أكد مصرف لبنان المركزي أن احتياطيات البلاد من العملة الصعبة وصلت إلى مستويات قياسية بعد أن جرى تدعيمها على مدى أشهر من عمليات “الهندسة المالية”، وأنه لا يعتزم القيام بأي عمليات أخرى لتعزيز الاحتياطيات.
وقال مدير المصرف رياض سلامة “لقد بلغنا مستوى مرضيا يسمح للبلاد بتمويل احتياجاتها للقطاعين العام والخاص. لقد حققت الهندسة المالية الغرض منها وانتهت الآن.. لقد بلغنا اليوم مستوى قياسيا تاريخيا”.
وباستثناء الذهب فقد ارتفعت احتياطيات لبنان من العملات الأجنبية إلى 41 مليار دولار بحلول منتصف أكتوبر من حوالي 35 مليارا قبل العمليات المالية التي شاركت فيها وزارة المال والبنك المركزي وبنوك محلية في يونيو الماضي.
وردا على سؤال لوكالة رويترز، عما إذا كانت هناك خطط لمزيد من عمليات تعزيز الاحتياطات المالية، أكد سلامة أنه “ليست هناك أي عمليات جديدة”.
ولبنان مستورد صاف للطاقة ويعاني من دين حكومي كبير، وتعد السياحة والاستثمارات الأجنبية في العقارات وتحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج وخاصة في دول الخليج، من أكبر مصادر إيرادات العملة الصعبة منذ انتهاء الحرب الأهلية في العام 1990.
لكن السياحة والاستثمارات تعاني من ضغوط منذ العام 2011 عندما اندلعت الحرب في سوريا. ويعتمد لبنان الآن بشكـل أكبـر على تحويلات اللبنانيين، التي تضررت بسبب تأثر دول الخليج بهبوط أسعار النفط والتوترات السيـاسية التي تسببت في ترحيـل البعض من العمالـة اللبنـانية من دول الخليج.
وقال سلامة إن عمليات المصرف المركزي تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار دون الاضطرار إلى استخدام إجراءات طارئة في آخر لحظة.
وتولى سلامة مهام منصبه في العام 1993 مما يجعله صاحب ثاني أطول مدة في البقاء على رأس بنك مركزي في العالم بعد محافظ بنك أوزبكستان المركزي.
وأكد سلامة أن سيولة العملة الصعبة منخفضة في المنطقة بأسرها، وهذا يتضح في وضع دول عربية أخرى، اضطر بعضها للجوء إلى صندوق النقد الدولي لدعم احتياطيات من العملة الصعبة.
وأدت العمليات المالية التي تـم تنفيـذها في الفترة بين يونيو وأغسطس إلى ضخ سيولة دولارية في البنك المركزي من البنوك المحلية، كما عززت احتياطيات البنوك المحلية من الليرة اللبنانية المربوطة بالدولار الأميركي.
وأوضح مديـر مصرف لبنـان العمليـة قـائلا إن المركزي بادل أولا البعض من احتياطياته من أوراق الدين المقومة بالليرة بسندات دولية لبنانية مقومة بالدولار من وزارة المالية.
وأضاف أنه طلب بعد ذلك من البنوك الخاصة بتحويل دولارات إلى البنك المركزي في مقابل حصول البنوك على إصدارات حديثة من السندات الدولية وشهادات إيداع بالدولار.
كما أن البنك المركزي اشترى من البنوك المحلية سندات مقومة بالليرة مدرجة في دفاتر تلك البنوك بالقيمة الأصلية كاملة، إضافة إلى الفائدة التي كانت البنوك ستحققها إذا كانت قد احتفظت بها إلى حين موعد استحقاقها، وهو ما عزز بشكل فوري احتياطيات البنوك من العملة المحلية.
وقال سلامة إن السيولة التي تحققت من هذه “الهندسة المالية” عززت القوائم المالية للبنوك بما يمكنها من تلبية التزاماتها التنظيمية مستقبلا دون الاضطرار لتقليص قوائمها المالية، ولذا تمكنها مواصلة تقديم القروض للنشاطات الاقتصادية.
ويشجع سلامة البنوك على تقديم قروض بالعملة المحليـة وخاصـة للمشـروعات الناشئة في مجال التكنولوجيا مـن أجل تحفيز الاقتصاد الذي توقع أن ينمو بنسبة بين 1.5 و2.0 بالمئة هـذا العام. وتقـل هـذه النسبة كثيرا عن معدلات نمو تتراوح بين 8 و9 بالمئة في الأعوام التي سبقت الحرب السورية.
وأكد سلامة إن الحرب أضرت بالاحتياطيات الأجنبية لدى لبنان لأسباب من بينها أن أكثر من مليون نازح سوري في لبنان يحولون أموالا بالدولار إلى سوريا.
وأضاف “لقد تحول ميزان المدفوعات اللبناني إلى سالب منذ بدء الحرب السورية.. وأن جزءا رئيسيا من هذا يرجع إلى حركة الأموال بين هنا وسوريا”.
لكن سلامة أشار إلى حدوث “تحسن هائل” في ميزان المدفوعات في الأشهر الأخيرة الذي يحقق الآن فائضا قدره 350 مليون دولار بعد أن سجل عجزا بقيمة ملياري دولار قبل عمليات تعزيز الاحتياطيات.
وقال “لقد شهدنا طلبا من المؤسسات الأجنبية على السندات الدولية التي أصدرها لبنان لأنها أصبحت أكثر ارتياحا الآن مع أوراق الدين اللبنانية”، وذكر أن البرلمان أقر إصدارا جديدا من السندات الدولية ستطرح العام المقبل.
وقال سلامة إن الثقة في البلاد ستتحسن إذا اختار أعضاء البرلمان رئيسا للبلاد في اقتراع في 31 أكتوبر. ويبدو مرجحا أن يحصل فيه الزعيم المسيحي ميشيل عون على الدعم الكافي لانتخابه رئيسا.
أرسل تعليقك