الإسكندرية – رنا سلام
صدرت مجموعتان قصصيتان جديدتان للأديب المصري منير عتيبة، يودع بهما عام 2014، حيث أصدرتهما مؤسسة "حورس الدولية" مجموعة من القصص القصيرة جدًا بعنوان "روح الحكاية"، ومجموعة قصصية بالتعاون مع اتحاد كتاب مصر بعنوان "بقعة دم على شجرة".
وصدرت المجموعة القصصية بغلاف للفنان التشكيلي ماهر جرجس، ومجموعة القصص القصيرة جدًا بغلاف للأديب أحمد الملواني.
وذكرت الناقدة الدكتورة امتنان الصمادي، في دراستها عن مجموعة "روح الحكاية: "لقد اعتاد المتلقى على نمط من بناء العلاقة بين الشعب والسلطة، فعادة تشكل السلطة رمزًا للثبات بفعل القوة الذي تملكه والشعب يمثل دور المضطرب الخائف، لكننا نقع في القصص على معالجة معكوسة خلافًا للسائد؛ فالسلطة عند عتيبة هي المضطربة والشعب هو الساكن أو الثابت، لكن ثباته ليس دليلًا لقوته بمقدار ما هو دليل حيرته.
وتنطوي القصص على روح الفرد المتطلعة إلى الخلاص بقوة تدمير الذات بالذات، ويظهر الفرد الشبح أو الفرد الأيقونة، حتى إن البناء يتقاطع في العديد من القصص مع ما يعرف بسريلة الأدب.
و"روح الحكاية" عند عتيبة أصلها مسدس، وحلها مسدس، لكنه لا يصوب إلى قلب الظلم بل إلى قلب المظلوم، إن إرادة الفرد المسلوبة غير معروف لصالح من هذا السلب، ورغم ذلك يبدو العنوان متممًا للنص بكل المقاييس.
ولوحظ أن التعاطي مع فن القصة القصيرة جدًا بمهنية عالية مكّن من بروز مزية أخرى تكاد تكون لازمة في فن القصة القصيرة جدًا ألا وهي القدرة على بذر الحكمة في ثنايا القصص، فشدة التأمل والاستغراق في الأنا يمنح النص خروجًا إلى الكل بعيدًا عن الفردية المطبقة.
وأوضح الناقد محمد عطية محمود في دراسته عن مجموعة "بقعة دم على شجرة: "من خلال عنوانين داخليين دالين، يشطران المجموعة القصصية "بقعة دم على شجرة" لـ "منير عتيبة"، تبدو العلاقة بين الكتابة القصصية، وفلسفة المعايشة الحياتية المغايرة للواقع، أو المنحازة إلى الجانب الآخر من الحياة المفتقد في دهاليز الحيرة الإنسانية، أو ربما الوقوع تحت تأثير الرغبة في إعادة تشكيل العلائق المادية مع الواقع المحيط، من حيث اختلاف الزوايا الحياتية، ونزوعًا نحو اكتمال الرؤى المتعلقة بالحالة "القصصية / الإبداعية" المتضاربة مع الحالة الحياتية المشتبكة مع الواقع، واللا واقع في نفس الوقت، يبدو ذلك كله مرتبطًا في ضمير النصوص بمسيرة، ومصائر الشخوص التي تعاني ضغطًا نفسيًا، وإن تفاوتت درجات تأثر كل منها بعناصر فقد أي من مقومات تلك الحياة أو ما تصبو إليه فيها، وهاجس كل منها للاكتمال أو التحقق من فشل هذا الهاجس، حيث يلج "عتيبة" عالم مجموعته الجديدة، باستلهام روح أحد نصوصه في مجموعته السابقة "كسر الحزن"، مستمدًا منها مفتتحًا دالًا، ومؤثرًا في تعميق الرؤية الخاصة للمجموعة، والتي ترتبط بهذا الإحساس الفلسفي بقوة الفقد إمعانًا في الالتصاق بقوة في أمل ما ربما تحقق كاكتمال لهاجس ما".
ويرتبط القسم الأول للمجموعة المعنون بـ "عن الزمن والمتاهة"، بعنصر الزمن الذي تسلل من نص المفتتح، متتبعًا هذا الخيط النفسي، والذي يربطه بدلالة المتاهة التي تتآلف معه، ليسيطرا على مجرى السرد الواقع بينهما، من خلال مجموعة داخلية من النصوص يلعب فيها الزمن، مع دلالات الفقد المعنوي، المتضافر مع المادي في أغلب الأحوال، وثمة صلة وثيقة بين القسم الثاني للمجموعة والمعنون "عن الحب والقسوة" بالقسم الأول "عن الزمن والمتاهة"، من حيث تأطير وتكريس دلالات الفقد التي تشغل الهم الرئيس لتلك المجموعة، وذلك أيضًا من خلال محاولة الولوج إلى العالم الذاتي النفسي لشخوص تسحقهم بيئتهم المشحونة بمزيج من المشاعر المتضاربة التي تتعامل مع كل شيء حتى مشاعر الحب والعاطفة بالقسوة، وهو ما نجح هذا العنوان الفرعي بالتعبير عنه بتلك الثنائية المتقابلة، والمتناصة مع الواقع السفلي لقاع المكان أيا كان، فالمكان هنا يلعب دورًا رئيسًا في تجسيد المعاناة، فهو الحدود الضيقة التي تتحرك فيها هذه المشاعر المتضاربة، ولا تخرج خارج حيزها القدري. وذلك أيضًا من خلال مجموعة النصوص التي تتوافر لها عوامل عالم متكامل يمكن تجسيده، بتواليها أو ارتباطها الملتزم بعنصر المكان، وبالتالي يتلاشى عنصر الزمن، تقابلًا مع نماذج القسم الأول التي حدث فيها العكس بطغيان عنصر الزمان وتلاشي عنصر المكان.
يُذكر أن منير عتيبة فاز بالعديد من الجوائز والتكريمات كان آخرها جائزة اتحاد كتاب مصر في القصة القصيرة لعام 2014 عن مجموعته القصصية "حاوي عروس"، وتكريم نقابة العاملين بالتنمية البشرية وتعديل السلوك له كأفضل كاتب قصة في 2014. وهو مؤسس ومدير مختبر السرديات في مكتبة الإسكندرية.
أرسل تعليقك