القاهرة اسامة عبدالصبور
تعد "عزازيل" رواية تاريخية فلسفية كما أطلق عليها مؤلفها ، صدرت عام 2008 عن دار الشروق في القاهرة في 380 صفحة، وهي الرواية الثانية له بعد روايته "ظل الأفعى".
وتدور أحدث الرواية في القرن الرابع الميلادي في صعيد مصر والإسكندرية والقدس وحلب، من خلال رحلة الراهب هيبا الذي يعاصر أحداثًا دموية في تاريخ الكنيسة القبطية، ويتعرض بطل الرواية هيبا لأكثر من اختبار صعب أمام نساء فاتنات كأوكتافيا ومرتا، ومن ثم أمام الشيطان "عزازيل" الذي تُسمى الرواية باسمه، وهيبا في الرواية هو الإنسان الحائر المفكر الذي يبحث عن الحقيقة أينما كانت.
وتظهر في الرواية صراعات متعددة : الإنسان والشيطان، المسيحية والوثنية ، الكنيسة الأنطاكية والكنيسة المرقسية ، والذكورة والأنوثة.
وبنى زيدان روايته بناءً متقنًا ومشوقًا، إذ حاول أن يوحي للقارئ منذ الوهلة الأولى بأنها قصة حقيقية وجدت مكتوبة في لفائف جلدية أثرية مكتوبة باللغة السريانية، فيبدأ بمقدمة تُوهم القارئ بأن ما يقرؤه هو مخطوطات حقيقية، فيقول المترجم الوهمي : "يضم هذا الكتاب الذي أوصيت بنشره بعد وفاتي ترجمة أمينة قدر المستطاع لمجموعة من اللفائف التي اكتشفت قبل عشر سنوات في الخرائب الأثرية الواقعة إلى جهة الشمال الغربي من مدينة حلب السورية".
وانطلت هذه الحيلة على الكثير من القُراء والمتخصصين ولم يسلم من فخ زيدان الذي وضعه إلا القلة من القراء النابهين، ولعل السبب الذي جعل القراء يصدقون تلك المقدمة هو تخصص زيدان في مجال التراث والمخطوطات و باعه الطويل في هذا المجال ، فقد وضع القارئ في جو التنقيبات الأثرية.
وتحدث الدكتور صلاح فضل عن هذه الحيلة في مقال تحت عنوان: "يوسف زيدان ووسوسة عزازيل" نشره في صحيفة "الأهرام" المصرية بتاريخ 13 نيسان/أبريل 2009 ، جاء فيه: "أن الكاتب أحسن بأكثر مما أتيح لغيره في توظيف خبرته بالرقوق والمخطوطات، فأوهم القارئ أن روايته عبارة عن خبيئة أثرية وجدت في صندوق محكم وترجمت من السريانية إلي العربية، وعليها تعليقات وحواش في زمن لاحق، وهذه حيلة مألوفة في الإبداع الروائي منذ سرفانتس الإسباني الذي زعم أن دون كيخوته ليست سوى مخطوط قديم لعربي موريسكي من الأندلس، حتى المبدع والناقد الإيطالي المعاصر أمبرتو إيكو في رائعته الذائعة اسم الوردة، وكم كنت أعجب عندما أري هذه الحيلة قد انطلت علي بعض قراء عزازيل فظنوا أن هناك راهبا حقيقيا اسمه "هيبا" وأن هذه الرقائق من المخطوطات التي يقوم عليها يوسف زيدان في مكتبة الإسكندرية, وساورهم الشك في مدى صحتها ودرجة مصداقيتها ".
ووصفتها أستاذة النقد في جامعة "حلب" دكتورة شهلا العجيلي، خلال مشاركتها في ندوة عقدتها جمعية "العاديات" لمناقشة الرواية في حضور مؤلفها، التي أشارات إلى أن العلاقة بين القارئ والمبدع في رواية "عزازيل" تشبه لعبة الاستغماية، حيث تمتاز الرواية على مستوى البنية العامة بدهاليز ومساحات خضراء وخبايا وأسطح قريبة من السماء، وعلى مستوى المفردات والفن الروائي استطاع يوسف زيدان أن يبلغ أقصى درجات الإيهام حيث وضع ما أسماه مقدمة المترجم، فقدم روايته على أنها رقوق قديمة كتبها الراهب المصري هيبا باللغة السريانية، وهذه كلها دروب إيهام استطاع يوسف زيدان من خلالها أن يقدم عملًا روائيًا ممتعًا للقارئ.
وبرر زيدان"اختياره لهذا القالب الذي ساهم كثيرًا في اللبس ورأى أنه من صميم حرية المبدع ، وأنه حرص على إظهار جنس الكتاب بكتابة كلمة رواية على الغلاف.
وأزال زيدان، في ندوة عقدها نادي "القصة" في القاهرة، علامات الاستفهام التي ارتسمت في أذهان بعض الحضور البسطاء من تعاملوا مع النص بسطحية ، فشغلهم السؤال : هل عزازيل ترجمة لنص قبطي أم هي محض خيال ؟ فقال إنه سعيد جدًا بأن روايته نجحت في أن تحقق أعلى سقف من الإيهام مما يؤكد نجاح مهمته كمبدع.
وأضاف: "لكن مع كل ذلك ، فمن يقرأ الرواية ومقدمة المترجم بتدبر وعمق يدرك أنها ليست إلا عملًا فنيًا نسجه المؤلف من خياله".
أرسل تعليقك