في روايته الجديدة (السرعة القصوى صفر)، يراجع الروائي المصري أشرف العشماوي تاريخ مصر السياسي منذ أربعينيات القرن الماضي إلى ما بعد هزيمة عام 1967.
وتقدّم الرواية، التي صدرت هذا الشهر في 422 صفحة عن الدار المصرية اللبنانية، تشريحا روائيا لصراع الجماعات الأيديولوجية على السلطة، كما تكشف طرقها الملتوية في إدارة العلاقة مع مختلف القوى السياسية، إلى أن تمكن الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر من انتزاع السلطة في 23 يوليو تموز 1952.
وأشرف العشماوي واحد من أكثر المؤلفين مبيعا في مصر، وسبق وأن كتب روايتين تدور أحداثهما خلال نفس الحقبة السابقة على ثورة 1952، هما (سيدة الزمالك) و(صالة أورفانيللي).
وإلى جانب إبداعه الروائي، فإن العشماوي هو أحد أعضاء السلك القضائي. وسطع نجمه الأدبي مع صعود روايته الأولى (تويا) للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية عام 2012.
وتمثل (السرعة القصوى صفر) قفزة في مشروع أشرف العشماوي الروائي الذي اعتمد في السابق على أرشيفات ووقائع قضائية، ومن ثم كانت لغتها تقريرية. لكن الأمر اختلف هذه المرة، فكانت اللغة فنية ثرية.
وتحمل الرواية دلالات كثيرة، تدين بين طياتها جماعة الإخوان المسلمين من خلال بطلها الرئيسي شكري تاج الدين المنتمي للجماعة والذي يبدو "براغماتيا" طموحا في سعيه الدائم للتحالف مع الأقرب إلى السلطة.
شكري أحد شقيقين توأمين من أسرة أرستقراطية وصل عائلها لمقعد الوزارة ويمنح لبيت العائلة اسما مجازيا هو (بيت الأمة)، في إشارة واضحة لزمن ثورة مصر القومية في 1919 التي عاصرها الجد والأب.
وفي حين ينتمى شكري لجماعة الإخوان اقتداء بخاله، يعمل أخوه فهمي وكيلا للنائب العام، ويظل طوال الأحداث مؤرقا بالشك في انتماءات شقيقه والتقلب بين التزامه بواجبه المهني وضعفه أمام مشاعر الأخوّة.
ويؤسس المؤلف ببراعة لتصدع علاقة الأخوّة لأسباب بعيدة كل البعد عن الاختلافات الأيديولوجية، فبعدما كانا يتنازعان على الألعاب في الصغر، وقعا في الكبر في حب فتاة واحدة هي الجارة أمينة سعادة التي اختارت شكري المغامر زوجا لها وتركت شقيقه الغارق في تردده.
* عنصر التشويق
وضع أشرف العشماوي على غلاف روايته عنوانا شارحا صغيرا يقول إن روايته "مستوحاة من بعض أحداث حقيقية"، كما لجأ إلى تقنية توثيقية استعمل فيها بيانات الإذاعات الرسمية والأهلية لتصبح للمرة الأولى مصدرا توثيقيا مهما للروايات التي كانت تعتمد في الماضي على الأرشيفات الصحفية.
وبفضل هذه التقنية عزز المؤلف لدى القارئ الثقة في واقعية الأحداث، أما جهده التخييلي فقد تركز في خلق دوافع درامية لشخصياته تنسجم مع تاريخها الشخصي، وتتضح ملامح كل شخصية فيما ترويه من أحداث من خلال تقنية تعدد الأصوات.
ابتكر العشماوي عدة عناصر تشويقية في النسيج الروائي الذي نجح في صياغته بمهارة، وحافظ على إيقاع متناغم، حيث ركز في رواية الأحداث على بطلين رئيسين هما شكري وشقيقه فهمي، إلى جانب أمينة سعادة، وفايز حبشي العامل الفني في شبكات الإذاعات الأهلية وابن الخادمة التي كانت تعمل في منزل العائلة.
وداخل الرواية تسعى كافة القوى لاستغلال حاجة حبشي للمال ليتخلص من الفقر، وبالتالي كان مؤهلا للعمل مع الجميع، يؤسس إذاعة حسب الطلب ويخدع الجماهير طوال الوقت.
تتحول الكثير من الشخصيات التاريخية في الرواية، من أمثال الملك فاروق وحسن البنا ومأمون الهضيبي وجمال عبد الناصر، إلى شخصيات روائية تؤدي أدوارا ثانوية مقابل صعود أبطال الرواية الذين يتخذون القرارات الرئيسية.
وفي الرواية يتحول عبد الناصر من قائد سياسي إلى شخصية روائية تقود عمليات تفاوض وتلاعب كافة القوى وتهيئ مسرح الأحداث قبل أن تصعد لتؤدي الدور الرئيسي وتنهي أدوار الآخرين بمهارة. وعندما تبلغ لحظة الهزيمة يتحول إلى بطل تراجيدي كامل المواصفات.
عنوان الرواية (السرعة القصوى صفر) يحمل مدلولا يمكن أن يفك القارئ شفرته بسهولة عندما يصل لصفحاتها الأخيرة.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
كتب دار الشروق الأكثر مبيعًا خلال هذا الأسبوع
"يونس ومريم" رواية جديدة للكاتب محمد موافي عن دار الشروق
أرسل تعليقك