السندات بشكل عام هي أداة دين تلجأ إليها الحكومات والشركات، حيث إنها توفر عائدا جيدا للمستثمرين مقابل مخاطرة مقبولة، وتعد السندات إحدى وسائل الاقتراض التي تلجأ إليها الحكومات، لتمويل مشاريعها أو لتمويل عجز الموازنة، وتسدد على فترات طويلة، كما تسهم السندات في دعم حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي وتمويل احتياجات الخزانة العامة.
تتميز السندات عن القروض المباشرة التي تحصل عليها الحكومة سواء من الجهات المحلية أو الدولية بعدة أسباب، فهي مفضلة عن الاقتراض من الجهات المحلية في أن تكلفتها منخفضة ومخاطرها أقل لأنها لا ترفع من عجز الموازنة مثلما يحدث حال الاقتراض محليا، وتتميز عن أذون الخزانة التي تطرحها الحكومة في أن أذون الخزانة مدتها لا تزيد على عام، وفي ظل أن السندات تزيد على العام، فضلاً عن أنها لا تشترط تطبيق إجراءات معينة مثلما يشترط صندوق النقد الدولي لإقراض أي من الدول الساعية لتغطية عجز الموازنة الواقع اقتصادها تحت أثره، وكل ذلك يصب في خفض تكلفة الدين وإطالة أجل الدين المحلي، ودعم الاحتياطي الدولاري، ويواجه ما يساويها بالعملة المحلية لدعم أنشطة الموازنة العامة.
إن هذا الإقبال العالمي الواسع على السندات الحكومية المصرية أعطى مؤشرا على نجاح السندات الدولية التي تصدرها مصر، كما أعطى مؤشراً على أن إصدار الشركات المصرية لسندات دولية سيلقى كذلك إقبالا واسعاً ومشجعاً، مما يعزز نظرة الثقة في الاقتصاد المصري بشقيه الحكومي والخاص، أن القطاع الخاص المصري يتمتع بوضع متميز وبخاصة أنه يتحمل مسؤولية رئيسية في قيادة التنمية الاقتصادية في مرحلة ما بعد الإصلاح الاقتصادي.
إن مصر حققت من تجربة إصدار هذه السندات وما ترتب عليها من إقبال دولي واسع العديد من المكاسب تمثلت في هبوط تكلفة التأمين على الدين المصري العام ضد مخاطر التخلف عن السداد إلى أدنى مستوياته، كما أن الطلب الكبير على السندات دفع المضاربين إلى تقليص رهوناتهم على فك ارتباط الجنيه بالدولار، كما أوجد مصدرا جديدا للتدفقات الدولارية مما سيخفف الضغوط على الجنيه، كما سيمنح الدولة فرصة لعدة سنوات للحد من الاعتماد مواردها الطبيعية.
أصدرت وزارة المال سندات لصالح البنك المركزي بنحو 4 مليارات دولار تستهدف خفض الدين وهو يستخدم جزء من تلك السندات لتنفيذ عملية إعادة شراء بـ2 مليار دولار عبر آلية تسمى "ريبوا"، ببورصة إيرلندا بقيمة 4 مليارات دولار حيث تم اصدار سندات بقيمة 1,360 مليون دولار بعائد سنوي قدره 4.62% تستحق في 10 ديسمبر 2017، وسندات بقيمة 1,320 مليون دولار بعائد سنوي قدره 6.75% تستحق في 10 نوفمبر 2024، وسندات بقيمة 1,320 مليون دولار بعائد سنوي قدره 7% تستحق في 10 نوفمبر 2028، وفي خطوة تفتح مزيدًا من آفاق الاستثمار، وتعزز من مستوى الشفافية والإفصاح، قررت مصر تسجيل وإدراج وتداول إصدارات الدين العام عبر منصة السوق المالية المصرية (تداول) وبشكل تدريجي، حيث سيتم البدء بمرحلة التسجيل ويعقب ذلك مرحلتا الإدراج والتداول. ومن المتوقع أن تحقق هذه الخطوة نقلة نوعية على خريطة الاستثمار في السوق المصرية حيث تمثل السندات الحكومية خيارًا استثماريًا آمنًا، ووعاء كبيرًا يستطيع استيعاب رؤوس الأموال الراغبة في هذا الاستثمار، بينما تشكّل السندات الحكومية الصادرة عن مصر فرصة استثمارية آمنة ومحدودة المخاطر. وفي هذا الإطار من المتوقع أن تواصل مصر إصدار السندات والصكوك خلال الفترة القريبة المقبلة، لسد أي عجز قد يحدث في موازناتها السنوية، دفعت بالاقتصاد المحلي إلى تجاوز جميع الأزمات المالية العالمية بمرونة عالية. أثرت السندات الدولية في رفع تصنيف مصر من قبل كبرى مؤسسات التصنيف الدولية التي أشادت بأداء الاقتصاد المصري الذي نجح في السيطرة على معدلات عجز الموازنة العامة، حيث تراجعت نسبة عجز الموازنة إلى الناتج المحلي من نحو 12.5% في العام المالي 2015/2016 إلى 9.8% في العام المالي الماضي كما تخطط وزارة المال لخفضها مرة أخرى إلى 8.4% خلال العام المالي الحالي. كانت مصر باعت سندات دولية بقيمة 1.5 مليار دولار في يونيو 2015 وذلك للمرة الأولى منذ انتفاضة يناير 2011.
اقرأ أيضًا:
"بلومبيرغ" تلقي الضوء على الضغوط التي تتعرض لها السندات اللبنانية السيادية
ضغوط التطورات الاقتصادية العالمية لا تقتصر على تداعيات ارتفاع أسعار النفط، بل تمتد إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض لسد عجز الموازنة العامة سواء من السوق المحلية، أو السوق العالمية، لأن ارتفاع الفائدة على الدولار الأميركي وأزمة الأسواق الناشئة، سبب رئيسي في ارتفاع العائد على السندات وأذون الخزانة التي تطرحها المالية وهو ما دفع الوزارة إلى إلغاء الطرح 3 مرات في وقت سابق واستبدال السندات بالأذون قصيرة الأجل. إن ميزة تلك السندات كما ظهر في التجارب العالمية يكمن في قدرتها على جذب مستثمرين جدد ممن يرغبون في إنشاء مشاريع الطاقة النظيفة والصناعات غير الملوثة للبيئة، وحتى مشاريع عقارية صديقة للبيئة للأفراد، وستكون مفيدة لمصر حال نشاط الصناعة والاستثمار.
يمتد هذا التأثير إلى الصناديق العالمية التي تعيد هيكلة محافظها وتستهدف الاستثمار في السوق الأميركية للاستفادة من ارتفاع الفائدة على الدولار وسط إعلان الفيدرالي الأميركي نيته الاستمرار في سياسة رفع الفائدة علي الدولار، إلى جانب استهداف الأسواق الناشئة التي شهدت ارتفاع الفائدة لديها لمواجهة انخفاض عملتها وفى مقدمتها الأرجنتين وتركيا، هذه التطورات ستترك أثرها بارتفاع العائد على السندات المصرية التي تعتزم وزارة المال طرحها في الأسواق العالمية وبخاصة الآسيوية، إذ تسعى إلى طرح سندات بالين وأخرى باليوان، كما يطرح تساؤلات بشأن خطة الوزارة في اللجوء إلى السوق العالمية لاقتراض نحو 17 مليار دولار لتمويل عجز الموازنة العامة خلال الفترة المقبلة.
يشير فجوة بين العرض مفهوم التمويل الدولي إلى انتقال رؤوس الأموال بكل أشكالها بين دول العالم المختلفة، ويتكون المصطلح من كلمتين، حيث تشير كلمة التمويل إلى ندرة المعروض من رأس المال في دولة ما مقارنا بالقدر المطلوب منه، ونتيجة ذلك هو حدوث والطلب من رأس المال، ويستدعي ذلك سد هذه الفجوة وهذا ينطبق على الوحدة الاقتصادية أي على المستوى الجزئي (Micro) أو مجموع الوحدات الاقتصادية في دولة معينة (Macro) أي على المستوى الكلي، ولهذا فإن الكلمة الأولى تعني عمومية التحليل في مسألة انتقال رؤوس الأموال من حيث أماكن وفرتها (أصحاب الفائض) إلى حيث أماكن ندرتها (أصحاب العجز)، ويتم هذا الانتقال عبر مجموعة من الوسطاء الماليين سواء كان ذلك في شكل بنوك أو شركات تأمين أو صناديق ادخار أو أسواق المال إلى غير ذلك من مؤسسات الوساطة المالية، فضلا عن انتقال رؤوس الأموال عن هذا النحو التي تكون من أهدافها الأساسية الحصول على أكبر عائد ممكن على هذه الأموال. أما الكلمة الثانية من مصطلح التمويل الدولي تشير إلى الصفة التي تحكم عملية التمويل من حيث كونه دوليا، وهذا يعني أن تحرك رأس المال في هذا الإطار سيكون خارج الحدود السياسية لدول العالم. كما أن الطبيعة الدولية في التمويل تبين مدى اختلاف الدول في مجال الفائض والعجز في عنصر رأس المال، والعامل الحاسم في تحديد الاتجاه الذي يسلكه رأس المال من دولة إلى أخرى أو من سوق إلى أخرى هو شكل العلاقة بين الادخار والاستثمار على مستوى الوطني، والجدير بالذكر أن ندرة رأس المال بالنسبة للطلب عليه في دولة تؤدي إلى ارتفاع عائده في هذه الدولة، ومن ثم فإن رأس المال سيتدفق داخل هذه الدولة.
وليس المقصود بتحركات رؤوس الأموال انتقال رؤوس الأموال العينية في شكل آلات ومعدات وأصول مختلفة، فهذا يدخل في مجال التجارة الدولية للسلع، ولكن المقصود بهذه التحركات هو انتقال رؤوس الأموال في شكل عمليات اقراض واقتراض بين الدول المختلفة، ويشير الأمر الأخير إلى تأثير هذه التحركات الرأسمالية في تغير الحقوق والالتزامات المترتبة عليها، فإذا قام أحد المستثمرين أو إحدى المؤسسات أو إحدى الحكومات بطرح سندات للبيع في أسواق المال بألمانيا، وقامت المؤسسات بنوك ومواطنون في ألمانيا بشراء هذه السندات فإن ذلك يعتبر انتقالا لرأس المال على المستوى الدولي ويحدث بذلك حقوقا لهؤلاء الذين اشتروا السندات والتزامات أجنبية لهؤلاء الذين قاموا بطرح هذه السندات للبيع، غير أن استخدام حصيلة بيع هذه السندات في دفع فاتورة الواردات من السلع الاستثمارية سيدخل ضمن التجارة الدولية في السلع والخدمات، لكن المستثمر الذي يقبل على شراء السندات المطروحة للبيع لن يقدم على شرائها إلا إذا كان معدل العائد على هذه السندات أكبر من العائد الذي يمكن تحقيقه من الفرص الاستثمارية الأخرى داخل ألمانيا، وهذا يشير إلى أن الانتقال الدولي لرأس المال يتحرك وفقا لمقدار العائد المحقق من هذا الوعاء الاستثماري (السندات) مقارنا بالعوائد الأخرى التي يمكن تحقيقها من التوظيفات الاستثمارية الأخرى سواء كان ذلك داخل الدولة أو خارجها.
غير أن التحليل السابق هو تبسيط شديد لتحرك رؤوس الأموال إذ نجد في بعض الأحيان أن صافي الانتقال أو التحرك لرأس المال يتجه نحو خارج الدولة رغم ما تعانيه من ندرة في رأس المال وهذا عائد إلى أزمات الدين الخارجي وعدم الاستقرار المالي من ناحية ضف إلى ذلك عمليات المضاربة على تغيرات أسعار الصرف واختلاف مستويات الفائدة من ناحية ثانية، وإلى عدم استقرار الأوضاع السياسية والاجتماعية من ناحية ثالثة.
قد يهمك أيضًا:
الحكومة المصرية تؤكد تحقيق رقمًا قياسيًا من طرح السندات الدولية
وزارة المالية المصرية تعلن أسماء بنوك الاستثمار الفائزة بإدارة إصدارات السندات الدولية
أرسل تعليقك