القاهرة- مصر اليوم
صدر عن الدار المصرية اللبنانية كتاب "حكايات عن القراءة .. best seller” " الكتاب من تأليف سامح فايز وهو محرر ثقافى فى عدد من المواقع والمجلات الثقافية، فى البداية يقر سامح فايز أن موضوع تتبع الأكثر مبيعاً عربياً فى المنطقة العربية ظاهرة بدأت معه حين حاول دراسة تحولات حركة النشر وأرقام النشر والتقسيمات النوعية للمطبوعات، وتقدم نوعاً فكرياً على الآخر، غير أن تحليل المنتج الفكرى نفسه للسنوات الخمس الأخيرة زاد المسألة تعقيداً، وتطلب توسيع دائرة التحليل من قبل المؤلف.
يلفت المؤلف الانتباه إلى حركة النشر فى دور النشر الكبيرة والمعتمدة فى السوق المصرى وعلى مدار ثلاث سنوات لم يتجاوز Yصدارين أو ثلاثة، وتقلص عدد الاصدارات لدار أخرى إلى الثلث تقريباً، فيما توقفت الحركة لدى دور أخرى لعامين متتاليين، لكن على جانب آخر ظهرت على السطح دور نشر خاصة اهتمت بنشر كتابات الشباب، ومع تراجع حجم مشاركة دور مشاركة دور النشر المتعارف عليها فى مصر تزايد حجم النشر فى الدور الناشئة. ومع عودة دور النشر الكبرى للسوق مرة أخرى، مع هدوء الأوضاع نسبياً فى مصر، بعد عامين من أحداث يناير، اتجهت هذه الدور للنشر للشباب، فظهر الكاتب الشاب أحمد مراد مع دار الشروق المصرية، بعد أن صدرت روايته الأولى عن دار ميريت فى العام 2008 وحققت نجاحاً نسبياً.
المؤلف يرصد ظواهر تستحق الوقوف كثيراً أمامها منذ عام 2005 حين تأسست أول دار نشر فى القاهرة بدأت كمنتدى أدبى على الانترنت يجمع المهتمين بالكتب، لتحمل دار النشر اسم نفس الموقع "دار ليلى".
نستطيع أن نتحدث عن عام 2005 قائلين، قبل وبعد، ذلك أن التسارع الدرامى لاستخدام شبكات المعلومات وسطوة مواقع التواصل الاجتماعى أصبح سوقاً كبيراً للترويج لأى شيء وكل شيء، فبعد أن الكاتب بإمكانه الوصول لعشرات من القراء قبل عام 2000 صار من السهولة بمكان أن يصل إلى ملايين ممن يستخدمون الإنترنت، ففى عام 2010 كمثال وصل عدد مستخدمى موقع واحد على الشبكة العنكبوتية "فيس بوك" إلى مليون مستخدم، وارتفع هذا الرقم بشكل درامى عام 2016 إلى 34 مليون مستخدم داخل مصر فقط، هذا التسارع استفاد منه جيل كامل من شباب الكتاب لتسويق أعمالهم بين ملايين المستخدمين والذى كان سبباً عام 2013 أن رواية الفيل الأزرق للكاتب الشاب أحمد مراد باعت 100 ألف نسخة خلال العام الأول من صدورها حسب تصريحات الناشر.
وفى نفس العام ارتفع عدد دور النشر الخاصة المسجلة فى اتحاد ناشرى مصر من 260 دار نشر عام 2013 إلى 1100 دار نشر عام 2018 لمواكبة هذه الزيادة.
عام 2012 فقط تأسست 50 دار نشر مهتمة بنشر مهتمة بنشر أعمال الشباب من لهم مدونات إلكترونية للكتابة على الانترنت، والتى وصل تعدادها إلى 150 ألف مدونة عام 2005 بحسب دراسة عن النشر صدرت عن المجلس الأعلى للثقافة فى القاهرة، ذلك ما دفع أيضاً اتحاد الناشرين المصريين عام 2013 لوضع قواعد لممارسة مهنة النشر بعد 60 عاماً من تأسيسه! لضبط عملية النشر التى فاقت تصوراته لكنه لا يزال عاجزاً عن إتمام عملية الضبط، خاصة وأنه لا زال يتعامل مع هذه التطورات الدرامية بنفس العقلية التقليدية غير المستوعبة لما يحدث.
الطفرات الكبيرة فى عالم النشر فى مصر لم يستفد منها صانع الكتاب الأصلي، حيث تسببت هذه الطفرة إلى جانب عجز الصانع فى مجاراتها إلى ظهور ما يعرف فى علم الاقتصاد ب "السوق الموازي". أسباب ظهور ذلك السوق الذى تنتشر فيه الكتب غير الأصلية "المزورة" التى تؤرق نوم صناع النشر فى الوطن العربى لا تعود إلى المزور، بل السبب هو صانع الكاتب نفسه، الناشر.
قبل عام 2005 كان نشر مؤلف لكتابه لا يتم فى مصر إلا عن طريق دوائر معروفة، سواء الانتماء لمراكز وزارة الثقافة الرسمية المنتشرة فى العاصمة والمحافظات المختلفة، أو الانضمام لتجمعات المثقفين فى منطقة وسط البلد فى العاصمة القاهرة، هذا أيضاً معناه أنك ستخرج متأثراً بنفس الخلفية الثقافية لهذه الجماعات، لكن ما حدث مع سيطرة شبكات الانترنت أنك أصبحت أمام منتج أولى نشأ عن ثقافات متعددة ومختلفة صعب احتواؤها فى وعاء واحد، هذه الزيادة الكبيرة على مستوى المنتج والقراء التى قابلها عجز من مؤسسات النشر فى مصر على مستوى التوزيع وتوفير الكتاب فى المحافظات البعيدة أو على مستوى التسويق تسبب فى ظهور سوق مواز يقوم بطبع نسخ غير أصلية لنجد أن 90% من مكتبات جنوب وشمال مصر كمثال جميع ما يباع فيها من كتب هى غير أصلية؛ لأن السوق الموازى عمل على توفير ما عجز عنه الناشر الأصلي.
تقرير حالة القراءة فى مصر الذى أعده الدكتور زين عبد الهادى أستاذ علم المكتبات بجامعة حلوان أشار إلى صدور 30 ألف عنوان فى مصر عام 2016، طبع من هذه العناوين 20 مليون نسخة فى جميع فروع الكتابة، سواء الأدبية أو الكتب التعليمية، أى بمعدل كتاب لكل خمسة مواطنين، وهو متوسط لا تعبر عنه نسبة المبيعات فى دور النشر المصرية وذلك معناه أن السوق الموازى الذى يسيطر على معدلات البيع هو الرابح الوحيد فى ظل ضعف القوانين التى لم تتغير منذ تأسيس اتحاد ناشرى مصر فى الخمسينيات.
ما سبق يتطلب من صناع النشر فى مصر أن يبدؤوا فى التخطيط لدخول عصر جديد من صناعة النشر، على مستوى التسويق، والتوزيع والضغط عن طريق النقابات والاتحادات المختصة لإصدار قوانين لضبط المسألة، وأيضاً معالجة بعض عوامل الفساد داخل دوائر النشر الرسمية فى مصر.
إلى جانب الوضع فى الاعتبار تراجع معدلات استخدام الكتاب الورقى لصالح الكتاب الإلكترونى فهو شكل جديد للمنتج متأثر باقتصاديات المعرفة والاستخدام المرتفع لشبكات المعلومات، فلم يعد الكتاب الورقى هو الوسيط الوحيد لكن إلى جانبه هناك الكتاب الإلكتروني، أو الكتاب الصوتي، وهو أحدث هذه الأشكال الذى يجعل من السهولة عليك قراءة كتاب حتى لو كنت تجهل القراءة والكتابة، فأنت هنا تسمعه مسجلاً لا تقرؤه مكتوباً.
المولف لم يتعرض لكتب وصل حجم مبيعاتها إلى أرقام غير مسبوقة مثل كتاب لا تحزن لعايض القرنى الذى وزع فى مصر على أقل تقدير 300 ألف نسخة، وهو رقم قياسى فى عالم الكتب العربية، كما أنه لم يشر إلى ظواهر جديدة كتبادل الكتب على الانترنت وطباعتها من قبل الأفراد، وهى ظاهرة لا يمكن احصائها رقمياً، فضلاً عن أن سلسلة عالم المعرفة التى تصدر فى الكويت، توزع 40 ألف نسخة فى العدد شهرياً، وهو ما يجعلها الأكثر مبيعاً فعلياً، فضلاً عن أن عدد من دور النشر فى حالات ما يسمى الأكثر مبيعاً تطبع مائة نسخ أو مئتين وتعد هذه طبعه من الكتاب وتتوالى ما يسمى تعدد الطبعات وهماً بأن الكتاب تعددت طبعاته.
قد يهمك أيضا
مئة عام على أولى روايات الكاتبة آجاتا كريستي "ملكة الجريمة"
رواية "خبايا اللال" اكتشاف النفط وسؤال الهوية
أرسل تعليقك