أنقرة_وكالات
تصاعد الاحتجاجات في تركيا ضد حكومة رجب طيب أردوغان ربما يضر باقتصاد البلاد الذي سطر واحدة من قصص النجاح في العالم، ويلقي بظلال من الشك على دولة أصبحت من مصادر النمو والاستقرار في منطقة خيم عليها الركود وعصفت بها الاضطرابات.
وتنذر الاحتجاجات الأخيرة -التي بدأت سلمية ضد خطة لتطوير حديقة في منتصف إسطنبول قبل أن تتوسع لتصبح مظاهرات أكثر عنفا ضد حكومة أردوغان- بتقويض استقرار البلاد.
حجم الاقتصاد التركي
نما الاقتصاد التركي بقوة في السنوات الأخيرة ليصل إلى نحو 800 مليار دولار سنويا، ليضع البلاد في مصاف بعض الدول الغنية مثل سويسرا وهولندا.
وعلى العكس من تركيا، تعصف حاليا بجيران لها مثل اليونان وقبرص أزمة اقتصادية ومالية عميقة، فيما تعاني الدول الأوروبية الأخرى من الركود.
وإلى الشرق والجنوب يعاني جيران آخرون مثل جورجيا والعراق وسوريا من أزمات سياسية وثورات قوضت اقتصاداتها.
وفي محيط مضطرب، نجحت تركيا في تحقيق نجاح اقتصادي رغم الأزمة التي تعرضت لها في بداية العقد الماضي. وشهد الاقتصاد التركي نموا سنويا بلغ نحو 5%.
وفي 2010 و2011 عندما كانت معظم اقتصادات العالم تكافح للخروج من الركود، سجل الاقتصاد التركي نموا بمعدل 8%، ليضاهي الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وقد دفع نمو الاقتصاد التركي بوضع البلاد العالمي إلى مجموعة العشرين التي تضم أكبر الدول الصناعية والاقتصادات الناشئة في العالم، وليصبح صوت تركيا مسموعا إزاء القضايا الكبرى.
وبرغم تباطؤ نمو الاقتصاد التركي إلى 2.6% في العام الماضي فإن صندوق النقد الدولي يتوقع ارتفاعه إلى 3.5% في 2013 وإلى 3.755% في 2014، مستشهدا بزيادة الطلب على منتجاتها وزيادة تدفقات رأس المال والاستثمار.
وتظهر أرقام حديثة أن الاقتصاد التركي كان في وضع جيد قبل الاضطرابات، حيث سجل نسبة نمو سنوي بلغت 3% في الربع الأول من العام الحالي، مقارنة مع نمو بنسبة 1.4% في الربع الأخير من العام الماضي.
وجاءت نسبة النمو بالربع الأول أكبر من توقعات المحللين التي بلغت 2.3% للربع ذاته.
اقتصاد متنوع
ولا يخفي المحللون إعجابهم بتنوع قاعدة نمو الاقتصاد التركي. فقد تطورت قطاعات الصناعة المختلفة إلى جانب قطاعات الخدمات والسياحة. واستطاعت الحكومة التركية كبح التضخم الذي طالما ظل جامحا لعقود ليشهد عام 1999 وصوله إلى 90%. وللمقارنة، فقد توقع صندوق النقد الدولي أن يصل معدل التضخم هذا العام إلى 6.6% فقط من 8.9% في العام الماضي.
لكن موجة الاحتجاجات الأخيرة جلبت معها الاضطراب لأسواق الأسهم التركية التي هبطت بشدة في ظل العنف، مما يعني شعور المستثمرين بالخشية جراء ما يحدث.
ورغم صعود البورصة التركية اليوم عقب صدور أرقام النمو الاقتصادي فإن المؤشر الرئيسي لسوق الأسهم التركية لا يزال أقل بنسبة 10% بالمقارنة مع بداية الشهر الجاري، بينما فقدت الليرة التركية نحو 6% من قيمتها مقابل الدولار لتصل إلى 53 سنتا.
يضاف إلى ذلك ارتفاع العائدات على سندات الحكومة التركية مما يعني أن المستثمرين أصبحوا أكثر خشية إزاء إقراض الحكومة التركية.
وزادت العائدات على سندات الحكومة التركية لأجل عشر سنوات إلى 7.3% من 6.2%، ويعتبر هذا مؤشرا سيئا لبلد يعتمد نموه الاقتصادي إلى حد كبير على تدفق الاستثمارات من الخارج.
مخاطر
ويتمثل أكبر المخاطر التي تواجه الاقتصاد التركي حاليا في احتمال هروب المستثمرين الأجانب بسبب الاحتجاجات. فقد كان من الأسباب الرئيسية لجذب الاستثمارات الاستقرار السياسي النسبي الذي تمتعت به البلاد خلال عشر السنوات الماضية.
فلتمويل مشروعات ضخمة للبنى التحتية أصدرت الحكومة والشركات الرئيسية سندات للمستثمرين بالولايات المتحدة وأوروبا الذين أبدوا رغبة كبيرة في الإقبال عليها بسبب عائداتها المرتفعة بالمقارنة مع العائدات الأميركية والأوروبية.
وبسبب الخشية إزاء هذه الاستثمارات قد يشعر المستثمرون بضرورة الانسحاب إلى أماكن أكثر استقرارا. ويؤكد محللون أهمية الفترة التي تستغرقها عودة الهدوء إلى البلاد.
وبرغم بعض التشابه فإن الاختلافات كبيرة بين ما حدث لدول الربيع العربي وما يحدث في تركيا.
ويقول بول هوكنز، المدير الأول بمؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني "إن الاحتجاجات في تركيا ليست بالضخامة التي تؤدي إلى تغيير في حالة الاقتصاد مثلما حدث في أجزاء في العالم العربي في السنوات الماضية".
لكن من القطاعات التي ستكون حساسة بصورة كبيرة للاحتجاجات قطاع السياحة التركي. فقد زار تركيا في العام الماضي 37.7 مليون سائح مما جعلها واحدة من المقاصد السياحية العشرة الأولى في العالم. وحتى اليوم لم يبلغ عن إلغاء حجوزات للسياح، والسبب هو أن المحتجين لم يستهدفوا السائحين أو الأماكن السياحية الرئيسية أو الأسواق وهي مقاصد الزائرين.
أرسل تعليقك