقول (أصداء القرار الفلاني) و(لا تزال أصداء الموضوع الفلاني تتردد..) هي في الأصل جمعٌ لذكر طائر البوم الذي يتطيّر منه البعض.

ويغادر ابن فارس كلمة (الصدى) بسرعة من مقاييسه، فهو أصلاً اعتبرها مشكلة من حروف متباعدة القياس. إلا أن ما غادره ابن فارس مسرعاً، مكث فيه لغويون كبار، طويلاً، فنعرف السبب الذي أرغمه على الخروج بسرعة من مقاييس الكلمة، فقد تبيّن أن الصدى، هو الرجلُ اللطيف الجسم أو الجسد، أيضاً!

ما سرّ ارتباط الصدى بالجسد البشري؟ هل هي فلسفة عربية قديمة ضاعت من بين أيدينا ولم نعد نعرف مبادئها؟

اقرأ أيضًا:

قرار تعميم تعليم اللغة العربية في فرنسا يثير جدلًا واسعًا

الصدى: ما يتبقى من المرء في قبره!
لكن بعدما كان الصدى ذكَر البُوم، ثم الرجل لطيف الجسد، علينا أن نكون مستعدين، للشيء الذي أطلقت العرب عليه، قديماً، اسم الصدى، وهو "جَسدُ الآدمي" إنما "بعد موته"، أو "ما يبقى من الميت في قبره"! يقول الزبيدي مرتضى الحسيني في تاجه، والمتوفى سنة 1205 للهجرة.

وعلى الرغم من أن الصدى، هو اسم للدماغ ذاته، وعلى الرغم من أنه اسم طائرٍ يهيم في الظلام، إلا أن الصدى بحروفها التي خرج منها ابن فارس، مسرعاً، هو "طائرٌ يخرج من رأس المقتول إذا بليَ!"، يقول التاج واللسان والقاموس المحيط وكتاب العين، وهو اسم قديم منذ ما قبل الإسلام.

..وهو طائرٌ يخرج من جثة الميت!
لم تنته مسميات كلمة الصدى التي بدت مخيفة المدلول كما ظهر، فالصدى هو العطش الشديد أيضاً، بل هو "سمكة سوداء طويلة، ضخمة، واحدتها صداة" يقول التاج. ويؤكد الأزهري في تهذيبه: "كانوا يسمّون ذلك الطائر الذي يخرج من هامة الميت إذا بلي، الصدى". ويضيف: الجدجد الصدى".

ويؤكد أقدم معاجم العربية، كتاب العين، أن الصدى هو الهامُ الذكَرُ ويجمع "أصداء".

ونقل اللسان، أن العرب كانت تعتقد بأن عظام الموتى تتحول إلى نوع من الطيور، وكانوا يطلقون عليه اسم (الصدى!).

والمسميات الـ12 التي وردت في (التاج) لكلمة الصدى وقام الزبيدي نفسه بإحصائها والقول إن لها 12 وجها هي على التوالي: 1- الرجل لطيف الجسم، 2- جسد الآدمي بعد موته، 3- حشو الرأس، 4- الدماغ، 5- طائر الليل، 6- طائر يخرج من رأس المقتول، 7- فعل المتصدي، 8- العالِمُ بمصلحة المال يسمى الصدى، 9- الصدى العطش الشديد، 10- ما يردّه الجبلُ على المصوّت، 11- ذكَر البُوم، 12- سمكة سوداء ضخمة.

تتفرد كلمة الصدى بمسمياتها القديمة وتغيّرها الذي نقلها من مكان إلى آخر، بالكامل. مثلها ككلمة (الوهم) التي كانت تطلق على الجمل الضخم، فيما نستعملها الآن بمعنى الوهمي أي غير الحقيقي. وكذلك كلمة الشَّبَح التي كانت تطلق على الشخص، وأصبحت الآن تطلق على الشيء غير المرئي!

إلا أن أهل الفن والطرب لو عرفوا أن (الدّندنة) كانت اسماً لصوت الذباب والزنابير، لا بدّ سيحجمون عن الدندنة، ويدخلون في الغناء، مباشرة، وبأقوى طبقات أصواتهم. وكذلك المحسوس، قديماً، هو المقتول، مِن حسَّه، إذا قتله، فيما نستعملها الآن بمعنى المدركات، ونقول المحسوسات، كما لو أننا نقول المقتولات!

مفردات اللغة العربية، كتاب تاريخ مشفَّر، وضعت فيه العرب ما اختبرته في الحياة، فصارت كلماتها دلالة على فلسفتها، وصورة من تطورها وغناها، وما تغيُّر مسميات اللفظ الواحد عند العرب، إلا دلالة تطويع العربي للغته واستجابتها له. فلم تكن اللغة والحالة هذه، أداة تواصل، وحسب، بل نظام تفكير وأسلوب حياة.

قد يهمك أيضًا:

اللغة العربية تنهار بسبب مواقع التواصل الاجتماعي

طرد مُعلّمة في أميركا رفضت التوقيع على بند عدم مُقاطعة إسرائيل

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معاني مُخيفة وغير متوقعة لكلمة صدى معاني مُخيفة وغير متوقعة لكلمة صدى



الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 13:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 06:08 2024 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

عطور نسائية تحتوي على العود

GMT 08:19 2022 الأحد ,25 كانون الأول / ديسمبر

أزمة الطاقة وسيناريوهات المستقبل

GMT 19:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الطرق الصحيحة لتنظيف الأثاث الجلد

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon