القاهره - مصراليوم
«ليلة واحدة فقط»... هو عنوان الحفل الذي نظّمه المصمم جيورجيو أرماني في دبي منذ يومين، بمناسبة مرور 10 سنوات على افتتاحه أول فندق يحمل اسمه وبصماته في العالم.«ليلة واحدة فقط» أحياها كريس مارتن من فرقة «كولد بلاي»، وحضرتها باقة من نجوم هوليوود، كانت كافية لتلخيص مسيرة بدأت منذ عام 1975، وأثرت على الموضة بشكل واضح... لم يخفّ وهجه رغم تعرض صناعة الموضة إلى تذبذبات وتغيرات عدة عبر العقود. الآن يُذكر اسم «جيورجيو أرماني» فتقفز إلى الذهن صور عديدة، من الشوكولاته اللذيذة، والفنادق الفخمة، إلى العطور والورود... والآتي لن يُخيب الآمال. فإمبراطوريته المترامية في كل أنحاء العالم تقدر بالمليارات، ولا يبدو أنّه، رغم سنواته عمره المتقدمة، سيتوقف أو يُسلم المشعل لغيره. عروضه وعطاءاته تؤكد أن الإبداع لا يتوقف عند عمر معين. لكن رغم نجاحه في مجالات متعددة، فإن اسمه «مصمم أزياء» يبقى الأقوى والأكثر تأثيراً. وهذا ما يعرفه جيداً، واستغله يوم الثلاثاء الماضي من خلال عرض شد الأنفاس زاوج فيه المصمم بين هندسية الفندق المُحتفل به وفنية الأزياء المفصلة هي الأخرى بشكل هندسي في كثير من القطع، وإن كان الأهم بالنسبة للحضور المتحمس؛ وكان أغلبهم، إن لم نقل كلهم، من دون كمامات، هو ذلك الإحساس العارم بأن كابوس وباء «كورونا» بدأ ينزاح بالتدريج.
سعادة بمنطقة أعطته الكثير في لقاء خاص مع «الشرق الأوسط» عبر المصمم المخضرم عن سعادته بعودته إلى دبي بعد 11 سنة؛ فالمناسبة بالنسبة إليه لا تقتصر على احتفاله بأول فندق يحمل اسمه فحسب؛ بل هي أيضاً تعبير عن امتنانه لمنطقة أعطته كثيراً من الحب والولاء. فزبوناته في المنطقة يتميزن بالوفاء، كما أنهنّ في ازدياد. وحسب قوله؛ فـ«أجمل ما فيهن أنهن يُقدرن كل ما هو مترف ومتقن وفريد من نوعه، وهو ما يتوفر في خط الهوت كوتور (أرماني بريفيه) تحديداً». ويتابع: «لأن هذا الفندق كان أول تجربة لي في مجال الضيافة، فمكانته في قلبي خاصة جداً... حققت فيه حلماً راودني طويلاً، ورسمته في خيالي بصور وزوايا عدة، من ثمّ أسعفني الحظ بأن أراه يتبلور أمام أعيني ليصبح معلماً من معالم دبي بفضل موقعه في (برج خليفة)».
بالنسبة للتشكيلة التي عرضها أمام ضيوفه في دبي، فقد سبق للعاملين والمختصين في مجال الموضة أن استمتعوا بها خلال «أسبوع ميلانو» الأخير الموجه لربيع وصيف 2022؛ إلا إن أرماني لم يرد أن يحرم زبائن المنطقة ممن لم تسمح لهم ظروفهم بالسفر حينها، من معاينتها من قُرب. والحقيقة أنّه اكتسب روحاً أجمل في دبي مقارنة بها في ميلانو. ربما لأن الأجواء كانت أنسب والساحة كانت مفتوحة له من دون منافس.بصمات تفوح بالألوان والتفاصيلكانت بصماته تفوح من التشكيلة بألوانها وتفصيلها المحسوب في كثير من الأحيان، وانسدالها في بعض التفاصيل؛ هذه البصمات التي جعلت منه مدرسة قائمة بذاتها منذ منتصف السبعينات. فمنذ بدايته كان سابقاً لأوانه بنظرته الواضحة التي لم يحد عنها تحت أي ضغوط تفرضها متطلبات الأسواق المتنامية. ففي حين كان أقرانه يميلون على التصاميم المثيرة ذات الفتحات العالية والخطوط الضيقة وغيرها من التصاميم التي تلعب على الإثارة الحسية، اختار هو أن يسبح ضد التيار بتفكيك هذه التفاصيل واعتماد لغة تخاطب امرأة معاصرة بدأت تدخل مجالات العمل بقوة وثقة في بداية الثمانينات. منحها تايورات مفصلة تعزز مكانتها من دون أن تُفقدها أنوثتها معتمداً أيضاً على ألوان هادئة ودرجات ترابية أصبحت لصيقة باسمه.
تشكيلة ربيعية «وردية» ألوان تشكيلته لربيع وصيف 2022 خرجت عن هدوئها المعهود، واصطبغت بـ«وردية» كانت نابعة من نظرة جيورجيو المتفائلة للمستقبل. لا ينكر أن ما مر به العالم خلال الـ19 شهراً الأخيرة لم يكن سهلاً، وأنه سيظل مطبوعاً في الذاكرة والنفوس، ولكن لحسن الحظ أن عنصر الإبداع لم يتأثر؛ بل يمكن القول إن الفيروس نشطه أكثر؛ حسب رأيه، مصرحاً بأنّ «كل ما علينا القيام به بصفتنا مصممين أكثر من أي وقت مضى، أن نُقدر الحرفية أكثر ونقاوم الموضة السريعة بأن نُعطي كل قطعة فرصة للبقاء مدة أطول في خزانة المرأة».بتفاؤله، كان يبدو واضحاً أنّه يحاول محو صور الخوف والهلع التي سادت العالم من ذاكرته، في بداية 2020 وجسدتها صور عرضه بالذات خلال «أسبوع ميلانو». كان عرضاً من دون جمهور، ظهر فيه العاملون بكمامات أخفت أنصاف وجوههم، لكن لم تستطع أن تخفي نظرات الخوف والهلع من عيونهم. بمنطق فلسفي؛ يقول أرماني إنّ «صناعة الموضة كانت مُقبلة على تغييرات كبيرة، وكل ما قام به الوباء أنّه سرّع من تطبيق هذه التغيرات، لا سيما فيما يتعلق بمحاربة الموضة السريعة، بكل ما يترتب عليها من إنتاج كميات كبيرة لا داعي لها، ولهاث وراء الصرعات تحت شعار (الجديد)؛ الأمر الذي جعل دورة الموضة متسارعة بشكل غير صحي».
موضة أكثر ديمقراطية
لا يبدو من كلامه أنه يتحسر على الماضي أو يحن إليه. فبصفته مصمماً عايش عقوداً عدة وتخطاها بنجاح، فهو مقتنع بأنّ لكل عصر ثقافته ولغته، بل يمكن القول إنّه سعيد بأنّ الموضة أصبحت أكثر ديمقراطية. يشرح أنّ «الموضة في بداياته كانت ترفاً تحتكره شريحة معينة من الناس، أمّا اليوم فقد أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الثقافة العامة ومن ثقافة الشارع، وهو ما يجعل عمل أي مصمم أكثر متعة وشمولية». ويتابع: «ألحت عليّ هذه المقارنات بين الماضي والحاضر كثيراً في الآونة الأخيرة، ربما لأنّها تزامنت مع احتفاليتي بمرور 40 عاماً على إطلاقي خط (أمبوريو أرماني). كان ذلك في عام 1981، وتعرضت حينها لكثير من الانتقادات لأنّ العديد من الناس لم يستوعبوا كيف يمكن لمصمم له اسم رصين ومكانة أن يُطلق خطاً شبابياً من هذا النوع. لم يكن الأمر مقبولاً في ذلك الوقت، لكن كل هذا تغير الآن».
اللافت أن أسلوبه في التفصيل لم يتغير، ولا ميله إلى تفصيل الأزياء الراقية ومتعته الواضحة في تصاميمه من خط «أرماني بريفيه»، إلى حد القول إنّه من الصعب ربط اسمه بموضة «الشارع» السارية حالياً، لكنه يؤكد أن «النخبوية أصبحت خبراً من الماضي، وهذا أمر جيد ما دمنا نقاوم الموضة السريعة، لأنّ تأثيرها على مسار الموضة لم يكن إيجابياً على الإطلاق، إلى جانب تنامي قوة المجموعات العملاقة التي ساعدت على خلق نظام يتعارض مع فكرتي عن الإبداع والذي يتمثل في تقديم قطع لا تعترف بزمن ويمكن أن تبقى مع المرأة طويلاً من دون أن تمل منها أو تشعر بأنّها (دقة قديمة)».آخر فرسان الزمن الجميل هذه القناعة والرغبة المحمومة في الإبداع من دون خنوع لضغوطات الأسواق أو متطلبات «إنستغرام» وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، جعلت كل تصاميمه؛ سواء الأزياء الجاهزة أو الـ«هوت كوتور»، تتميز بالعملية والأناقة الراقية في كل الأوقات، مع ميل قوي لجمال يُذكرنا أن جيورجيو أرماني هو «آخر فرسان الزمن الجميل».
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
تعرف على ملاذ جيورجيو أرماني الراقي في "سان تروبيه"
أسبوع الموضة العربي يعود إلى منصات العرض الحضورية في حي دبي للتصميم
أرسل تعليقك