بعد مرور عام على الأزمة الخليجية، لا يبدو أن هناك رابح أو خاسر، ولا حل في الأفق رغم المبادرات الدبلوماسية العربية والدولية. فكل دولة (السعودية وحلفاؤها وقطر) تتمسك بموقفها في حين تعاني العائلات المزدوجة من مآسي الشتات والحدود المغلقة.
تدخل الأزمة بين قطر والسعودية الاثنين، عامها الأول، دون أن تظهر في الأفق بوادر الانفراج، رغم المبادرات الدبلوماسية العديدة التي قامت بها دولة الكويت وسلطنة عمان وأطراف عربية أخرى لحل النزاع الذي نشب للمرة الأولى في 23 مايو/ أيار 2017، ولا يزال الحصار المفروض برا وجوا وبحرا على قطر من قبل السعودية وحلفائها، مثل الإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين، ساري المفعول لكن دون أن يؤثر بشكل قوي على اقتصاد البلاد، حسب يوسف بل فلة، أحد المختصين في الشؤون الاقتصادية لمنطقة الخليج.
ففي مقال نشره في مجلة "شالونغ" الفرنسية، كتب أن اقتصاد قطر لم ينهر كما كان يتوقع الجميع في البداية، بل استطاع أن يصمد أمام سلسلة من الإجراءات والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها دول الحصار. وبالعكس، حسب رأي هذا الخبير الاقتصادي، كانت انعكاسات الأزمة أكثر ضررا على اقتصاد السعودية والإمارات المتحدة والبحرين.
وكتب:" أكثر من 300 شركة سعودية متواجدة في قطر تأثرت بشكل مباشر من الأزمة الخليجية، بعدما قامت قطر باستقدام شركات أجنبية جديدة، من بينها شركات تركية استثمرت في مجال الصناعة الغذائية وفي مجالات أخرى".
آثار الحصار الاقتصادي على قطر "جانبية" حسب صندوق النقد الدولي
وأضاف أن هذه الخسارة لم تكن السعودية بحاجة إليها في وقت تعاني فيه من عجز مالي كبير بسبب تراجع أسعار النفط من جهة، وإطلاق مشاريع جديدة ومكلفة مثل مشروع "رؤية 2030"، الذي يفترض أن يحدث نقلة نوعية من اقتصاد يعتمد على النفط بـ90 بالمائة إلى اقتصاد رقمي يعتمد على الطاقات المتجددة من جهة أخرى.
هذا، واعتبر صندوق النقد الدولي أن الآثار الاقتصادية التي ترتبت عن الحصار المفروض على قطر خلال سنة كانت "جانبية" نوعا ما، مشيرا إلى "أنه في الوقت الذي انخفض فيه التمويل الأجنبي والودائع الخاصة بالقطاع الخاص بمقدار 40 مليار دولار، تم تعويض ذلك عن طريق النقد الذي قدمه البنك المركزي وصندوق الثروة السيادي القطري"، وأكثر من ذلك، فإن "الحصار ساعد قطر على الحد من عدم الاعتماد على جيرانها في مجلس التعاون الخليجي".
وأضاف في حوار مع موقع "ميدل إيست أي" الناطق بالإنجليزية:" أن "مجلس التعاون الخليجي كان يحاول دائما تكريس مقاربة مشتركة للمنطقة. غير أن هذه الدول لم تكن بالضرورة تتفق في الرأي"، مردفا "من خلال السعي إلى تحقيق اكتفائها الذاتي، خاصةً من الناحية الاقتصادية، سمح هذا الحصار لقطر في النهاية بشق طريقها الخاص واتخاذ الخطوات التي كانت ممنوعة من القيام بها في السابق".
تراجع مستوى السياحة في قطر
لكن رغم أن اقتصاد قطر لم ينهر كليا، فهذا لا يعني أنها لم تتأثر بالأزمة. فغلق الحدود البرية والجوية عليها من قبل دول الحصار أثر سلبا على قطاع السياحة والذي كان يستقطب أعدادا هائلة من الزوار الخليجيين. واليوم أصبحت الفنادق الفخمة شبه فارغة، شأنها شأن بعض المحلات التجارية العريقة التي كانت مقصدا للسعوديين.
من جهته، أكد الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية "أن أزمة قطر لم تنته بما أنه لم يتم معالجة الأسباب التي أدت إلى وقوعها". وأضاف في تغريدة على حسابه على "تويتر": إن الدرس الأساس لعام من أزمة قطر وعزلتها هو تغليب مصلحة الشعب على طموح سياسي مستحيل"، مؤكدا "أن المهرجانات المدفوعة الثمن والتي تريد قطر تنظيمها لإحياء مرور سنة من الأزمة ما هي إلا صدى يشترى، والأهم هو أن تشترى جارك ومحيطك بكف أذاك عنه".
وتمنى الوزير الإماراتي أن تنتج سنة من المقاطعة "فكرا جديدا ومقاربة أكثر حكمة في الدوحة. لأن المخرج، حسب اعتقاده، لن يكون عبر شركات العلاقات العامة والمناكفات الإقليمية والتدخل الخارجي لحلّ الأزمة، بل عبر مراجعة وتراجع عن سياسات سببت الضرر وساهمت في دعم التطرّف والإرهاب"، حسب قوله.
وكانت أزمة الخليج اندلعت في 23 مايو/أيار 2017 عندما تمكن قراصنة مجهولون من اختراق الوكالة القطرية للأنباء ونشر معلومات نسبت للأمير القطري الشيخ تميم ينتقد فيها الإمارات العربية المتحدة والسعودية والولايات المتحدة.
أزمة الخليج شتت العائلات المختلطة وفرقتها
وعلى خلفية هذه الحادثة، تأزم الوضع مع السعودية والإمارات والبحرين ثم مصر ووصل إلى حد الإعلان عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر في 5 يونيو/حزيران 2017 وغلق جميع الممرات والمعابر البرية والجوية. فيما طالبت دول الحصار من مواطنيها المتواجدين في قطر العودة فورا إلى بلدانهم الأصلية. وأمهلت قطر بضعة أيام لتلبية 13 مطلبا أبرزها "وقف تمويل الجماعات الإرهابية وغلق نهائيا قناة الجزيرة والحد من العلاقات التي تربطها بإيران فضلا عن إغلاق القاعدة العسكرية التركية".
لكن الدوحة رفضت هذه المطالب واعتبرتها " تجاوزا لسيادتها وانتهاكا لحقوقها المشروعة وخرقا للقانون الدولي و"الاتفاقيات الثنائية والجماعية الموقعة بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي"، فازداد الطين بلة وتعقدت الأمور أكثر وتسببت في تشتيت العائلات والمواطنين الذين يملكون جنسيات مزدوجة. ما أدى منظمة العفو الدولية إلى انتقاد دول الحصار واتهامها بعدم تخفيف معاناة المتضررين، فيما ذلك العديد من الأسر المختلطة التي تواجه حالات من الشتات والتفرقة بين أفرادها.
جهود دبلوماسية لحل الأزمة الخليجية
ورغم المعاناة الإنسانية والأزمة الاقتصادية التي يعيشها كل بلد، إلا أن بوادر الانفراج ليست جلية لغاية الآن، بل يبدو أن الدول المتأزمة متمسكة بمواقفها ولا تبالي بما تعاني منه الشعوب.. فهل من حل قريب؟
أرسل تعليقك