دمشق - نور خوام
نشرت تقارير صحافية معلومات حول قوة الشر الجديدة التي ولدت في العالم وتتمثل في تنظيم "داعش" المتطرف الذي اتخذ من مدينة الرقة السورية عاصمة له، إلى جانب الموصل العراقية، وهي أكثر مدنه سكانا.
وكشفت أنّ التنظيم يمتلك أصولا تقدّر بنحو 2 تريليون دولار، مما يسمح له بأن كون القوة التدميرية الأولى في العالم الآن. ونشأ هذا الوحش كنسخة جديدة من تنظيم القاعدة في العراق، والذي قاوم الاحتلال الأميركي بعد عام 2003، ومن ثم استفاد من استبعاد الحكومة الشيعية للأقلية السنية الكبيرة في البلاد، وحاول إقامة دولة تحكمها الشريعة الإسلامية.
وجاءت الحرب السورية لتكون فرصته الكبيرة التالية، عندما تحولت الانتفاضة الشعبية في عام 2011 إلى تمرد يضم العديد من الجماعات المسلحة، في ذلك الوقت انشق "داعش" عن تنظيم القاعدة. وفي عام 2012 نظمت ثماني عمليات هروب جماعي من سجون العراق، مما زاد عدد مسلحيه إلى 10 آلاف مقاتل، مما ساعده على الفتوحات السريعة العام المنصرم، واستولى على المدن العراقية كالفلوجة والرمادي والموصل في تتابع سريع، كما استقطب آلاف المتطوعين الأجانب، فزاد عدده إلى 33 ألف مقاتل، وفقا لوكالة الاستخبارات المركزية.
وجرى الجمع بين المتعصبين الدينيين مع الآخرين الساخرين، من الموظفين السابقين في حزب صدام حسين البعثي، الذين اعتادوا شرب الخمور، والذين تعرفوا على بعضهم البعض في مراكز الاحتجاز الأميركية وأبقوا على اتصال بأرقام هواتف مكتوبة على ملابسهم الداخلية.
ويبلغ القائد العام، الخليفة إبراهيم، من العمر 40 عاما، وهو طالب اللاهوت السابق ويدعى عواد إبراهيم البدري، المعروف باسم أبو بكر البغدادي، وانضم العديد من القادة العسكريين السابقين في حزب البعث إلى جانب خبراء شرطة الأمن إلى صفوف "داعش"، وقتل معظمهم الآن من قبل الطائرات من دون طيار.
ووضعت الهياكل التنظيمية من قبل العقيد السابق في سلاح الجو السوري، حاجي بكر، والذي فاز بخلافة البدري في انتخابات 2010. وتعني خلفيته الاستخبارات أنه يعرف كيفية الحفاظ على الفتوحات التي قاموا بها بقبضة من حديد.
والقادة الحاليين هم أبو سليمان الناصر، وفي الميدان الشيشاني الجورجي أبو عمر الشيستاني وهو رقيب سابق في الجيش ومدرب جزئيا في جورجيا من قبل الأميركيين.
ولا عجب أن تلك الخبرات العسكرية تنعكس في ساحات المعارك في المنطقة، وكانت ضربتها الأولي في صيف العام 2014 حيث توجت عمليات التنظيم بالاستيلاء على الموصل، المدينة الثانية في العراق.
واعتمد "داعش" على استراتيجية تقسيم القوات في الهجمات المرتدة، حيث يتم إرسال كوادره إلى البلدات الذي يريد الاستيلاء عليها قبل وصول أي مقاتل، ويعمل المقاتلون على تحديد مواطن الضعف في الجيش السوري والذي لا يحظى بشعبية كبيرة، ثم باستخدام شبكة الطرق الحديثة في العراق، تنقل بسرعة أعداد المتطرفين في شاحنات "تويوتا"، وباستخدام الانتحاريين في السيارات والشاحنات يدمرون مراكز القيادة للسيطرة على العدو. ويواجهون مقاومة فقط عندما يغيرون على كردستان العراق المتمتعة بحكم شبه ذاتي.
و"داعش" لديه ثلاث فئات من المقاتلين هم المتطرفون من العراق أو سورية فضلا عن المهاجرين والمناصرين الذين يحصلون على رواتب للعمل كحراس، ولكنهم لا يطلعون على الهياكل التنظيمية.
ويكمن جنون مقاتلي "داعش" في أنهم لا يشعرون بالرحمة تجاه الأسرى الذين يقتلونهم ويذبحونهم بأبشع الطرق، إذ وصل بهم الجنون إلى ذبح ودفن مئات النساء في مقبرة جماعية في سنجار. يعود هذا الجنون إلى أنهم يقاتلون عادة تحت تأثير المواد المخدرة والمنشطات والتطرف والتعصب، كما أنهم يصنفون الناس وفقا للإيمان ويمنحون لأنفسهم حق قتل من ليس كذلك.
وفي الموصل ومناطق أخرى استولوا على معدات قدمتها الولايات المتحدة للجيش العراقي تقدر بـ2 تريليون دولار، تتضمن 26 دبابة وعربات "همفي" مدرعة، ومدافع ميدانية ورشاشات ثقيلة لإكمال بنادق AK47 الخاصة بهم.
وتوافد المتطوعون من الرجال والنساء إلى "داعش"، ليس فقط من أوروبا أو الولايات المتحدة، ولكن من الاتحاد السوفييتي السابق ومسلمي أقصى غرب الصين للانضمام إلى مناطق القتال العربية والتركية. بعضهم، مثل الشيشانيين أو الجورجيين الروس، ولديهم عقود من الخبرة القتالية.
ووظفت انتصارات "داعش" المذهلة جيدا، ففي أجزاء أخرى من العالم، تعهدت الجماعات المتطرفة المحلية بالولاء للتنظيم، كما انضم إليه المتطوعون من أفراد العصابات السابقين. ويعمل حاليًا على استقطاب المتطرفين من خلال شبكة الإنترنت، حيث يصدر 10 آلاف تدوينة في اليوم الواحد، ويتصل عن طريق قنوات مثل "واتساب".
ويتم نقل المجندين إليها عبر تركيا، حيث اشتر التنظيم طرقا للتهريب عبر عدد قليل من المدن الصناعية المتهاوية مثل غازي عنتاب وكيليس، إذ تغض الحكومة الإسلامية في أنقرة البصر عن تلك العمليات. وغالبية المجندين في الواقع من الشرق الأوسط، خصوصًا من تونس والمملكة العربية السعودية، ولكن هناك 5000 أوروبي بينهم نحو 700 مواطن بريطاني، وتصدرت بلجيكا عدد المهاجرين لـ"داعش".
وعندما أعلنت الخلافة في حزيران/ يونيو، رحب بها الكثير من العراقيين السنة والسوريين، كمخلص لهم من العلويين واضطهاد الشيعة في سورية والعراق، ووعدتهم الدولة بزيادة جودة الخدمات العامة وإزالة القمامة وإصلاح الطرق وإقامة دور المسنين.
وبعد شهرين في معسكرات تدريب "داعش"، يصبح لدى المتطرفين قوة غير عادية، إذ يتمكنون من إصدار الأحكام والاغتصاب والقتل، كما يحتاج التنظيم إلى الوظائف الأخرى كالأطباء والمهندسين والخبراء الفنيين ويدفعون لهم مقابلا مجزيا لضمان الخدمات الأساسية.
في واقع الأمر، الحياة ليست وردية في "داعش" كما يصورها للمخدوعين من الشباب المتطرف، فتكاليف المعيشة ارتفعت حتى وصلت أسعار الخبز خمسة أضعاف في السنة، كما انقطعت الكهرباء والمياه، لأن بغداد أبعدت الموصل خارج الشبكة الوطنية، فتعمل الطاقة فقط لمدة أربع ساعات في اليوم، والهواتف المحمولة ممنوعة خشية أن تستخدمها الطائرات دون طيار لاستهدافهم.
وتفرض الضرائب على المحلات التجارية، إلى جانب الغرامات لعرض البضائع على الأرصفة وعدم إزالة القمامة وغيرها، ويتم الإبلاغ عن تلك المخالفات عن طريق عملاء يدعون الأمنيات، هذا غير شرطة الحسبة التي تراقب المواطنين على غرار هيئة الأمر بالمعروف السعودية.
ويستند النظام على الشريعة المتزمتة، حيث تجد دوما قطع الأيدي والرؤوس المصحوبة بصيحات "الله أكبر"، كما يجلدون المدخنين كما تحظر الموسيقى.
والقضاة الذين يصدرون الأحكام هم في الواقع بلطجية ملتحون يرتدون الجلباب حتى الكاحل، أما منفذو الأحكام يرتدون الملابس السوداء. ويتم تخيير المسيحيين إما بالتحول إلى الإسلام، أو يوضعوا كمواطنين من الدرجة الثانية مع دفع ضريبة عقابية خاصة، أما الأزيديين فيقتلون في إبادة جماعية، ويتم تداول الشابات المأسورات في أسواق النخاسة العامة في الموصل والرقة من جانب مقاتلي "داعش"، إذ تباع بعضهن مقابل علبة سجائر، حيث يتعرضن للاغتصاب قبل وبعد البيع.
وتصدر الدولة المزعومة مجلة على الإنترنت تسمى "دابق"، على اسم قرية صغيرة قرب مدينة حلب في شمال سورية، وتأخذنا إلى قلب الظلام المروع لـ"داعش"، وتهدد فيها الدول الغربية بالموت والزوال. ولكن عدوهم الحقيقي هي إيران، إذ ينظرون إلى القوة الشيعية في العالم على أنها جسد الشر.
ولا يعتمد "داعش" على المانحين الأغنياء من الخليج، على عكس تنظيم القاعدة، لكن على ثلاث طرق رئيسية، أولها الابتزاز اليومي الذي تمارسه على الشركات والأفراد من ضرائب وغرامات وجزية وغيرها. ثم هناك مكاسب نقدية ضخمة وجدوها في بنوك الموصل "تصل إلى 400 مليون دولار".
والأهم هو وجود كميات هائلة من وقود "الديزل" المكرر في الآبار السورية الشرقية، وتباع في الغالب إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في سورية والعراق وتركيا، وبذلك يرتفع الدخل الشهري إلى حوالي 40 مليون دولار.
وعلى الرغم من كل ما سبق، إلا أن "داعش" يسهل هزيمتها. فمع استهداف القوى الغربية للرقة، انتقل قادتها إلى الموصل، وهي مدينة من مليوني شخص، في حين أن مقاتليها ينغمسون في الدفاع عن أنفسهم في الرقة بسحب من الدخان الأسود والخنادق التي غمروها بالمياه.
وحتى الآن يمكن إيقاف "داعش"، فهي كأسماك القرش إما تسبح أو تموت، لذا هي في حاجة إلى مقاتلين جدد، وعليه فهناك طريقة واحدة لمنع توسع التنظيم، وهو قتل القيادات التي تؤثر في تخطيط استراتيجيته، وهو ما يسيء إلى سمعة البغدادي نفسه، كما ينبغي على تركيا أن توقف حركة التنقل إلى داخل الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم.
كما أن عائدات النفط هي القوة الرئيسية لـ"داعش"، ولكنها أيضا نقطة ضعف، فكما رأينا الأسبوع المنصرم عندما أعطت الطائرات الأميركية المئات من سائقي صهاريج مهلة ساعة ليختفوا قبل أن تدمر 160 ناقلة في ضربة واحدة. كل شاحنة قد تقل ما قيمته 10 آلاف دولار من الوقود. وقد بدأت القوات المتحالفة ضد "داعش"، بما في ذلك روسيا، الهجوم على آبار النفط في الأيام الأخيرة.
وتحتاج تلك القوات المتحالفة والمؤلفة من قوات البشمركة الكردية، والمجموعات الشيعية المدعومة من إيران، إلى الأسلحة والذخائر، وتقديم المشورة التكتيكية من القوات الخاصة، لأنهم يحتاجون التشجيع على العمل معا وتجنب أخذ الثأر من المتعاونين السنة.
كما أنّ "إسرائيل" وتركيا والمملكة العربية السعودية في حاجة إلى التركيز على "داعش"، وليس "حماس" أو الأكراد أو الشيعة في اليمن، حتى يمكن تجنب إهدار الطاقات في معارك لا طائل منها.
ومن الضروري يجب تجفيف منابع التطرف في أوروبا، إذ تدفع الشباب الذي يعيش حياة صاخبة إلى الانضمام إلى التنظيم المتشدد دون تفكير.