القاهرة - أسامة عبدالصبور
صدر عن المركز القومي للترجمة في القاهرة ضمن سلسلة "ميراث الترجمة" كتاب "الراهب"، وهو دراما تاريخية في ثلاثة فصول، تأليف وترجمة الأديب لويس عوض.
ويذكر الناقد رمسيس عوض في تقديمه للكتاب، "قبيل وفاته في أيلول/سبتمبر عام 1990 عهد إليَّ شقيقي الراحل لويس عوض بحفظ بعض أوراقه الخاصة، وتاه عني المكان الذي احتفظت فيه بهذه الأوراق نحو ستة عشر عامًا أو ما يزيد، وفجأة عثرت عليها، فوجدت فيها عملين يستحقان الاهتمام أولهما ترجمة عن اللغة الفرنسية لمسرحية "رقصة الموت" للكاتب السويدي الشهير "سترندبرج"، وثانيهما ترجمة إنجليزية أعدها بنفسه لمسرحية "الراهب" التي نشرها عام 1961 عقب خروجه من المعتقل.
ويقدم المؤلف نبذة تاريخية عن مسرحية "الراهب" قائلاً "تتناول هذه المسرحية التاريخية الثورة الاستقلالية التي نشبت في الإسكندرية عام 296، بزعامة الوالي الروماني لوشيوس دومتيوس دومتيانوس، الذي لقبه الإسكندريون بآخيل. ولم تكن ثورة آخيل هذه أول ثورة قام بها المصريون عامة وأهل الإسكندرية خاصة للتخلص من حكم الرومان، أما الثورة الأولى فيقال فيها إن أهالي الإسكندرية أرغموا إميليانوس الوالي الروماني فيها على إعلان استقلال البلاد.
وأما الثورة الثانية فكانت في 269 في عهد الإمبراطور كلوديوس القوطي (268 – 270)، وقد ساعد على قيامها اشتداد ساعد زنوبيا ملكة تدمر.
وفي عهد أوريليان (270 – 275) نشبت الثورة الثالثة عام 272، فبعد أن استولى أوريليان على تدمر وأسر ملكتها العظيمة زنوبيا. وفي عهد الإمبراطور دقلديانوس (284 – 305) نشبت في الإسكندرية رابع ثورة استقلالية، وهي ثورة القائد الروماني لوشيوس دومتيوس دومتيانوس، أو آخيليوس كما كان يسميه الإسكندريون في 296."
وبعد هذه العجالة من تاريخ الفترة الحرجة التي تقع فيها أحداث هذه المأساة مستقاه من مصادر التاريخ العلمية الأولى تعرض "عوض" إلى مشكلة وهي مشكلة تاريخية تتطلب دراسة العصر وجوه وأحداثه، ومشكلة إنسانية تتطلب رسم شخصيات درامية واضحة المعالم، ولم يجد بين الشخصيات التاريخية المعروفة، التي اشتركت في الثورة مَنْ يمكن أن يخلق منه بطلًا من أبطال الكفاح الوطني.
واختار شخصية "أبانوفر"، وجعل منه بطل المأساة ، كما اختار شخصية "مارتا" وجعل منها بطلتها، كذلك بقية أشخاص الدراما من مصريين ورومان من بناء الخيال، فهناك شخصيات مثل "مانيتون ،وأبيب ،وفيلامون ،وفيلامينه ، وهاتور" من الجانب المصري، كلهم من صنع الخيال، أما القادة الرومان فأكثرهم شخصيات تاريخية، ولكن لا يعرف عنهم أثناء ولايتهم على مصر إلا أسماؤهم ، وقد وجد "عوض" أن يستعين بهم كشخصيات رومانية عاملة في ثورة مصر، أما الضابط "أرمانوس" والأميرال "ماركوس سكتوس" والقائد "سويروس" ، فهم من نسج الخيال وقد أدخل الكاتب شخصية "سويروس" بالذات لأن التاريخ يروي لنا أن عمود السواري في الإسكندرية عمود أقيم تخليدًا لذكرى "دقلديانوس" وانتصاراته وهو يسمى عند المؤرخين بعمود "دقلديانوس" لا عمود السواري.
وأخيرًا، فإن شخصية "شبيو" الأصغر شخصية مبتكرة أيضًا، وتوخى الكاتب الحذر في بنائها فما عرف عن "آل شبيو" الخالدين من رجاحة عقل وحكمة فطرية وإيمان بالفضيلة وخدمة الوطن في عزة ونبل دون إسفاف المستويات التي بلغها الكثيرون من الرومان في إقامة أركان إمبراطوريتهم.
ويذكر المؤلف "لقد ذكرت كل هذه التفاصيل الخاصة بمادة هذه الدراما التاريخية، لأبين للقارئ الذي يجهل المصادر أين ينتهي التاريخ وأين يبدأ الخيال حتى لا يختلط عليه الأمر، فيحسب أن أكثر ما يراه من حقائق التاريخ، فيعتمد عليه اعتماده على الوقائع العلمية الثابتة".
هذه المعلومات التاريخية التي كانت مستقرة عند العلماء حتى 1935 عن ثورة "آخيليوس وآخيل"، ولكن هذه ليس نهاية القصة، فقد حدثت في الفترة الأخيرة مفاجأة علمية ضخمة قلبت نظريات المؤرخين رأسًا على عقب، حين خرج العلامة "بوك" بنظرية جديدة تقول إن " دومتيانوس وآخيل" شخصيتان تاريخيتان مختلفتان لا شخص واحد كما تقول الأسانيد التاريخية منذ القرن الرابع.
وظلت المناقشة في هذا الأمر سجلًا بين المؤرخ الشهير "فيلكن" ومَنْ ذهبوا مذهبه وبين "بوك" ومَنْ ذهبوا مذهبه، حتى أعلن "فيلكن" عن اقتناعه أخيرا بنظرية "بوك" ، وعدل عن نظريته التقليدية التي نحا فيها بناء على ما قرأه فيها من نصوص بردية مكتشفة، منحى قدماء المؤرخين.
ووجد " عوض" في مصر برديتان تلقيان ضوءًا على العمل بنظام "المصلح" (وهو مبعوث بسلطات أعلى من سلطات الوالي يوفده الإمبراطور لإصلاح حال الولاية إذا اضطرب حالها واختلت أمورها لدرجة تحتاج إلى تدخل إمبراطوري)، هذا في مصر الرومانية، وكلاهما في عهد "دقلديانوس" وكتبتا باللغة اليونانية.
وذهب "فيلكن" وغيره إلى أن المصلح "آخيل" هذا ليس إلا "دومتيوس دومتيانوس"، والذي قام بثورة في صعيد مصر في 294 – 295 حسب تقديره، ثم حاصره "دقلديانوس" في الإسكندرية وقمع ثورته.
وقبل العلماء هذا الرأي، غير أن "ونتر" حين أعاد نشر هذه البردية انتهى إلى أن لقب "المصلح" كان في مصر لقب وظيفة مدنية، مستشهدًا في ذلك ببردية أخرى باليونانية في القاهرة وجدت حديثًا.
وفي هذه البردية يظهر اسم "المصلح أوريليوس آخيل" لا على أنه الثائر نفسه، ولكن على أنه موظف في خدمة هذا الثائر، وقد كان اكتشاف هذه البرديات هي بداية البلبلة التي أحاطت بشخص "دومتيوس دومتيانوس" في الأعوام الأخيرة.
وفي خاتمة حديثه عن شخصيات وأحداث مسرحية "الراهب"، يقول المؤلف لويس عوض "أكتفي بهذا الحديث فلا أسترسل وأتناول ما في هذا العمل من جوانب فنية، إنما أترك هذا للنقاد، إن وجدوا فيه قيمة فنية تستحق التنويه، فإن كان في هذا الكتاب حياة، فالحياة لا تغمط لحي حقه في الحياة، وإن كان وهماً عابرًا فقد انبغى أن ينطوي مع كل ما ينطوي من الأوهام".
أرسل تعليقك