توقيت القاهرة المحلي 22:02:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"تحت الرماد" ومآسي السجن السياسي

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - تحت الرماد ومآسي السجن السياسي

تونس ـ وكالات

تأتي عبارة "فلاق" التي أطلقت على بعض الكتاب في تونس وبينهم الروائي عبد الجبار المدوري استعارة لرفض هؤلاء التفاوض مع النظام البائد ومهادنته والدفع بمقاومته إلى أقصى مراحلها برفض كل ضوابطه ومنها قانون النشر. لم يعترف المدوري بهذا القانون أو ما يسمى "الايداع القانوني" بعد أن منع نظام بن علي كتبه فأصدر أعماله على نفقته أو نسخها نسخا وأطلقها في المكتبات أو وزعها بيديه على القراء. في ظل مناخات جديدة بعد الثورة أصدر المدوري منذ أيام رواية جديدة بعنوان "من تحت الرماد" عن دار الفينيق استوحى عنوانها من قصيدة الشابي "إلى طغاة العالم"، وتدور عوالمها حول الاعتقال وتوابعه من خلال عائلة تونسية بسيطة يسجن عائلها الوحيد بسبب نضاله السياسي ودفاعه المستميت عن العمال والكادحين. تمثل رواية عبد الجبار المدوري أو "جلال الطويبي" -الاسم المستعار الذي كان يكتب به زمن الدكتاتور بن علي- أحد النصوص الروائية المهمة التي تؤرخ لعالم الاعتقال السياسي في تونس في تسعينيات القرن الماضي. وقد اختار المدوري أن يلتزم بالأسلوب التسجيلي الذي يضفي مصداقية أكثر على هذا النمط من الكتابات التي تسعى إلى تأريخ وتسجيل فظائع هذا العالم. غير أن صاحب رواية "رغم أنفك" يركز اهتمامه في عمله الجديد على ما خلفه الاعتقال السياسي من أثر في عائلة المعتقل وما عاشته كل من الطفلة وأمها المريضة من معاناة بسبب تغييب الأب والزوج عقابا لتمسكه بحرية شعبه وحقه في التعبير.تنتمي "من تحت الرماد" إلى تيار الواقعية التسجيلية وتتخفف من المجازات والشعرية لتنهض اللغة براغماتية تقوم بدور واحد وهو الإبلاغ والوصف، وهو ما دفع بالناقد والجامعي د. جلول عزونة إلى تشبيهها بأعمال "فلوبير" و"زولا"، مدرجا إياها ضمن التيار الواقعي والتيار الطبيعي في الآداب الغربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.وتكشف الرواية حقيقة الممارسات الدكتاتورية في تونس، فالنظام لا يكتفي بسجن المعارضين إنما  يحاول أن يدمر أسرهم بالتجويع، للضغط على السجين وتركيعه، فتغلق أبواب الرحمة في وجوه أسر المساجين ويتواطأ النظام بعملائه وأذرعته الكثيرة لسحق العائلات المسحوقة أصلا، ويرفض العمدة -مسؤول محلي- مساعدة الزوجة والأم المريضة من دون بقية المواطنين ويرد عليها "زوجك مخرب ونحن لا نساعد المخربين".تنطلق الرواية من درس بسيط عشناه جميعا عندما تطلب المعلمة من تلاميذها أن يكتبوا موضوعا  للإنشاء حول شأن يشغلهم لتجد الطفلة "حنان" ابنة السجين السياسي نفسها أمام أسئلة عن مصيرها ومصير عائلتها.تقول الرواية "عندما مرت بجانب المقبرة، كان فكرها مشغولا بأمور أخرى.عدة أسئلة تكدست داخل رأسها. لماذا سجن أبوها؟ وكم سيبقى في السجن؟ وهل أن أباها خطير إلى درجة أن العمدة والمعتمد (مسؤلان محليان) اعتبراه مخربا ورفضا مساعدتهم؟ ولم أصبح الجيران يتجنبون مخالطتهم منذ أن سجن أبوها؟ وماذا يريد هؤلاء الأعوان بالزي المدني الذين كثيرا ما نراهم يراقبون البيت؟ وكيف ستتمكن أمها المريضة من مواجهة كل هذه المشاكل؟ ولم رفضت السماح لها بالعمل خادمة عند المعلمة؟".في هذه الحزمة من الأسئلة التي طرحتها الطفلة حنان تتلخص كل أسئلة الرواية وطروحاتها عن القمع في تونس. يكتب صاحب "أحلام هاربة" كيف أن السلطة تقدم عائلة السجين السياسي كنموذج مصغر للشعب، لما يمكن أن يحصل له إن تمرد وخرج عن النظام، فتشيع السلطة بذلك حالة الرهاب بين الناس من النشاط السياسي المناوئ لها، ويصبح المناضل موبوءا هو وأسرته ويهجر، ويقع تجنبهم من جيرانهم وحتى عائلاتهم.ظلت منطقة الشمال الغربي في تونس من المناطق المسكوت عنها أدبيا لسنوات طوال، ولم تبرز إلا في الشعر مع الطاهر الهمامي، أما سرديا فظلت الأعمال الروائية والقصصية المنشغلة بها وبهمومها قليلة، فقد كان الشمال الغربي مهمشا تنمويا في ظل نظام بن علي وقبله بورقيبة، لكنه عصي على الأنظمة التي تداولت على تونس إلى حد الآن. ولعل من مميزات رواية عبد الجبار المدوري أنها تعيد كتابة مناخات الشمال الغربي سرديا لتؤرخ لهذا الجزء من تونس المنسي والمغيب نتيجة سياسة المناطقية التي انتهجتها الأنظمة من ناحية ونتيجة لتمرد هذا الشمال سياسيا من ناحية أخرى.ومن ثم يضطلع الروائي -وهنا عبد الجبار المدوري- بدور المؤرخ للمغيّب والمستبعد من التاريخ المعاصر الرازح تحت وطأة المستبد، ولعل هذا ما كان أشار إليه عبد الرحمن منيف حين قال "إن الأجيال القادمة ستحتاج إلى قراءة التاريخ عبر الروايات أكثر من التاريخ الرسمي". وقد نجح الكاتب عبد الجبار المدوري في نقل تلك العوالم الريفية ومعاناة أهلها كبارا من أجل الحصول على لقمة العيش وصغارا من أجل الوصول إلى حقهم في التعليم ونساء من أجل حقهن في الوجود والفعل.تكتب الرواية ملحمة ما سمي بـ"الزيرو ويت" أو صفر ثمانية -كود الهاتف لبعض المحافظات في تونس- تلك التسمية التي ساهم في إطلاقها النظام البورقيبي وكرسها النظام الذي تلاه على منطقة معدومة فقيرة كانت أولى المناطق التي ثارت ضد بن علي في التسعينيات وهبّت مرة أخرى في ثورة 14 يناير، وظلت متحفزة حتى بعد الثورة مؤكدة تمسكها بالحرية وبالكرامة.

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحت الرماد ومآسي السجن السياسي تحت الرماد ومآسي السجن السياسي



GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon