مقابر

"مساء الخير يا فندم.. لدينا مقابر دورين أرضي وعلوي، تشطيب سيراميك، مقسمة إلى جزأين، إحداهما للرجال والآخر للنساء بسعر 150 ألف جنيه"، تفاجأت نرمين عادل، 31 عامًا، بهذا العرض على هاتفها الشخصي، فقد اعتادت على عروض العقارات وليست المقابر.قبيل الجائحة كانت "نرمين" تتلقى اتصالات هاتفية من شركات عقارات، تقدم عروضًا مغرية، لكن الأمر أصبح مختلفًا في زمن الكورونا، الذي عمدت فيه شركات إلى تقديم عروض لمقابر في وقت يعاني فيه ذوو موتى كورونا من دفن الجثامين.

اشعل انتشار الفيروس بيزنس المقابر، فارتفعت أسعارها للضعف، وانتعش السوق بسبب إقبال كثير من المواطنين على شراء وحجز مقابر تحسبًا لأي ظروف طارئة، لاسيما أن دفن موتى كورونا في الوقت الحالي أضحى ليس بالأمر السهل وباتت شركات العقارات تبيع المقابر أكثر من العمارات.

نرمين: اشتريت مدفنًا فى مصر الجديدةلم تستطع "نرمين" منع نفسها عن الاستفسار بشأن عروض المقابر في شركة عقارات، لاسيما أن لها أحد أقاربها توفى جراء الفيروس وعانت عائلته من عدم وجود مقابر تسمح بدفن ميت كورونا خوفًا من العدوى نتيجة معتقدات صحية غير سليمة.

تقول: "أغراني العرض لاسيما أن مسئول التسويق بالشركة ربط الأمر بفيروس كورونا، وأن الوفيات في زيادة دائمة، والجميع سيحتاج يومًا ما مقابر لدفن موتاهم، لذلك بدأت استفيض معه في العرض، لاسيما أن المقابر لديهم تشطيب سيراميك وليس بالطوب".نرمين قررت شراء مدفن في مصر الجديدة بمبلغ 160 ألف جنيه، فهى تقطن في منطقة التجمع الخامس: "موتى كورونا يتم دفنهم قريبًا من مكان الوفاة ولا يمكن نقله من محافظة إلى أخرى تجنبًا للعدوى".

وتختتم: "اشتريت مدفنًا، وأنا أعرف أن سعره ربما كان أقل قبل جائحة كورونا، لكن تضاعف بسبب تسويق شركات العقارات للمقابر التي عليها إقبال فى الفترة الحالية".

تربى: أسعار المقابر زادت ثلاثة أضعاف
"الأسعار زادت الضعفين وفي بعض الأماكن ثلاثة أضعاف"، يقول عم حامد شاكر، 50 عامًا، تربي في مدافن السيدة نفيسة، موضحًا أن سبب الارتفاع هو الخوف الشديد من الوفاة جراء فيروس كورونا إلى جانب استغلال شركات العقارات للأزمة الحالية.وعن الأسعار يقول: "المدافن كانت أسعارها تتراوح من 40 إلى 50 ألفًا وأقصى مدفن كان 60 ألفًا، لكن الآن وصل إلى 90 ألفًا في منطقة السيدة زينب، وفي المناطق الآخر الراقية مثل التجمع أو مصر الجديدة يصل السعر إلى 200 ألف جنيه".

يضيف: "أن تحديد السعر يختلف على حسب إمكانيات المدفن، فإذا كان دورين فيكون السعر زائدًا، كذلك حسب التشطيت لأن السيراميك يختلف عن الطوب العادي، كذلك وجود أكثر من لحد وانفصال مدفن الرجال عن مدفن النساء، وكل تلك العوامل تؤثر بشدة في أسعار المدافن".يؤكد أن هناك مدافن بالفعل ترفض استقبال موتى كورونا، لاسيما المدافن المشترك فيها أكثر من عائلة، أو مدافن الحكومة، بسبب خوف أصحابها من انتقال العدوى لهم أثناء الزيارة، لذلك يشترون مدافن خاصة.

علي حسن، 31 عامًا، سمسار في منطقة السيدة زينب، أكد أن غلاء أسعار المدافن في الوقت الحالي، السبب فيه شركات العقارات، التي تستغل الأزمة وتقوم بتسويق المقابر.يوضح: "الشركات عمدت على زيادة أسعار المدافن، وأصبح الأغلب يبدأ من 100 ألف جنيه، لأنه مدفن خاص وقبيل جائحة فيروس كورونا لم تكن أسعار المدافن بتلك الأسعار لاسيما الموجودة في المناطق العادية وليست الراقية".

يختتم: "كما أن الشراء بالفعل زاد عليه الإقبال بسبب جائحة فيروس كورونا، والخوف الشديد من الموت لد الناس وهو إحساس وهمي، لأن مصر لم تصل إلى حالة إفاضة الجثث عن المقابر، لكن الخوف ومشاهد رفض بعض المدافن دفن موتى كورونا أصاب البعض بالخوف".تعرض منصور عبدالكريم، 29 عامًا، من سكان مدينة 15 مايو، لرفض دفن والده في مدافن مجاورة 27 بذات المدينة وهي مدافن حكومية، لأن التربي يرفض جراء فيروس كورونا.

ويقول: "أصيب والدي بالفيروس ولم يستمر سوى 6 أيام حتى توفى، وليست لدينا مقابر خاصة، لذلك نصحني الجيران بدفنه في المقابر الحكومية بمجاورة 27 بالمنطقة التي أقطن بها، تكريمًا له".يوضح أنه لم يقم بتغسيل والده ودخل به المقابر كما هو بملابسه ومغطى بكيس بلاستيكي محكم كما أمرت المستشفى، لكن بمجرد أن شاهده التربي طلب منه الخروج والبحث عن مدفن آخر، لأنه لا يقبل دفن موتى كورونا.

ويضيف: "التربي يعيش برفقة زوجته وابنائه في المقابر، ويخشون دفن موتى كورونا حتى لا يصابوا بالعدوى، كذلك قام بالاتصال ببعض ذوي المتوفين في المدفن إلا أنهم رفضوا دفن والده وسط أمواتهم، وطالبوا بدفنه في الصحراء".اضطر "منصور" إلى دفن والده في منطقة حلوان بسبب تعنت التربي في السماح له بدفنه بمدافن قريبة من منزله.

مدافن المجتمعات العمرانية
دخلت على خط الأزمة مقابر هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، التي أعلنت قبل شهرين، طرح حجز 600 مقبرة جاهزة بمدينة 6 أكتوبر بمساحة 40 م2، بنظام القرعة وبما يتفق مع أسعار السوق دون الإفصاح عن تلك الأسعار.وخصصت 510 مقابر لقاطني مدن (6 أكتوبر – حدائق أكتوبر – 6 أكتوبر الجديدة – الشيخ زايد) و90 لقاطني محافظة الجيزة (أحياء وضواحي)، بنظام حق الانتفاع، أي بسحب كراسة الشروط واختيار من تنطبق عليهم فقط.

‫وأعلنت الهيئة عن أنه سيتم التخصيص بالقرعة العلنية اليدوية لمن تنطبق عليهم الشروط، وسيتم الإعلان عن موعد ومكان إجراء القرعة العلنية في موعد لاحق، وكذا موعد تسليم المقابر للفائزين بالقرعة وإنها لا تتم بنظام الانتفاع أو التوريث.‬‬ووصلت أزمة ارتفاع أسعار المدافن في الوقت الحالي إلى البرلمان، فقدم خالد مشهور عضو اللجنة التشريعية، طلب إحاطة إلى رئيس الوزراء حول ارتفاع أسعار المقابر بأرقام غير مسبوقة، قائلًا: «سعر المقبرة يتراوح بين 400 ألف إلى مليون جنيه حسب المكان والتشطيب".وأضاف في طلب الإحاطة: "أسعار تفوق الوحدات السكنية في الأماكن المميزة؛ ليصبح المواطن البسيط خارج الحسابات، وهناك سماسرة يستولون على أراض في بعض المناطق، ويتم بناء مقابر عليها، وتحويلها إلى بيزنس، وبيعها إلى المواطنين بأسعار مرتفعة".

رامى: شعورنا بقرب الموت دفعنا لشراء المدافن
لم تكن نرمين بمفردها الوحيدة التي أغرتها عروض المدافن التي تسوق لها شركات العقارات، ولكن رامي علي، 70 عامًا، أحدى قاطني منطقة مصر الجديدة، يعيش برفقة زوجته منيرة، 65 عامًا، منذ فترة طويلة يفكر في شراء مدفن خاص.

يقول: "لدينا مدافن العائلة في محافظة قنا، لكنها بعيدة، وبسبب جائحة كورونا أصبح الموت يراود الجميع وأخشى الإصابة بالفيروس ولا أجد مدفنًا، ففكرت في شراء مدفن خاص كي لا يتحكم فينا أحد".حادث رفض دفن طبيبة في قرية "شبرا البهو" بمحافظة الدقهلية دفع "رامي" إلى البحث عن مدفن، بسبب الخوف من وفاته في تلك الظروف الصحية ويرفض أهل قريته دفنه في مدافن العائلة".يضيف: "الأسعار مرتفعة، لاسيما في مناطق الوايلي ومصر الجديدة، لذلك اتهجت إلى منطقة دار السلام واشتريت مدفنًا مكونًا من جزأين لا يكفي سوى جثمانين فقط لي ولزوجتي كان سعره 25 ألف جنيه قبل كورونا والآن تخطى الـ50 ألفًا".