شهدت قصة اختطاف طفيلين وقتلهما على يد والدهما ي ميت سلسيل التابعة لمحافظة الدقهلية ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب صعوبة الواقعة بعد اعتراف الأب بقتلهما عمدًا
وقال الأب محمود نظمي السيد عبدالله، ٣٣ سنة، مزارع من مركز ميت سلسيل التابع لمحافظة الدقهلية، إنه اصطحب طفليه محمد، ٣ سنوات، وريان، ٤ سنوات، إلى ملاهي المدينة، حيث استوقفه أحد الأشخاص داخل الملاهي، وقال له إنه زميل دراسة قديم، فى محاولة لإشغاله عن الطفلين، وعندما فرغ من الحديث معه لم يجد الطفلين، فصرخ واجتمع الناس حوله وقال لهم "ولادي اتخطفوا" ثم ذهب إلى مركز الشرطة.
على غير العادة لم ينتظر رجال مركز ميت سلسيل ٢٤ ساعة كما ينص القانون واستقبلوا بلاغ الأب وشكلوا فريقًا من البحث الجنائي للبحث عن الطفلين.
وكان رجال المباحث ,في شدة التعاطف مع الأب وكرسوا جهودهم لسرعة فحص البلاغ وانتقلوا على الفور إلى موقع اختفاء الطفلين ووُزعت صورهما على جميع مديريات الأمن في المحافظات.
وفوجئ مأمور مركز ميت سلسيل، العميد ناجي جاد الحق، بتلقيه بلاغًا من مديرية أمن دمياط، بعد ١٨ ساعة من البحث، يفيد بالعثور على طفلين غارقين فى نهر النيل ناحية فارسكور تتطابق مواصفاتهما مع محمد وريان
أُبلغ والد الطفلين على الفور، واستدعى لتقارب المواصفات التي أدلى بها فى المحضر مع المعثور عليهما, وتوجّه الأب إلى مشرحة مستشفى فارسكور المركزي، وتعرف على الجثتين.
بدأت نيابة مركز فارسكور ,التحقيقات ومناظرتها الجثتين، وأسفرت عن عدم وجود أى إصابات ظاهرية أو آثار لخنق أو طعنات، فيما رجحت المعاينة أن يكون سبب الوفاة هو "إسفكسيا الغرق"، وإلقاء الطفلين حيين بالمياه.
وأمرت النيابة بندب الطب الشرعي لتشريح الجثتين، وتحديد أسباب الوفاة وتوقيتها، وما إذا كان معاصرًا لتوقيت اختفائهما أو يعقبه بعدة ساعات. وجاء التقرير النهائى للطب الشرعى كاشفًا عن أن وفاة الطفلين كانت عن طريق إلقائهما حيين في مياه النيل، مؤكدًا أن الواقعة ليست لها أى علاقة بتجارة الأعضاء وذلك لعدم وجود أي إصابات بجثتى الطفلين.
ذهب الأب إلى فارسكور لاستخراج تصريح الدفن واستكمال المحضر، ومن هنا بدأ أول خيوط اللغز.
فتحت النيابة محضرًا لتأخذ أقوال الأب كآخر شخص كان الطفلان بصحبته، وسُئل عما إذا كانت لديه شكوك تجاه شخص بعينه على خلاف معه من عدمه، وذلك في حضور بعض المحامين وبعض أهالى المدينة.
كان الأب فى حالة من القلق الشديد، فشجعه المحامى أ.ف. م»، وقال له: يا محمود.. في إيه مخبيه؟ هتحمي مين؟ إيه أكتر من إن ولادك اتقتلوا, هتخسر إيه أكتر من كده, إحكي للوكيل كل حاجة علشان حق العيال يرجع، ليبدأ محمود بسرد القصص التالية.
روى الأب في أقواله ما تعرض له داخل الملاهى، ثم سرد قصة اتجاره فى الآثار ووجود خلاف بينه وبين أحد سماسرة الآثار في مركز أجا، بشأن قطعة أثرية فرعونية على شكل "قطة" حصل عليها من تشكيل إجرامي يتاجر في الآثار في محافظة دمياط.
قال الأب إنه أعطى للسمسار ٣٠٠ ألف جنيه عمولة على القطعة الفرعونية، بينما كان المتفق عليه ٨٠٠ ألف جنيه، مرجحًا أن يكون الدافع وراء قتل طفليه هو الانتقام منه.
و تحدث عن علاقاته النسائية وقال إنه على خلاف مع امرأة تدّعى أنها حامل منه وأنه صورها في أوضاع مخلة مع أحد أصدقائه وبدأ الابتزاز بين الطرفين. ثم أكد للنيابة العامة أنه يتعاطى مخدري "الاستروكس" و"التامول". هنا أمرت النيابة بدفن جثمانى الطفلين وصرف الأب من سرايا النيابة لدفنهما.
شهادة خاصة من قلب
اختفاء غامض ثم اعتراف قنبلة بالقتل وتمثيل الجريمة
و استقبل أهالى البلد الأب محمود نظمي في الجنازة, بشكل غريب لم ينتبه إليه البعض إلا فيما بعد، فرأينا من مقاطع فيديو أن هناك من اعتدى عليه بالضرب والسب، ولم يخلصه من أياديهم إلا أصحابه، بعد أن تعرض لحالة إغماء.
و اختفى محمود، بعد الدفن وحتى أهله لم يتوصلوا إلى مكانه، ليبدأ فريق البحث الجنائى بالدقهلية رحلة بحث جديدة، لكن هذه المرة عن والد الطفلين الذى اختفى فى ظروف غامضة، وأغلق هاتفه المحمول. وهنا بدأ وزير الداخلية متابعة تطورات الحادث بنفسه.
وعثر فريق البحث الجنائى على والد الطفلين في منطقة قريبة من محل الواقعة بفي حافظة دمياط، فذهبوا به إلى مركز الشرطة، وفى تلك الأثناء كان هناك فريق آخر من رجال الأمن يتتبع خيوط القضية ويجمع حلقاتها ويربطها ببعضها بعضًا، إلى أن أصبحت كل الأمور واضحة لهم.
و باشر التحقيقات اللواء محمد شرباش، مدير المباحث الجنائية في محافظة الدقهلية، والرائد محمد فتحي، رئيس مباحث ميت سلسيل، والعميد ناجي جاد الحق، مأمور القسم.
تتابعت الأسئلة على الأب: أين كنت؟ ما سبب اختفائك؟ لماذا أغلقت هاتفك المحمول؟، فرد كذبًا: كنت عايز أجيب حق ولادي، فطلب منه اللواء شرباش: إحكي يا محمود الواقعة تانى من أولها
و خالف كلام الأب- الذي بدا فى موقف غامض- أقواله الأولى أمام نيابة فارسكور، فبدأ رئيس المباحث بمواجهته ببعض التفاصيل الصغيرة، فأدرك الأب أن كل ما كان يخشى منه قد كُشف، وأن فريق البحث الجنائى أدرك أنه هو الجانى الحقيقى، فزاد ارتباكه وانهار فجأة، واعترف محمود نظمي السيد والد الطفلين بأنه هو من قتلهما.
وادّعى الأب أمام الرائد فتحي صالح، والعميد سيد خشبة، رئيسى فرع البحث الجنائي شمال الدقهلية، أنه مريض نفسيًا، وأنه ارتكب الواقعة بسبب اعتقاده بعدم أحقيته بأن يكون أبًا للطفلين، لارتكابه أعمالًا تسىء لسمعة الصغيرين وتمثل وصمة عار لهما عند كبرهما.
وقال الأب نصًا: اختلقت قصة ذهابى للملاهى بصحبة الصغيرين، لكن الحقيقة أننى ألقيت بهما من أعلى كوبرى فارسكور فى المياه وادعيت اختطافهما».
عُرض الأب على النيابة، فواجهته بـ٣٢ صورة من كاميرا رصدته وهو فى طريقه من ميت سلسيل إلى كوبرى فارسكور بصحبة نجليه، إضافة إلى إجرائه مكالمة من تليفونه لزوجته يخبرها باختفاء الطفلين من موقع الجريمة.
و فسر والد الطفلين أمام النيابة قتله ابنيه بأنه خاف عليهما من سمعته السيئة بسبب ديونه وعلاقاته النسائية غير المشروعة، مشيرًا إلى أنه ورث عن والده تركة كبيرة تقارب مليونًا ونصف المليون جنيه، أنفقها وما يزيد فى سهرات ليلية ماجنة مع النساء، ثم دخل فى نوبة بكاء هيستيرى متلفظًا بعبارات غير مفهومة مثل: كنت هموت نفسى معاهم.. كنت هموت نفسى معاهم».
وانتقلت النيابة العامة إلى مسرح الجريمة واصطحبت الأب لتصوير جريمة القتل كما حدثت.
قام الأب بتمثيل الجريمة كما اعترف بها أمام النيابة العامة، مجسدًا أنه أمسك بطفله الأول من ساقه ورقبته وألقاه فى مياه النيل من أعلى الكوبرى بعدما تأكد من خلو المكان من المارة والسيارات، ثم ألقى الطفل الثانى الذى كان مذعورًا وهو يقول: «هترمينى فى الميه زى ريان يا بابا!».
٧ سنوات زواجًا لم تصلح حال محمود نظمي
أصبح الأب بين ليلة وضحاها حديث الشارع المصري الذي رأى أنه نموذج سيئ لكل أب مستهتر لا يعي معنى الأبوة، وكيف يعيها وهو دائم الغياب عن الوعى وعن بيته وأولاده؟.
ومن يتأمل في ملامح محمود نظمي سيلاحظ على الفور تعبير اللا مبالاة على وجهه، وتلك الابتسامة البلهاء المصطنعة من أثر مخدرات السعادة.
و دققنا سنجد أن محمود نشأ بين أخين أكبر منه وثلاث بنات، وكان كما يقولون "دلوعة أمه"، فلم يهتم بتعليمه وسار على نهج الشباب البائس الذى يدمن المواد المخدرة ولا يمتهن عملًا.
ويبدو أن سنوات الزواج السبع لم تصلح من حال الأب، بل زاد الأمر سوءً عندما اصطنع لنفسه خلوة اسمها "الشاليه"، يستقبل فيها أصدقاء السوء والساقطات من أجل المتعة الحرام.
و يقول الطب النفسى إن حالة الأب النفسية وتعاطيه المواد المخدرة بكل أنواعها، كفيل بإصابته بحالة اضطراب الوجدان والعواطف وجعله يعانى من حالة عتمة المشاعر، وفيها ينفذ المريض جرائم النفس تحت حالة من غياب الوعى، التى لا تختلف بدورها عن حالة تناول المخدر.
ويُعد أن تنفيذ الجريمة وتناقض أقوال الأب وتأخره عن الإبلاغ دليل على حالة الفزع التى تحدث بعد الانتهاء من جرائم النفس، التى يسترجع فيها المريض حالة الوعى ورغم ذلك يصر على الإنكار ويرفض تصديق واقعة القتل، وهى حالة يتجرد فيها الفرد من سمة من أهم سمات الإنسانية، وهى غريزة الأبوة أو الأمومة من دون إدراك التصرفات والنتائج.
ويبدو أن الغريب في الأمر أن تجد من يتعاطف مع هذا الأب المجرد من الأبوة، ويقولون إن الدولة تصنع "حبيشة جديدًا" نسبة إلى مسلسل "ابن حلال" لمحمد رمضان الذى أذيع على شاشات الفضائيات في رمضان ٢٠١٢، ويمثل فيه رمضان دور الشاب الذي أنقذ فتاة من الموت ويحمل كل صفات الشهامة والجدعنة، ثم يتحول بفعل المسؤولين الكبار إلى مجرم وزعيم عصابة يسيطر على جزء مهم من القاهرة.
وكان بعد عرض المسلسل تعاطف الجمهور مع الشخصية في تلك الفترة، لأنه يمثل لهم البطل الذي يتصدى لظلم الدولة ورجالها.
ويبدو الأمر مجرد حادث بشع، ولكن هناك من يحاول أن يصنع منه شرارة لإثارة الفتن، فالإخوان وقطعانهم حاولوا أن يركبوا على الموقف ويوهموا البسطاء بأن الحادث ملفق، وأن الرجل ضحية لأشخاص كبار ذوي نفوذ.
وبدأ شغل الإخوان القذر فى نشر الشائعات، ففى خلال خمسة أيام، هى عمر اكتشاف حقيقة الجريمة، انتشرت أكثر من ثلاثين شائعة، منها أن محمود حاول الانتحار للهروب من الضغوط الشديدة الواقعة عليه والتهديدات التى يتلقاها، خوفًا وحرصًا منه على حياة أهله وإخوته والكثير من الشائعات.
وحشد الإخوان كل طاقتهم واستنفرت الشاشات الخاصة بهم لإظهار عشرات المحتجين على أنها صورة شرارة لغضب الناس من الداخلية، وانتشر فى ميت سلسيل سماسرة المظاهرات والحشد، وشاهدنا الباصات المحملة بالشباب والنساء المنتقبات من القرى والمدن المجاورة، وزاد المال القذر فى التوزيع على المهمشين والبسطاء، لكن الأمر انتهى بأنهم لم يستطيعوا الحشد واقتحام مركز الشرطة.
وتستمر المحاولات ، والجماعة المتطرفة تحاول أن تعيد الحياة إلى جسدها المتعفن، لذلك لا بد الآن أن نواجه أنفسنا بعدة حقائق ظهرت بعد تلك الحادثة، ولنكن صادقين فى استيعابها، منها أن تأثير الإعلام المرئى والمسموع على الريف ضعيف جدًا ولا توجد مصداقية له.
وتغيرت ديموغرافية الريف المصري , كثيرًا عن ذي قبل، وأصبح لزامًا علينا أن نحلل ونستوعب ذلك التغير السريع فى شخصية الفلاح المصري، ولا بد أن نهتم بدراسة حجم وتوزيع وتركيب السكان ومكونات التغير الأفقي والرأسي في هذه العناصر الثلاثة، مثل المواليد والوفيات والهجرة، ثم التغير الاجتماعى للفرد فى المجتمع بصوره المتعددة اجتماعيًا وثقافيًا واقتصاديًا.
وتغير الفلاح المصري الذي كنا نعرفه , كثيرًا، وبدلًا من أن كان منتجًا مصدرًا للمدينة أصبح مستهلكًا شرهًا، وفقدنا بسبب هذا التغير ٥٨٪ من إنتاج الألبان، لذا لا بد أن نقف وقفة فاحصة متأملة لحال الريف المصرى، الذي تخطت نسبة الجريمة فيه بالنسبة لعموم الجرائم في مصر ٧٢٪، طبقًا لإحصاء رسمي صادر عن وزارة الداخلية.
أرسل تعليقك