القاهرة ـ مصر اليوم
في كتابها "فهرس الخوف"؛ الصادر حديثا عن دار "العين" بالقاهرة، تبرز الشاعرة المصرية رنا التونسي سمة التكثيف في نصوص متسلسلة وفق أرقام، لا عناوين، حيث الكلام يوصل إلى كلام آخر ومن ثم إلى المعنى، وكأن القارئ يطالع صورة فوتوغرافية لحالة عفوية، لكن باستخدام الكلمات.
وكما في عظم مجاميعها الشعرية، تتوقف رنا في "فهرس الخوف" ببساطة أم وشراستها أيضا عند ذلك الحد الفاصل ما بين الغموض والوضوح.. هذا التأرجح في المعنى يهب النصوص رونق الوضوح، وعلى الطرف النقيض غرابة الغامض في الآن ذاته؛ لكنه ليس الغموض المنغلق على نفسه، إنما الغموض الذي يمنح العديد من المعاني؛ ولا يكتمل فحسب مع كل قصيدة على حدة، إنما يتحقق كذلك مع اكتمال كل القصائد، إذ القصائد القصيرة في مجملها قصيدة وحيدة طويلة في عمقها، كما كتب الروائي والمترجم المصري أحمد عبد اللطيف على ظهر غلاف المجموعة الجديدة. الغموض الذي يؤكد دون تهاون أو كسل أن هناك في الماضي أشياء كثيرة حدثت يمكن الكتابة عنها ومن ثم نسيانها: "أركب الحافلة/ ألوح للنسيان/ أن ينتظرني".
ثمة تكثيف لغوي قادر على لفت الانتباه إلى أهمية تجربة رنا الشعرية، فالمفردات ليست تعني فقط أن تكون إلى محاذاة بعضها الآخر لتشكل أساس النص.. ثمة الشيء الأهم: الفحوى! أو المعالجة اللغوية –إن جاز التعبير هنا- التي تميز شاعرا عن آخر، وهذا ما تراهن عليه مجموعة "فهرس الخوف".
وتطغى سمة الخوف كذلك على مجمل النصوص ما يعطي انطباع حالة الهلع التي تعيشها الشاعرة وهي تدون النصوص.. هذا التشبث بالخوف هو جزء من النجاة، الهرب من الخوف عبر التشبث به كتابيا، تدوينه ومن ثم الهرب منه ونسيانه.
وهكذا تسرد النصوص الخوف والذكريات والموت والقلق اليومي بتكثيف لغوي تطغى عليه سمة تعدد التأويل، بالإضافة إلى سمات الخوف التي تعكسها المفردات المنتقاة، والتي تحاول قدر الإمكان مهادنة الخوف أو التحايل عليه أو استجدائه في أن ينسى البشر.
أرسل تعليقك