مجلس النواب المصري

على قدر المختلفين في الرأي ووجهات النظر، اختلفت معها طريقة التعبير عن رفض الآخر في مجلس النواب المصري، الذي أتم عامه الأول، فلم تتوقف "خناقات البرلمان المصري" عند التلاسن أو تبادل الشتائم، بينما وصل الأمر إلي التراشق بزجاجات المياه، والضرب بالـ"جزمة" في حرم البرلمان، هذه الاشتباكات لم تمر مرور الكرام، ولكن علي قدر الموقف تم تحديد العقوبة، ما بين الاستقالة، وإسقاط العضوية والحرمان من حضور دور انعقاد كامل، وكان الحرمان أقصي عقوبة حصل عليها النائب كمال أحمد، بعد ضرب توفيق عكاشة بالجزمة.

وكانت بداية الخناقات في البرلمان المصري، بين رئيس المجلس الدكتور علي عبد العال، والنائب المستقيل المستشار سري صيام، ولكن هذه كانت أشبه بـ"مبارزة قانونية" بين اثنين من رجال القانون في مصر، فكان الخلاف بالشكل القانوني، وفي تفسير نصوص بعض المواد، اضطرت الأخير "صيام" بتقديم استقالته، رفضًا لتجاهله من جانب علي عبد العال.

 وحاول "سري صيام" في أكثر من جلسة، استعراض قدراته القانونية والدستورية، ومحاولة إحراج رئيس المجلس، علي عبد العال، إلا أن الأخير لم يقبل ذلك، معتبرًا أن التعديل عليه "إهانة"، وفي أحد الجلسات العامة، رفع "عبد العال" رفع الجلسة، وعاد مجددًا ، ليقول "هناك من يدعون علمهم بالدستور، ويسعون لاستعراض خبراتهم القانونية، وأؤكد أنني أعلم ما يكون بالدستور الذي شاركت في إعداده"_في إشارة منه لسري صيام_.

ولم يتوقف علي عبد العال، عند ذلك، بينما قرر الثأر لنفسه فتم تجاهله في العديد من الأمور التي كانت تحتاج لخبرات قانونية، ولم يتم إليه إسناد أي مهمة سواء رئاسة لجنة إعداد اللائحة الداخلية، أو رئاسة أي لجان مناقشة القرارات بقوانين التي صدرت في غيبة البرلمان، ولم يجد النائب سري صيام، "النائب المعين من جانب رئيس الجمهورية"، أمامه سبيل للحفاظ علي هيبته إلا أن تقدم باستقالة غير مسببة لرئيس المجلس، ووجه اعتذارًا لرئيس الجمهورية عن الاستمرار في التعيين بالبرلمان.

أما النائب محمد أنور السادات، فهو واحد من أكثر النواب، تعرضوا للخلاف مع رئيس البرلمان، مما دفعه للاستقالة في بداية دور الانعقاد الأول من رئاسة لجنة حقوق الإنسان، بعد أن قدم "السادات" شكوى للدكتور علي عبد العال؛ بسبب تجاهل اللجنة في العديد من الملفات، وعدم إحالة أي قرارات أو قوانين إليها، وهو ما قابله "عبد العال" بالرد تحت قبة البرلمان، بأنه يرفض محاولات تهديد المجلس، متهما بعض النواب _في إشارة منه على السادت_ بتقديم شكوى ضد البرلمان المصري أمام إحدى المنظمات الدولية.

وفتح علي عبد العال النار على محمد أنور السادات، في إحدى جلسات مناقشة زيادة المعاشات العسكرية، بعد سؤال حول دستورية حصول العسكري بعد إنهاء خدمته على المعاش وراتب آخر في حالة التحاقه بوظيفة مدنية، وعلى الرغم من رد نائب وزير الدفاع اللواء ممدوح شاهين، وقتها بأن هناك حكمًا من المحكمة الدستورية، يقر بجواز الجمع بين راتب الوظيفية المدنية والمعاش العسكري، إلا أن الدكتور علي عبد العال، هاجم "السادات" بشكل لافت للنظر، وهو ما رفضه النائب، مؤكدًا أن لا أحد يزايد على موقفه وعائلته من علاقتهم بالقوات المسلحة.

وفي بداية دور الانعقاد الثاني، كانت هناك الخناقة الشهيرة بين النائب السادات، وعلي عبد العال، من ناحية وأعضاء المجلس من ناحية أخري، بعد اتهام النائب بتزوير توقيع النواب علي قانون الجمعيات الأهلية الذي تقدم، وكذلك توزيع مشروع قانون الحكومة في ذات الشأن علي السفارات الأجنبية.

وتم إحالة النائب إلي التحقيق أمام هيئة مكتب المجلس التي لم تقل حكمها حتى الآن، مما دفع النائب للمطالبة بإخطاره بنتائج التحقيق، وإحالته للتحقيق أمام النائب العام في حالة ثبوت التهم الموجهة إليه، وكعادته مرتضي منصور، لم يسلم من الخناقات وتبادل الشتائم، فلم يكتف النائب بخناقاته الكروية وعلى شاشات التلفزيون، بينما نقل هذه الحالة إلى مجلس النواب، وكانت بداية مشاكله مع النائب علاء عبد المنعم في لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، على خلفية حكم بطلان عضوية نجله أحمد مرتضي، كنائب عن دائرة الدقي والعجوزة بالجيزة.

وكانت الخناقة الأبرز لمرتضي منصور، مع النائب محمد عطا سليم، ووصلت إلي حد التراشق بـ"أكواب المياه" في استراحة البهو الفرعوني، بعدما قال الأخير في اجتماع اللجنة المشتركة لمناقشة قانون بناء الكنائس وقتها : "أنا إخوان ومرتضى منصور بيجيب لينا نسوان"، وبعد أن رفع بهاء أبو شقة، اجتماع اللجنة وقتها، قال مرتضي منصور، "وحياة أمك هعلمك الأدب، علشان أنت مش متربي".
لم يصمت عطا سليم، أمام كلمات مرتضي منصور، وقال "لا أنت ولا أهلك تعرفوا تعملوا حاجة"، وبدأ بعدها التراشق بزجاجات وأكواب المياه، إلا أن تم التدخل من النواب، ومنع اشتباكهم بالأيدي، وتم إحالة النائبين للتحقيق أمام هيئة مكتب المجلس، ولم يتم حتى الآن الإعلان عما تم الانتهاء إليه في هذا الشأن.

وفي الجلسة قبل الأخيرة من دور الانعقاد، وقعت مشادة بين مرتضى منصور والنائب أحمد طنطاوي، بعد هجوم "مرتضى منصور" على الإعلام، وحينما دافع النائب أحمد الطنطاوي، اعترض مرتضى، فرد النائب: "أنا أكبر من الرد عليك"، وكانت الخناقة الأشهر بين النائب كمال أحمد، وتوفيق عكاشة، علي خلفية قيام الأخير بزيارة السفير الإسرائيلي في القاهرة، فما كان من النائب كمال أحمد، إلا أن ضرب "عكاشة" بالجزمة وكانت هي "الجزمة التي هزت البرلمان"، وكانت حديث الساعة.

وواجه كمال أحمد، عقوبة الحرمان من المجلس لمدة دور انعقاد كامل، بينما واجه توفيق عكاشة، عقوبة إسقاط العضوية، والبعد تمامًا عن الأضواء، ولإنهاء هذه المشكلات طالب النائب محمد علي عبد الحميد، بإقرار مدونة السلوك البرلماني، لضبط أداء النواب تحت القبة، لا سيما بعد ما شهده دور الانعقاد من تجاوزات لا ترقى لمستوى مجلس النواب.

 وأكد "عبد الحميد" أن مدونة السلوك ستعمل على ضبط عمل المجلس، خاصة في ظل ما شهده البرلمان من خلافات وصلت إلى حد تبادل الشتائم بين عدد من النواب، قائلًا: "علينا أن نتعلم الممارسات البرلمانية العالمية"، ولم تكن هذه هي بداية الخناقات في البرلمان المصري، فشهد عهد فتحي سرور، عددًا من الخناقات، لعل أبرزها المشاجرة التي نشبت، بعد أن  سمح الدكتور فتحي سرور، "رئيس مجلس الشعب في حينها"، بمنح الكلمة للنائب حسن نشأت القصاص، والذي قال "أنا كنت فاكر إن المعارضة وطنية، لكن المعارضة دى بتعمل فقط لصالح أعداء مصر"، مما أغضب نواب المعارضة الموجودين في القاعة الرئيسية لمجلس الشعب.

وتعتبر مشادة وزير الداخلية الأسبق، زكي بدر، تحت قبة البرلمان، واحدة من أشهر تلك "الخناقات" تحت قبة البرلمان؛ ففي أثناء مناقشة استجواب حول التعذيب داخل السجون عام 1990، سبَّ عددًا من أعضاء البرلمان المعارضين، وتلا بعض المكالمات التي قامت الداخلية بتسجيلها، ومنها مكالمة لفؤاد سراج الدين، "رئيس حزب الوفد آنذاك"، ثم ضرب النائب طلعت رسلان على وجهه، حين حاول منعه من إكمال حديثه، ولم يفوّت الفرصة لتوجيه السباب لعدد من الأعضاء.