توقيت القاهرة المحلي 20:00:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الرحيل حين يغدو وطنًا

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - الرحيل حين يغدو وطنًا

رام الله ـ وكالات

روصف الروائي الشهيد غسان كنفاني رحلة الفلسطينيين تحت الشمس اللاهبة إلى الكويت في رواية 'رجال في الشمس'، وغدا أبو الخيزران الشخصية الروائية الأشهر المقترنة بمحطة الشتات الفلسطيني إليها. وقدم بعده وليد سيف -في العمل الدرامي الملحمي 'التغريبة الفلسطينية'- مشهد التيه الفلسطيني في رحلة الذهاب إلى هناك.وعن مشهد الرجوع المأساوي، رصد الإعلامي الراحل صلاح حزين رحلة العودة. وبين هؤلاء تكمل الروائية الفلسطينية حزامة حبايب الملحمة عن الفلسطيني مقيما وراحلا في عملها الروائي 'قبل أن تنام الملكة'.وقبل أن تسلم الملكة عينيها للنوم في واحدة من ليالي البوح الطويل، كانت حبايب تفرغ كل ما في مخيال الروائي عملا ملحميا، لا يبدو فيه الموضوع المثير -إقامة الفلسطينيين ورحيلهم- مغويا إلا إذا امتلك سحرا إبداعيا يحول الموضوع التراجيدي إلى كوميديا، والحزن إلى ما يضحك ويبكي، وهو ما تفعله بلغة تزاوج بين السخرية والشحن العاطفي، وتلامس حدود الشعر لا بما هو إيقاع، بل باعتباره صورة وحسا عاليا ونبوءة، وبحثا في ما وراء المعنى فيما يقصر النثر عنه.عن المنفىهي حكاية عن الفلسطينيين ورحيلهم في منافيهم، وحديث عن الذين 'ما زالوا طيبين وإنسانيين منهم'، ممن توزعوا بين مكانين يسعهما الفضاء الروائي(الأردن والكويت)، وهما مكانان يتبادلان المنفيين رحيلا وعودة.والرواية، وإن توسلت رحيل الابنة (ترحالها وإقامتها حبها المنقوص وطلاقها وأمومتها، نجاحاتها وخيباتها)، إلا أنها تحفر في ذاكرة اللجوء، وما يفعله المنفى بأناس احترفوا الرحيل بعد عيش 'في مدن ليست لنا، وأوطان لغيرنا تلفظنا متى ملت منا، الرحيل يا صغيرتي لمن مثلنا وعلى شاكلة لجوئنا المتوارث أوانه العمر، وقد يزيد عليه أو يفيض'.تفتح صاحبة 'أصل الهوى' روايتها على مشهد رحيل ثان لابنتها المسافرة إلى لندن، مستدعية مشاهد رحيل أخرى كثيرة تستبطنها، فهي من شعب يستوطنه اللجوء والإقامات الطارئة، بيد أنها تستدعي المحطة الأقرب والرحيل الثاني الموجع أكثر من رحيل أول لابنتها.في الرحيل الثاني استدراك على وجع سابقه، يعيده طازجا مستدرا لدموع لم تذرف كاملة. وهو ما تفعله الساردة 'جهاد نعيم' حين تفتحه على بكاء كثير، وعلى أي شيء نهاية حزينة لفيلم أو سعيدة –لا يهم- أغنية أو عزف لمغن، بكاء على نهاية مناضل عالمي، وربما على وردة جرحتها غلالات ندى رقيقة.في المفتتح يبدو كل ذلك للقارئ بكاءً مجانيا، وحين يمضي في الرواية أكثر يكتشف أنه قد بكى في البدء ما كان يجب أن يبكيه في النهاية.إقامة ورجوعفي الكويت التي بذل من اعتقدوها جنتهم أو من أرادوها كذلك في الوصول اليها جهدا، وحسدهم عليها لاجئون في المخيمات، لا تبدو فيها إقامة الساردة إلا إقامة بمخيم جديد في 'إمارة غنية' لا يختلف كثيرا عن زقاق في مخيمات 'مملكة فقيرة'.وعلى لسانها 'كانت حياتنا في الكويت امتدادا لحياتنا التي كانت يمكن أن تكونها في المخيم موسومة بالشتات مع قليل من التحسينات والإضافات، كانت النقرة من الأحياء السكنية التي تحولت إلى ما يشبه مخيمات للفلسطينيين في الكويت'.وفي الرواية عذابات العيش هناك والفقر المدقع، وحديث يستدعي ملكة التدبير –ما دامت الحياة كذلك- تحت عنوان المخابئ السرية. وللمفارقة، فإن المخابئ في معظمها هي أجساد المخبئين الذين يتفنون في تخبئة القليل، وكأن سيرة الفلسطينيين -كما يومئ ما خلف المعنى السردي- تقول إنهم لا يثقون في الأمكنة منذ تركوا هناك في فلسطينهم كل ما خبؤوه لأيام فاجأهم بها محتل وغاز!ولأن الساردة امرأة تكشف مخابئ النساء، فإنها تقدم صورا مضحكة وساخرة -وهي حقيقية- عن كيف وأين تخبئ النساء أموالهن وأموال العائلة.تنتهي حياة إقامة العائلة في عام احتلال العراق للكويت، وثمة مشهد موجع في اختبار من يبقى الأب أم الابنة، ويتم حسم الأمر بالقرعة التي أعدها الوالد سلفا، وتعود هي في رحلة العودة عبر العراق إلى الأردن، وثمة لوحات لها مع ابنتها قاسية وموجعة وحميمية، للمفارقة أيضا.و'في الطريق النائحة إلى العراق، بدأت الكويت تتساقط احتمالات بقائها أو عودتها من يدي، لكنني حاولت أن أجمع قدر ما استطعت من قصاصاتها. ذعرت لأن أمكنتها ووجوهها وزمنها الطويل بحوزتي تفشفش حبرها الطري في ماء عيني'.في مشهد الرجوع، أرتال السيارات الكثيرة التي تجمعت على الحدود الأردنية حاملة آلاف العائدين، الذين ربما ظن كثير منهم أنهم لن يعودوا بمن فيهم أم الساردة.في الرواية حكاية عن حبها الذي لا يكتمل لإياس الذي يرتحل هو الآخر إلى لندن، المدينة التي تسافر إليها ابنتها 'ملكة' أيضا، وهو قدر تربطه الساردة بعضه ببعض، ولتبكي من خلاله حبا ضائعا ورحيل الابنة.في عملها الروائي الثاني، تخط حبايب سردا جميلا دربت نفسها جيدا عليه في قصص قصيرة أنجزت منها خمس مجموعات، وعملا إعلاميا أخذت منه استهلالات شفافة وجذابة واطلاعا على لغات وآداب أخرى عبر إتقانها الإنجليزية ومتابعات موسيقية وسينمائية، دفعت به جميعا لصنع ملحمة روائية فلسطينية تضع بها قدما راسخة بين مبدعين فلسطينيين كبار، مستكملة به خطابا إبداعيا فلسطينيا لكنه يقول حكايته الإنسانية بما يليق بها.

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرحيل حين يغدو وطنًا الرحيل حين يغدو وطنًا



GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon