القاهرة - أحمدعبدالله:
عكست "الاستجوابات" التي مرت علي البرلمان المصري منذ تأسيسه "تاريخًا طويلًا" من العمل البرلماني، والمواجهات بين سلطتي الدولة "التنفيذية والتشريعية" في مختلف الفترات التاريخية المتعاقبة، بداية من العصر الملكي مرورا بالرؤساء ناصر والسادات ومبارك وحتي اليوم، والتي تطورت في أحيان حتي وصلت إلى "معارك" سياسية وحزبية وبرلمانية حفلت بها ذاكرة البرلمان.
شهد عصر الملك فؤاد الأول، وتحديدا في 29 أبريل/نيسان 1924 أول استجواب حقيقي في تاريخ مصر، تمكّن خلاله البرلمان من إجبار الحكومة على كشف وقائع وتفاصيل "إنفاق أموال طائلة في السودان"، حيث قدمه عضو المجلس حينها اللواء موسي فؤاد ضد وزير المال توفيق نسيم، ليضطر الأخير إلى توضيح موقفه قائلا : صرفنا أكثر من 5 ملايين لسد العجز في ميزانية حكومة السودان ذهبت للتنمية والإعمار هناك، وما أنفقناه يعد ديناً على حكومة السودان، ولم تتنازل عنه مصر.
أحد أشهر الاستجوابات الموجّهة من البرلمان للحكومة، في العام 1927 وجهت إلى وزير الداخلية "عدلي يكن"، وطلبت منه تفسيرا واضحا حول استحداثه منصب "نائب البطريرك في الكنيسة" واختياره هذا النائب، ليمثل يكن أمام البرلمان موضحا موقفه وشارحا : ساءت حالة الطائفة القبطية، بعد أن قام رجال الأكليروس وحاشية البطريرك، بتبديد أموال أوقاف الطائفة، وتصرفوا فيها وفقا لأهوائهم، لذا تم إقامة وظيفة نائب بطريركى خصوصاً بعد أن حالت شيخوخة غبطة البطريرك ومرضه الشديد، دون القيام بعمله.
وأحد أغرب الاستجوابات التي عبّرت عن عقليات النواب فى عهد الملك فاروق كانت فى 1937، بشأن حفلة تتويجه، ولم ينشغل النواب بمعرفة النفقات التى ستصرف على هذا الحفل، لكنهم أفردوا الاستجواب كاملا، لمعرفة سبب رفض الحكومة لإقامة حفل ديني، ولماذا لا يوجد تمثيل سوداني في الحفل؟ وهم أيضا من رعايا الملك؟.. ولماذا قرّر فاروق الصلاة في مسجد الرفاعي تحديدا.
وجاء جواب رئيس الوزراء أن الحفل الديني ليس من الدين في شيء، والاحتفال وطني لسائر المصريين مسلمين وغير مسلمين، أما اختياره لمسجد الرفاعي، فذلك لوجود رفات والده الملك فؤاد الأول هناك، وعن الشأن السوداني رد رئيس الحكومة مصطفى باشا النحاس، إن هناك بعثة سودانية خاصة ستشارك فى الاحتفال، لكن ليس بصفة رسمية.
فيما شهد عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، طرح مجلس الأمة أربعة استجوابات برلمانية فقط، الأول موجّه إلى وزير السياحة على الششيني حول أحد مصانع الألبان، والثاني موجّه إلى وزير التموين عن سياسة الوزارة في تصنيع علف الماشية، واستجوابًا حول الإهمال الذي لحق بمستشفى الصدر في الجيزة فى عام ١٩٥٧، واستجواب خاص بوزير الدولة للإصلاح الزراعي تم سحبه، وهو ما اعتبره بعض النواب غامضا، وقال الوزير أمام البرلمان : الاستجواب هو اتهام يوجّه إلى أحد الوزراء، وأعتقد أن العدالة تقتضى بتمكين الوزير من دفع هذا الاتهام، وبسحب العضو استجوابه، لا يعطى للحكومة فرصة الإيضاح، لأن فى رأينا لا وجود لهذا الاستجواب، لأن موضوعه اقتراح بقانون يملك المجلس وضعه، فلا يصح لعضو أن يستجوب وزير عن قانون يستطيع هو أن يضعه باقتراح يتقدم به للمجلس، وهو من صميم عمله التشريعى.
وفي عهد الرئيس الراحل أنور السادات، حدثت أبرز المواجهات بين البرلمان ورئيس الجمهورية عندما رفض 13 نائبا اتفاقية كامب ديفيد كان على رأسهم النائب بالبرلمان الحالي كمال أحمد، وأبو العز الحريري، والمستشار ممتاز نصار، ولم يحتمل السادات وجود 13 معارضا داخل مجلس الشعب لاتفاقات كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع إسرائيل وأمر بحلّ المجلس عام 1979.
أما فى عصر الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فمن أهم استجواباته، ذلك الذي تقدّم به النائب أحمد طه أحمد إلى الدكتور علي لطفي، رئيس مجلس الوزراء، حول أحداث الأمن المركزي، وانعكاسها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتمت إقالة اللواء أحمد رشدي وزير الداخلية، واتخذ العديد من القرارات لتحسين أحوال الجنود المادية والعملية، وكذلك تحديد نوعية الجنود الذين يلتحقون بالأمن المركزي مستقبلا.