أكثر من نصف أنواع البن معرض لخطر الانقراض.. وتوقعات باستمرار ارتفاع أسعاره لما بعد عام 2022الدول الصالحة لزراعة البن بين خط طول 25 و30 أو ما يطلق عليها «حزام القهوة»سلاسل الإمداد تضيف تعقيدا أكبر بسبب ارتفاع تكاليفالشحن وتعطل بعض الموانئ الرئيسيةالقهوة مزاج الجميع دون النظر إلى طبقتهم الاجتماعية، يشرب الناس كل يوم نحو مليار كوب قهوة، ويصل عددها إلى نحو 400 مليار كوب سنويًا. لكن يبدو أن الأمر قد يتغير قريباً لتصبح مشروباً للأثرياء فقط، جاء ذلك وسط تحذيرات من تراجع المخزون العالمى من القهوة عند مستويات منخفضة هى الأدنى لها منذ نحو 21 عامًا.
تعددت الأسباب إلا أن الأمر يتجاوز كونه محض كوب قهوة اعتاد عليه البشر حول العالم، فالأمر مرتبط باقتصادات دول ستتأثر حتماً من تلك التغيرات التى تشهدها صناعة البن العالمية التى تعتمد عليها دول، على مستوى الإنتاج والتصدير وأيضاً الاستيراد.
البداية مع الأرقام، حيث أظهرت بيانات بورصة ICE Futures الأمريكية ارتفاع أسعار أرابيكا بأكثر من الضعف خلال عام 2021، وأن تلك الزيادة تتماشى مع تراجع المخزون العالمى، وزيادة الطلب مقارنة بالمعروض وهو ما يدفع أسعار القهوة نحو مزيد من الارتفاع فى المستقبل.
ويعتبر ارتفاع أسعار البن امتداداً للارتفاعات المستمرة فى أسعار الغذاء عالمياً، التى اقتربت من مستويات قياسية أخيرا، وسط مخاوف من التغيرات المناخية وتأثيراتها السلبية على المحاصيل، بالإضافة إلى المشكلات المتعلقة بسلاسل الإمدادات.
هذه التراجعات ليست مقتصرة على أرابيكا فقط، بل كشفت بيانات حديثة عن تراجع شحنات البن الأخضر فى البرازيل بنسبة تقدر بنحو 14% خلال يناير الماضي؛ بسبب النقص فى عدد السفن الناقلة للسلعة، وهو ما يمثل مشكلة رئيسية للمصدرين، كما انخفض حجم الإنتاج فى البرازيل أكبر مصدر للبن فى العالم خلال العام الماضي، وهو ما شكل عنصرا دافعا لمزيد من الصعود فى الأسعار وسط توقعات محلية باستمرار ذلك الاتجاه الصعودى حتى شهرى مايو ويونيو المقبلين، مع وصول المحصول الجديد إلى السوق.
ما تشهده الأسواق العالمية من انخفاضات فى المخزون العالمى من البن، وارتفاع فى الأسعار ليس مفاجئاً، حيث أصدرت عدة دراسات تحذيرات مما يحدث اليوم، كان آخرها دراسة أعدها خبراء فى مؤسسة “رويال بوتانيك جاردنز” الأمريكية، والتى كشفت عن أن أكثر من نصف أنواع البن البرى فى العالم معرض لخطر الانقراض.
وأرجعت الدراسة ذلك إلى الصقيع الشديد فى البرازيل الذى أدى إلى تلف جزء كبير من المحاصيل، إلى جانب ارتفاع تكاليف نقل البضائع حول العالم بسبب القيود المرتبطة بجائحة كورونا. وأشارت إلى أن إجراءات الحماية الحالية المتبعة لحماية أنواع البن البرى غير كافية لحمايته فى المستقبل، وهو ما يسبب أزمة عالمية كبرى فى سوق البن نتيجة لانخفاض الإنتاج العالمي. كما وضع الخبراء توصيات أهمها ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة فى دول استوائية معينة، وتحديداً فى منطقة الغابات فى إفريقيا التى تعانى من آثار التغيرات المناخية.
هنا تتبادر التساؤلات فى الأذهان عن علاقة التغيرات المناخية بزراعة القهوة، بداية ينمو شجر “أرابيكا” – وهو النوع الذى تفضله أغلب السلاسل التجارية المتخصصة فى بيع القهوة – عند 19 درجة مئوية، هذه الدرجة التى باتت نادرة فى المناطق الاستوائية الأكثر إنتاجاً للبن فى العالم، وذلك بفعل التغيرات المناخية التى تسببت فى ارتفاع درجة حرارة الأرض.
وقد دعا ذلك للبحث عن نوع قهوة آخر يشبه مذاق أرابيكا ولكنه قادر على احتمال درجات الحرارة المرتفعة، وهو ما وجده بالفعل آرون ديفيس، كبير الباحثين فى الموارد النباتية بالحدائق الملكية بالمملكة المتحدة، حيث عثر على نوع نادر فى البرية يشبه مذاق أرابيكا، ويسمى ستينوفلا”، كان يعتقد الخبراء أنه انقرض فى سيراليون، لكنهم وجدوا مجموعة من أشجاره، واعتبروه منقذ صناعة القهوة فى العالم.
ويرى العلماء أن النوع الجديد ينمو فى درجات حرارة تبلغ 26 درجة مئوية، أى إنه يتميز بالقدرة على مقاومة التغيرات المناخية، واحتماله لدرجات الحرارة المرتفعة.
على صعيد متصل، كشف فريق آخر من الباحثين من جامعة زيوريخ بسويسرا أن الأراضى المتاحة لزراعة البن ستنخفض بشكل كبير، خصوصا فى البرازيل وفيتنام وكولومبيا وإندونيسيا، متوقعين تراجعها إلى النصف بحلول عام 2050، حتى مع السيناريوهات المعتدلة من تغير المناخ.
وتتطلب زراعة القهوة طقسا وأجواء معينة، تتمثل فى أن تكون حرارة المنطقة المزروعة تتراوح بين 18 و21 درجة، وأن تتميز بموسم أمطار لا يتجاوز الـ 3 أشهر كل عام. ليس هذا فحسب بل أن يكون النهار حاراً والليل بارداً، وكذلك ينبغى أن تزرع على ارتفاع يتراوح ما بين 1000 إلى 2000 متر أعلى سطح البحر.
هذه المواصفات تشير إلى أن الدول الصالحة لزراعة القهوة هى التى بين خط طول 25 و30، أو يطلق عليه “حزام القهوة”، ويضم عدداً من الدول منخفضة الدخل أو الناشئة الواقعة فى أمريكا الجنوبية وإفريقيا وآسيا.
مع تغير المناخ، ترتفع درجة حرارة الأرض، ما يعنى تغير البيئة المثالية المناسبة لزراعة القهوة، الأمر الذى جعل آلاف المزارعين الصغار حول العالم يعانون من خطر انخفاض الإنتاجية وبالتبعية خطر الإفلاس. بالتأكيد هناك وسائل يمكنها حماية محاصيل القهوة، إلا أن جميعها مرتفعة التكلفة لا يستطيع تحمل تكلفتها المزارعين الصغار.
تتحمل حكومات الدول الصناعية والشركات الكبرى المتسببة بشكل رئيسى فى التلوث، وتعزيز التغير المناخى جانب من المسؤولية، حتى وإن كانت مسئولية أخلاقية فعليها دعم هؤلاء المزارعين المتضررين. وكانت قد تعهدت الولايات المتحدة والصين ودول أوروبية بسداد 100 مليار دولار سنوياً عام 2009،للدول النامية منخفضة الدخل المتضررة من الانبعاثات الكربونية وارتفاع التلوث، إلا أنها لم تسدد هذه الأموال أبداً رغم مرور أكثر من 11 عاماً على هذا التعهد.
بعيداً عن التغيرات المناخية، توجد مشكلة حقيقية تقوض صناعة القهوة حول العالم ألا وهى سلاسل الإمداد، وتتلخص تلك المشكلة فى ارتفاع تكاليف الشحن البرى والتصدير، وتعطل بعض الموانئ الرئيسية. هذه الصعوبات جعلت الدول الكبرى المنتجة تفضل بيع إنتاج محلياً عن تصديره، وتحمل كلفة نقله المرتفعة، ليتسبب ذلك فى مزيد من الضغط على المخزون المتوفرة لدى باقى العالم.
ما الذى يحمله 2022؟
تتجه أغلب التوقعات إلى سيناريوهات قاتمة تعزز المخاوف من حدوث مزيد من الارتفاعات فى أسعار القهوة، كان أحد تلك التوقعات، هو ما ذكره تقرير لساكسو بنك بأن تداعيات موجات الصقيع والجفاف التى ضربت البرازيل العام الماضى ستمتد إلى العام المقبل أيضاً مع مزيد من الارتفاعات فى الأسعار.فيما يرى تحليل آخر لمجموعة رابوبنك الهولندية أن قيود الشحن ونقص الإمدادات فى 2022 ستزيد وتيرة ارتفاع الأسعار، بحيث تصل ما بين 2.60 دولار إلى 2.80 دولار للرطل، خلال النصف الأول من العام الجاري.كما سيطول هذا الارتفاع كامل حلقات سلسلة صناعة القهوة سواء الشحن أم التعبئة والتغليف أو التحميص، حتى تصلك أنت شخصياً وترى كوب قهوتك الصباحية لم يعد بذات السعر الذى اعتدت دفعه.
قد يهمك أيضأ :
دراسة تؤكد أن شرب ثلاثة أكواب من القهوة كل يوم يطيل من العمر
دراسة تؤكد أن تناول القهوة والشاي يقلل من مخاطر الإصابة بالسكتة الدماغية والخرف
أرسل تعليقك