"الفرن البلدي" في سوهاج

يُعرف أن قرى محافظة سوهاج كانت تعتمد بشكل أساسي على "الفرن البلدي" في إعداد العيش الشمسي، والحلويات، وتحمير اللحوم، والفطير المشلتت والأبيض، في أيام الأسواق الأسبوعية والأعياد، وخبز "البتاو" في باقي أيام الأسبوع، إلا أنها مع الوقت وتطور الحياة بدأت تنقرض وحلت محلها أفران البوتاجاز.

وتقول ليلى دياب، (موظفة)، "إن الأفران البلدية كانت المصدر الوحيد لأهالي سوهاج من أغنياء وفقراء في جميع القرى لإعداد الخبز البلدي، وتجهيز صواني الأكل مثل البطاطس، والبامية، وتحمير اللحوم، وإعداد الحلوى والفطير، ولكن في الوقت الحالي أصبحت نادرة الوجود وحل محلها أفران البوتاجاز وكذلك "الكانون"، والذي كان يعتمد عليه في تجهيز وجبة الإفطار من أرز أو "مفتقة" –وينطقها البعض من أهالي سوهاج "المفلتة"- أو الدشيشة (القمح المكسر) أو المخروطة وجميعها أكلات تعد باللبن".

وتوضح ليلى أن الفرن البلدي كان يستخدم - أيضًا- في طهي اللحوم، والحمام، والدجاج، والبط ، والأوز، والرومي، والأرز، والمكرونة، كوجبة للغذاء أو العشاء، لكن حاليًا حل محلة البوتاجاز، مؤكدة أن هناك فرقا كبيرا في مذاق الطعام المعد في الفرن البلدي، و"الكانون" وبين الأكل المعد في الفرن البوتاجاز، فالأول مذاقه أفضل وأكثر استساغه.

اقرأ أيضًا:

حريق محدود بمصنع منظفات في المنطقة الصناعية في سوهاج

وأضافت نادية عبد العال، (ربة منزل)، أن الأفرن البلدية كانت يستعان بها في إعداد البسكويت، وكعك في عيد الفطر المبارك، وولائم اللحوم في عيد الأضحى المبارك بجانب إعداد العيش الشمسي وخلافه، وتجهيز مخبوزات العرائس، وطهور الأطفال الصغار، ولكن اختفت في السنوات الأخيرة، بعد ظهور أفران البوتاجاز، لافتة إلى أن أغلب السيدات يلجأن للشراء من المخابز الإفرنجية، ومحال الحلوى، لتوفير الجهد والوقت، والحصول على العيش الشمسي من السوبر ماركت بسعر جنيه ونصف للرغيف، أو خبز البطاقات التموينية.

وتابعت "نادية" حديثها قائلة، "هناك الكثير من العادات اختفت تمامًا مثل تبادل المأكولات بين الأهل والجيران، وأصبح لدى كل أسرة ما يكفيها فقط".

وتصف شربات كريم، (ربة منزل) لـ"بوابة الأهرام" حال العادات والتقاليد في سوهاج، قائلة، "من العادات التي أوشكت على الانقراض في الصعيد إعداد المخبوزات في الأفران البلدية، وأصبحت السيدات تفضلن إعدادها في أفران البوتاجاز، أو شرائها جاهزة، أما عادة زيارة البنات المتزوجات بالقرى في الأعياد ما زالت موجودة وأساسية حيث يقوم الأب والأم أو أحدهما أو الأخ بزيارة منزل الأبنة المتزوجة صباح يوم العيد لتقديم التهنئة بالعيد واللحوم، ومنح أولادها العيدية، بالإضافة إلى الذهاب لزيارة الأموات في المقابر، وتوزيع الحلوى والفاكهة على الأطفال، وإن كانت زيارة المقابر في الأعياد، قد قلت إلى حد ما عن أيام زمان، حيث تتم الزيارة في أي يوم وبخاصة يوم الجمعة للترحم على الأموات والدعاء لهم بالرحمة والمغفرة، وقراءة الفاتحة على أرواحهم".

أما نجوى حامد، (معلمة)، تؤكد أنها ما زالت تحرص على خبز العيش البلدي الشمسي، وإعداد بعض المخبوزات في الفرن البلدي، والذي يوجد أعلي سطح العمارة التي تسكنها، مشيرة إلى أن "البتاو" كان يخبز من الذرة الرفيعة والحلبة وتعتمد عليه الأسر في الأكل طوال الأسبوع ما عدا أيام الأسواق الخاصة بكل مجموعة من القرى، والتي كانت تشترى منها اللحوم بـ "الكوم"، أو بالرطل قبل ظهور الكيلوات، بالإضافة إلى الخضار والفاكهة، أما الآن فمن النادر جدًا أن تجد خبز البتاو في أي منزل.

ويوضح الدكتور عبد الناصر ياسين، عميد كلية الآثار بجامعة سوهاج، أن الفرن البلدي، والكانون، اللذان كان يتم إقامتهما بالطين، ويعدان جزءًا من التراث الذي يجب أن نحافظ عليه، وقد عرفهما الإنسان منذ فجر التاريخ ومنذ عرف النار، ولكن لا يستطيع أحد أن يقف أمام المدنية الحديثة، وتطور الحياة المستمر.

ولفت عميد كلية الآثار إلى أن جامعة سوهاج خصصت دورًا كاملاً بمبنى المطعم المركزي فى الجامعة القديمة بمدينة ناصر شرق النيل لمركز الحرف البيئية واليدوية الذي أنشئ حديثًا والتابع للكلية، ومن مهامه الحفاظ على الحرف التراثية بالمحافظة من الاندثار، وجارِ تجهيزه لبدء العمل به فى العام الدراسي المقبل.

قد يهمك أيضًا:

مقتل تلميذين انقلبت بهما سيارة ملاكي داخل ترعة في سوهاج

حريق هائل في 6 منازل و14 حوش ماشية في سوهاج