توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رواية "تويا" عن أفريقيا والهوية المنسية

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - رواية تويا عن أفريقيا والهوية المنسية

القاهرة ـ وكالات

يقتحم الروائي  أشرف العشماوي في روايته "تويا" أرضا بكرا لتكون أفريقيا السوداء وكينيا تحديدا موطنا ومناخا لروايته المرشحة ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر". و"تويا" اسم لإحدى الفتيات الأفريقيات، يلتقيها الطبيب المصري يوسف كمال نجيب في نيروبي، وهو شخصية تائهة تبحث عن ذاتها بين ثقافتين وروحين، روح أمه الإنجليزية ذات المشاعر الأرستقراطية التي عجلت بفرارها من جديد إلى ليفربول، وروح والده الرومانسية التي قادته إلى أفريقيا يعالج مرضاها المصابين بالجذام، وهي نفس الروح التي لم ترض أن تعيش بعد موت عبد الناصر حامل الحلم العربي فلحقت به.بين الأم الارستقراطية والأب الحالم ينهض يوسف رجلا براغماتيا يرى الطب مهنة وليس نضالا، فهو مثال لجيل الانفتاح الاقتصادي والمتغيرات السياسية والاجتماعية بمصر في عصر السادات في سبعينيات القرن الماضي، جيل ما بعد النكسة وجيل الفردانية والحسابات المضبوطة.يبدو يوسف واضحا في انتمائه ذاك بقوله "أنا لا أحب الشعارات والخطب مثلما فعل بنا عبد الناصر.. تارة حلم العروبة ومرة القرن الأفريقي حتى انتهى بنا الحال إلى نكسة.. أما السادات فهو رجل أفعال... قرر وخطط وحارب وانتصر..".والرواية التي تبدأ بمشهد جنازة عبد الناصر وبشخصية روائية تنسحب من جنازته وتظهر كما كبيرا من الاحتجاجات على سياسته وسخرية من أفكاره وطوباويته ورومانسيته، تدفع بأفق الانتظار نحو قراءة حياة براغماتية تعلي المصلحة الخاصة رهانا أخيرا."المغامرة الكبرى في الرواية هي اقتحام مجهول الأرض والحياة المتمثلة في أحراش كينيا أرض المغامرات القاسية والفانتازيا والسحر"ائي لتلك الأماكن.وهذا يتطلب بحثا وقدرة كبيرة على تذويب كل تلك المعارف في العمل الروائي، فلا يلحظه القارئ ولا يتحول إلى عائق أمام التمتع بالأحداث الروائية، وهذا ما نجح فيه عشماوي على قصر الوقت الذي تطلبته كتابة الرواية التي لم تأخذ منه أكثر من سنة، كما صرح في لقاءات صحفية.إنها مغامرة كاملة، إذ يقتحم المؤلف المصري الكتابة الروائية من خارج انتظارات المشهد الروائي فيأتيها من اختصاص القانون، مؤكدا أن الأدب العربي يتحرك ويتقدم دائما من خارج المؤسسة التعليمية والجامعية واختصاصات الأدب وتاريخه يثبت ذلك.كما كانت هذه الرواية مغامرة باقتحام اختصاص دقيق بعيد عن الروائي وهو الطب، لكن المغامرة الكبرى هي اقتحام مجهول الأرض والحياة المتمثلة في أحراش كينيا أرض المغامرات القاسية والفانتازيا والسحر.هذه المغامرة الروائية جعلت الناقد صلاح فضل يشيد بالعمل الروائي، إذ "يسلط الضوء الغامر على منطقة بالغة الحساسية مخترقا صميم البيئة الأفريقية التي تتصارع فيها نوازع تجارة البشر مع أنبل الجهود الحضارية عبر سيرة طبيب مصري..."."استطاع أشرف عشماوي في "تويا" أن يلامس الإنساني والعميق في رحم العالم "أفريقيا" دون أن تتحول روايته إلى مرافعة إنسانية بل ظل العمل يثبت أدبيته كل حين"تكتب الرواية الثنائية الكلاسيكية "الحياة والموت" بطريقة معاصرة وحداثية، حينما تضع القبح في مواجهة شراسة الجمال، والمرض/الجذام في مواجهة المقاومة الشرسة للأنثى الرمز الأزلي للخصب.وقد نجح عشماوي في بناء شخصية يوسف، الطبيب الذي وصفه بالكائن المتنقل برشاقة مثل نحلة من زهرة إلى زهرة مما مهد له الاستعداد لمواجهة خطر الإبادة المتمثل في "الجذام". وقد حضر ذلك التحدي للموت في أول مواجهة له في مخبر التحاليل وفي أول مصافحة للباحث الشاب لصور المرض الذي يأكل أجساد النساء والرجال والأطفال بكينيا، غير يوسف وجهة اهتمامه للحظات نحو نهدي زميلته كأنه بذلك يتلقى أول جرعات ترياق البشاعة.وبالحياة وحدها المتمثلة في المرأة والحب يقتحم الطبيب عالم الموت ليكتب سيرة الجذام وعالم أفريقيا القاسي، والحق أن الرواية في موضوعها هذا تتقاطع مع نصوص سابقة ولاحقة لها كرواية "الطاعون" لألبير كامو والديكامرون لبوكاشو وأبطاله الهاربين من الوباء، ورواية أمير تاج السر "أيبولا 76".إن كتابة الأوبئة يعد عالما مشحونا بالرعب وبالمجهول، وعادة يكون فضاء نموذجيا لنوع من الحكي القائم على التشويق، وهو ما أدركه عشماوي في روايته التي تصفي حسابها منذ البداية مع الأيديولوجيا السياسية بكل أشكالها لتقتحم عالما إنسانيا مرعبا هو نتاج سياسة دولية أشمل "واقع أفريقيا الفظيع".وقد استطاع عشماوي أن يلامس الإنساني والعميق في رحم العالم "أفريقيا" دون أن تتحول روايته إلى مرافعة إنسانية، بل ظل العمل يثبت أدبيته، كل حين بتأملاته الشخصية في المعمار وعلاقته بالدين وفكرة الاعتقاد وبالجنس البشري والسلوك والنبات وبالحيوان.وتبقى لحظة فزعه أمام نظرة القرد الصغير المصاب بالجذام والذي بدا عجوزا، من أهم اللحظات المؤثرة في الرواية التي تكشف عمقها الإنساني عندما يحاول يوسف توقع إحساسه لو التقت عيناه بعيني طفل مصاب بنفس المرض.تظهر الفتاة الأفريقية "تويا" لتقلب حياة يوسف صاحب الهوية الملتبسة بين العربية والإنجليزية  لتزرع فيه بعدا ثالثا هو الجذور الأولى المنسية، أصله الأفريقي البعيد ليتصالح مع الفضاء الموبوء ويتورط فيه عاطفيا وتتحول أحراش الجذام إلى مروج لمطاردة الأحلام والجمال في لغة رشيقة عميقة دون تكلف، متقلبة بين البراغماتية المطلوبة في السرد والشعرية المنتظرة في مشاهدها التأملية.

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رواية تويا عن أفريقيا والهوية المنسية رواية تويا عن أفريقيا والهوية المنسية



GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon