يكاد قلب العم طاهر مصطفى، «استورجي»، أن ينخلع من مكانه لفرط الحزن الذي أصابه بعد مقتل ابنه محمود، الطالب في المرحلة الإعدادية، على يد «مدمن» للمواد المخدرة، بنحو 25 طعنة متفرقة بأنحاء الجسد بمنطقة أوسيم في الجيزة، كل هذا والأب المكلوم لم يستلم جثة فلذة كبده منذ الحادثة، السبت الماضي: «الجثة لا تزال في ثلاجة مشرحة زينهم، ولم أستطع دفن ابني، النيابة قالت لي إن فحوص الـدى.إن.إيه لم تنتهِ»، قالها أب المجني عليه، وهو يغالب دموعه: «يا ناس خلاص ابني قُتل، وتعرفت على جثته، إكرام الميت دفنه».
لم يستطع «مصطفى» النوم إلى الآن، منذ تلقيه خبر مقتل الابن محمود، بشاعة صور جثته المقطعة تطارده في يقظته قبل نومه، فيقول لـ«المصري اليوم» إن "المتهم وعمره 40 عامًا أو ما يزيد لم تأخذه رحمه بطفل لا يتجاوز الـ15 عامًا، راح يجهز عليه بمطواة حتى أرداه قتيلاً، على طريقة الدواعش، لا بل تجاوزهم بكثير».
المجني عليه
الطفل «محمود» بوصف أبيه «كان رجلاً»، على صغر سنه، أراد أن يشارك والده في مصاريف المنزل، فعمل كسائق «توك توك» يمتلكه جارهما «أبوملاك» نظير أجره لا تتعدى في أحسن حالتها 25 جنيهًا: «ابني قال يساعدني في المصاريف، خصوصًا وإنه يعرف بضيق ذات اليد».
«أنت فاكر نفسك الراجل الوحيد في البيت»، هكذا برر الطفل المجني عليه، لأبيه عمله بعد اليوم الدراسي على «توك توك» جارهما، فكان الأب كما يروى خائفًا من المصير الذي لقاه ابنه الأكبر: «أنا اتخانقت مع أمه، وقلت لها على فكرة ابنك هيموت أو هيتخطف».
تسببت مشاجرة الزوجين تلك في غضب الابن محمود، وترك المنزل ليذهب إلى بيت جدته لأبيه في قرية بلقاس لـ3 أيام، وبعودته، قال لأبيه بعد عناق طويل: «يا بابا أنا كل يوم مصروفي للمدرسة ذهابًا وإيابًا بالكاد 10 جنيهات، أوفرها لك من عملي، وأريد مساعدتك».
حاول «محمود» إقناع والده أكثر، بقوله:«يا بابا مصاريف علاج أخويا (أحمد) عامين، حوالي 500 جنيه، من أين سندبرها؟»، فبحسب العم «مصطفى»، فإن أصغر أبنائه «أحمد»- معاق، وهو طفل:«حاولت استخراج معاش لأنفق منه على صغيري هذا، لكن محاولاتي باءت جميعها بالفشل».
المجني عليه
وافق والد المجني عليه على انطلاق نجله بـ«التوك توك»، فكانت رحلته الأخيرة مع المتهم «عمرو.م»، الذي قابل «محمود» قبل 24 ساعة من ارتكاب الجريمة، التي كان يخطط إليها، فأعطى الطفل 10 جنيهات كعربون لتوصيله إلى منطقة أوسيم: «يا بابا راجل أعطاني فلوس، وبكره هوصله بقصب وهأخذ منه 50 جنيهًا»، هكذا أخبر الابن أبيه برحلته المشؤومة، لكنه لم يخبره بما قال له المتهم، وراه أصدقاء الطفل فيما بعد:«لا تقل لأصدقائك حتى لا يأتون معنا».
كان المتهم يريد أن ينفرد بالطفل، على حد قول والدة «محمود»، فإن المتهم حضر إلى شارعنا وكان يراقب ابنها «العيال قالوا للمتهم عمرو، الذي لم نعرفه من قبل، إن ابني ممكن يوصله لأي منطقة يريدها»، مستدركة أن ما أراده المتهم هو خطف الـ«توك توك» من نجلها بسهولة لاستضعافه جسد الطفل «ابني لمّا تمسك بالتوك توك، المتهم مزق جسده إربًا».
المجني عليه
تصور المتهم «عمرو» أنه فاز بالدراجة البخارية والتي يبلغ ثمنها على حالتها السيئة، بتقدير والد المجني عليه، مبلغ الـ7 آلاف جنيه، فما أن ركن المتهم الـ«توك توك» أمام منزله في منطقة الوراق، حتى باغتته قوات الشرطة، وألقت بالقبض عليه، فقال في تحقيقات نيابة حوادث شمال الجيزة: «لم ألحق بيع الدراجة البخارية بعد قتل الطفل محمود»، مضيفًا: «كان علىّ ديون تلاحقنى وأريد سددها فارتكبت الجريمة».
«الإعدام، ومقابلة المتهم»، مطلبين لأسرة المجني عليه، بررهما الأب بأن يكون المتهم والذي ثبت من خلال التحقيقات إدمانه للمواد المخدرة، بأولاً: يكون المتهم عبرة لمن تسول له نفسه قتل طفل يقود «توك توك» ليأكل عيش، وثانيًا: أسأل المتهم لماذا قتل ابنى هكذا «كنت اتصلت بنّا وقول إنك خطفه وتريد فدية، كنا نشحت ونأت لك بأموال».
تلمع عينا الأم بالدموع حينما تستحضر في ذهنها، المكالمة الهاتفية الأخيرة لها مع ابنها «محمود»، وكانت يوم الجريمة، إذ أخبرت الابن بأن والده سيشترى له «توك توك» مستعمل بالتقسيط: «باقولك يا واد أبوك شاف توك توك قسط على موقع على النت»، فأجابها الابن المجني عليه من فوره، بفرح بالغ كما تصفه الأم: «صوته كان مليئًا بالمرح، وأخبرني بأنه في غضون 10 دقائق سيعود إلى المنزل»، لكنها فرحة ما تمت بتعبير والدة محمود: «بعد المكالمة اتقتل غدرًا».
المجني عليه
لتبدأ رحلة الأب في البحث عن الجثة عندما أخبرته الجارة أم أنجي، بأن هناك أخبارًا متداولة على الإنترنت بالعثور على جثة «طفل»: «تعال يا أبومحمود نروح نشوف الحكاية في قسم شرطة الوراق»، يقول والد المجني عليه، إنه تحرك إلى القسم وعندما شاهد جثة ابنه على هاتف ضابط شرطة لم يصدق «قلت للضابط لا ليس هذا ابنى.. لم أتصور أن يكون مقطع هكذا»، لكن أم أنجى أكدت للضابط أن الجثة للطفل «محمود» الذي يبحثون عنه، ليذهبا إلى مركز شرطة أوسيم -مكان العثور على الجثة- لتحرير محضر بالواقعة «المتهم خرم جسد ابني بالمطواة»، يبكى والد محمود، وهو يتذكر كيف أضحت صورة جثة ابنه صاحب الـ15 عامًا، ويتمنى استلام جثمانه للدفن.
أرسل تعليقك