c رواية "اختفاء" عن استخبارات النظام الليبي السابق - مصر اليوم
توقيت القاهرة المحلي 02:08:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رواية "اختفاء" عن استخبارات النظام الليبي السابق

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - رواية اختفاء عن استخبارات النظام الليبي السابق

طرابلس ـ وكالات

في روايته “اختفاء” يُعيد الليبيّ هشام مطر إلى الأذهان جوانب من حالات الخطف الذي كانت تمارسه استخبارات النظام الليبي السابق، دون أن يسمّي “القذّافي” بالاسم، بل يشير إليه إشارات واضحة، من قبيل الحديث عن الملك السابق والتغييرات التي أحدثها الانقلاب، وتقييد أجهزة الدولة ومقدراتها ورهنها لنزوات شخص غريب الأطوار ومهووس بالسلطة، وسعيه لتعقّب معارضيه والتخلّص منهم أينما كانوا. يعهد مطر إلى راويه العليم “نوري” بسرد أحداث ووقائع روايته. نوري، الذي كان والده كمال الألفي وزيرا في حكومة الملك السنوسي وأصبح سياسيا معارضا بعد الانقلاب على الملك، يقوم بأنشطة تثير حفيظة النظام الحاكم، الذي يخطفه من سويسرا إثر مكيدة مدبّرة، وتواطؤ جليّ. يقدّم مطر في روايته الصادرة بالإنجليزية -وترجمها محمّد عبد النبي وصدرت عن دار الشروق بالقاهرة -حكاية نوري وأبيه ابتداء من منتصفها. يتّخذ الإسكندريّة بمصر مركزا للانطلاق والعودة، وبينهما يجول في عدد من الدول والعواصم العالمية، مقتفيا أثر شخصياته ومتقصّيا الأسباب الكامنة وراء حالة الاختفاء أو الخطف. ببداية سينمائية، حيث كمال وابنه في إجازة في أحد الفنادق على شاطئ الإسكندرية، يحاولان التخفيف من آثار فقد الزوجة والأم، تظهر “منى” -الفتاة الإنجليزية من أم مصرية- لتسبي عقل الفتى ذي الأربع عشرة سنة، وتأسر أيضا قلب والده الذي يتزوجها لاحقا. يتم إرسال نوري إلى مدرسة إنجليزية داخلية بعد زواج والده. تتملكه الغيرة التي توصله إلى أن يتمنى اختفاء لوالده حتى يتمكن من التواصل مع منى. وكأن “تلك الأجهزة الأمنية المسعورة” كانت بانتظار رغبة طائشة لطفل مراهق لتنفذها سريعا، ويتعرض والده لعملية اختطاف سياسي ويختفي في ظروف غامضة. بقي الطفل يبحث عن والده ويتقصى أخباره بمساعدة منى، لكن تلك الأمنية الخرقاء التي نازعته ظلت تلازمه وتقض مضجعه مع إحساس بالندم عن علاقته بمنى -التي شغف بها واستسلم لغوايتها- والخوف على مصير والده في قبضة سلطة قمعية منحرفة. يمرّ عقد من الزمن دون أيّة نتيجة، يجاهد نوري ليشابه أباه بعدها، يبلغ التمازج درجة خطيرة تنذر بحالة مرضيّة، حين يبدأ بالتقاط الصور في بعض الأماكن التي سبق لوالده أن التقط صورا فيها، ثمّ العودة إلى القاهرة إلى بيت الأسرة القديم، وإعادة الحياة إليه، وإعادة الخادمة نعيمة التي يكتشف أنها أمّه الحقيقية، مع أن هذه النقطة التفصيليّة الهامّة احتاجت من الروائيّ إلى إقناع لكنّه لم يكترث لها. تتصاعد حالة التمازج مع الأب، حين يبدأ نوري بالنوم في غرفة والده وعلى سريره، وقراءة كتبه نفسها، وثمّ ارتداء ثيابه، كأنّه يستكمل الرحلة التي لم ينجزها والده، أو يكفّر عن ذنبه في إهماله طيلة تلك السنين، والتنكيل بزوجته التي تاهت في ضباب لندن، وحرص نوري على صدّها وتجاهلها. خريطة الأحداث المكانيّة متشعّبة: الإسكندرية، والقاهرة، ولندن، وفيينا، وباريس، وغيرها.. مدن شرقيّة وغربيّة شكّلت محطّات تنقّل لشخصيّات الرواية وعكست الضياع الذي خلّفته الأنظمة التي جاءت بانقلابات عسكريّة لتؤسّس لدكتاتوريات لاحقة واستبداد عابر للحدود. يتناصّ صاحب “في بلد الرجال” -التي اختيرت في القائمة القصيرة لجائزة “مان بوكر البريطانية- في “اختفاء” مع ماريو بارغاس يوسّا في روايته “امتداح الحالة”، وتحديدا في حالة الشغف بزوجة الأب، وحالة الإغواء التي تتلبّس الشخصيّة وتقودها في البحث عن مسالك لإشباع الغريزة الشرسة، ثمّ العنف في التخلّص من الخالة، وذلك مع اختلاف الأساليب والمعالجة والغاية. مقولة قتل الأب الفرويديّة هي محور اشتغال الروائي هشام مطر في روايته، وهي لا تتوقّف عند شخصيّة نوري الذي يعيش عقدة أوديبيّة عنيفة، بل يتعدّاها إلى توارث هذه الحالة، بالتذكير بالانقلاب على الأب الملك وقتله من قبل مَن كانوا رعيّته وأبناءه، ثمّ يأتي الانحراف عن قيود الاشتغالات السابقة عبر البحث عن الأب الغائب، واستحضاره بعد أكثر من عقد، حين بلغ نوري الخامسة والعشرين، وبعد تبلور شخصيّته كرجل مستقلّ ينشط في استعادة حادثة الاختفاء، وتتبّع التفاصيل والخيوط عساه يعثر على ما قد يفيده. يرجع إلى الموقع الذي تمّ خطف والده منه، يتعرّف إلى المرأة التي كان والده على علاقة بها، يكتشف أنّه بصدد التعرّف إلى والده من جديد، يعيد اكتشافه مع كلّ تفصيل، فينقلب شعوره السابق بالتخلّص منه إلى تمازج منشود معه في كلّ تفاصيل حياته. تغوص الرواية في أجواء وعوالم نفسية لتشتبك مع التأثيرات التي تحصل للناس بفعل القمع الممنهج والظلم والكبت، والإحساس بالضياع والعنف الذي تمارسه السلطة الغاشمة والذي يغير النفوس والطباع، والمنفى الإجباري حين يضغط بقوة على ما بقي من إحساس بالوطن لدى الكثير من المنفيين والمغتربين. ولعل الخوف الناجم عن آلة دكتاتورية لا يلازم أولئك الذين يعيشون في عمقه داخل الأوطان وينغص حياتهم، بل يلازم أيضا الذين يعيشون على حوافه في المهجر وفي بلدان الاغتراب، حيث شبح الخطف والاختفاء قد يشملهم في أي لحظة، مما حوله إلى حالة وجودية مرتبطة برهاب السلطة المستبدة.

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رواية اختفاء عن استخبارات النظام الليبي السابق رواية اختفاء عن استخبارات النظام الليبي السابق



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:14 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
  مصر اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon