الدقهلية ـ مصر اليوم
الثلاثاء الماضي، حضر "السيد مشالي" العامل بشبكة الكهرباء بقرية الستاموني بالدقهلية، إلى منزله، جلس برفقته زوجته وأولاده الأربعة، قبل أن يأتيه اتصال هاتفي من المكتب "قالي البلد اللي جنبنا الكهربا قاطعة ولازم أروح أشوف الحكاية" رحل حزينًا ممتعضًا، واعدًا إياهم باللحق بموعد الإفطار لكن كلمته لم تتحقق "طلع على رجليه، ورجعلي على ضهره" تذكرها زوجته باكية. على دراجة بخارية، جلس الرجل الأربعيني خلف زميله بالعمل، قاده الأول نحو عمود التيار العالي بالقرية المجاورة- 21 النقعة -، شعر "مشاري" بالخطر من صعوده لإصلاح الكهرباء، عاد مرة أخرى إلى بيته، بعد العصر بقليل، حصل على حزام الأمان وغادر سريعًا "مع كل طلعة الواحد بيقلق، لأنه طول الوقت بيقول إن شغلانته خطر". دقائق أمام عمود التيار الكهربائي، استغرقها "مشاري" لارتداء حزام الأمان، ترك زميله وصعد العمود، كان من المفترض أن يُشرف على تلك العملية مسؤول الأمن الصناعي بالمنطقة، وأن يمنحه خوذة وبعد الاحتياجات اللازمة للعمل، يقول سيد فرج، أحد أقاربه "ولا حد راح معاه من الأمن الصناعي ولا أدوه حاجة". تلك النوعية من الأعمال اعتيادية لـ "مشاري" الذي يعمل في وزارة الكهرباء منذ 20 عاما، لذا كان يصعد دون قلق، رغم تعرض أحد زملائه للصعق في بداية الشهر الحالي "حكالي عن زميله اللي ربنا نجاه، الكهربا ضربته فوقع قبل ما يموت"-وفق رواية الزوجة، أخرج العامل معداته، رَبط نفسه بالعمود خشية الوقوع، وانهمك في البحث عن سبب العٌطل. 15 دقيقة مرت، قبل أن تعود التيار الكهربائي دون سابق إنذار، لحظة واحدة لم يتحملها الرجل، أمسكت به الكهرباء، تخللت جسده "قوتها 11 ألف فولت، بتشغل محطة الميه" كما يروي قريبه، لم يتمكن "مشاري" من الصراخ"، انتفض جسده، ثم انسحبت منه علامات الحياة، بينما فر زميله مفزوعًا "ومش لاقينه من ساعتها". ظل "مشاري" فوق العمود، الكهرباء تُزلزل جسده، يراه أحد المارين، ينتشر الخبر قُرب المغيب، يتوافد على المكان أهالي القرية المجاورة، يحاول أحدهم الاقتراب فينهروه "مكنش ينفع حد يطلع والكهربا شغالة" يوضح "أحمد شاكر" أحد الأهالي، لم تصل سيارة إسعاف إلى المكان أو قوات شرطة، الوجوه مرتبكة، العجز يكسر الرجال، قبل أن يقترحوا فصل الكهرباء من الشبكة الأم "ودي بعيدة عن المكان بـ 6 كيلو". في المنزل البسيط، كانت الزوجة تعد مائدة الإفطار، قبل أن يطرق أحد الأهالي الباب، ويُلقي إليها بالخبر "أنا سمعت اللي حصل، جريت مدرتش بنفسي، وابنه سابقني وشاف أبوه متعلق في العمود" الغليان يسري في المكان، المشهد مؤلم، ينتظر الجميع انقطاع الكهرباء، حدث ذلك بعد ساعة ونصف من الحادث. اقترب عدد من ذويه والأهالي للصعود نحوه، بعضهم أبدى قلقه من عودة التيار مرة أخرى "قالوا مش هنسيبه أكتر من كدا، ولو حصل حاجة نموت معاك" كما يحكي قريبه، صعدوا إليه، حملوا جثمانه، لا يصدقون أنه مات، فيما تتولى الصدمة مهمتها الثقيلة على قلب الزوجة والأبناء. أعادوه إلى منزله، لم يتمكنوا من دفنه سريعًا "كان لازم ندور على الموظف اللي عمله أمره التكليف، ونعمل محضر ويطلع التقرير الطبي ونطلع قرار من مأمور المركز"، خرجت جنازة الرجل في الساعة الواحدة مساءا، المئات من أبناء القرية خرجوا خلفه، الحديث يدور عن المسؤول، من فعلها وأعاد التيار الكهربائي أثناء عمل "مشاري". تيه يكسو وجوه الزوجة وأطفالها، فقدوا كل شيء بوفاة الأب "ملناش غيره، ومين هيطعف على ولاده من بَعده؟"، كان "مشاري" يتقاضي مرتبًا لا يتعدى الألفين جنيه شهريًا، يُخصم نصفه لحصوله على قَرض منذ شهور "لكن كنا عايشين بيهم ورضا"، لكن البيت صار في مهب العوز والحاجة بعد رحيل الزوج. الموت مؤلم للأحياء، لكنه لا يمنعهم من التفكير في المستقبل، مصير تلك الأسرة بات مهددًا، لذا تطالب الأم بمحاسبة القاتل، من تسبب في وفاة زوجها بخطأ غبي
أرسل تعليقك