القاهرة / ندى أبو شادي
يعتبر جبل المناجاة أو جبل موسى من الأسماء التي يشتهر بها الجبل الذي تجلى الله عليه للنبي موسى عليه السلام في جنوب سيناء، هذا الجبل الذي بات رمزًا يجمع أتباع الديانات السماوية الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية، أصبح قبلة لعشاق تسلق الجبال وعشاق مغامرات السفاري الجبلية.
تتطلب رحلة جبل موسى إعدادًا وتجهيزًا مسبق، لأنك يجب أن تكون مقيمًا في أحد الفنادق القريبة من منطقة سانت كاترين سواء في شرم الشيخ أو دهب أو طابا. ويجب أن تقوم بالحجز مع مرشد سياحي يعرف دهاليز الجبل جيدًا. تبدأ الرحلة في منتصف الليل باللقاء تحت سفح الجبل ليتم تقسيم راغبي التسلق إلى مجموعات تلتقي كل منها بالمرشد أو الدليل الخاص بها؛ فمن الممنوع صعود الجبال دون الدليل حتى ولو لمسافة قصيرة، وهو في الغالب من بدو سيناء، ويجيد عددًا من اللغات منها الروسية والإيطالية بجانب الإنجليزية.
يبدأ المرشد المغامرة بشرح لتاريخ المنطقة وخطوات الرحلة. يبدأ بعدها في اختيار اسم يطلقه على مجموعته لينادي به عليهم خلال رحلة الصعود والهبوط للتأكد من أن أحدًا لن يضل الطريق. ولا تخرج هذه الأسماء عن نطاق البيئة التي تخرج منها مثل «سمسم»، «سانتا»، «علي بابا»، «سلامة»، وغيرها من الأسماء التي تضفي على الرحلة أجواء المغامرة. قبل الصعود يتسلم كل فرد كشافًا كهربيًا ليساعده في الاهتداء إلى طريقه بين الصخور، ويبدأ الجميع في الانطلاق على وعد باللقاء على القمة في انتظار لحظة شروق الشمس وهي تغمر سلاسل الجبال بنورها.
ويبلغ ارتفاع جبل موسى 2285 مترًا، وبالقرب منه جبل سانت كاترين بلونه الأخضر، فهو أعلى قمة في مصر ويبلغ ارتفاعه 2641م فوق سطح البحر، وجبل الصفصافة وارتفاع قمته 2145م، وجبل الصناع وارتفاعه 1969م وجبل أحمر وارتفاعه 2037م، وجبل قصر عباس وارتفاع قمته 2341م، لذا فإن قمة جبل موسى تتيح لك أروع منظر طبيعي بين قمم الجبال التي تتلون بألوان مختلفة، حيث يرجع عمر تلك المنطقة لملايين السنين وما قبل التاريخ.
يستغرق تسلق الجبل نحو 6 ساعات، ويجب أن تستعد له جيدًا حيث يتطلب ملابس مريحة وثقيلة أيضًا حيث تنخفض درجات الحرارة إلى الصفر على القمة، كما تتساقط الثلوج أحيانًا، وبالطبع يجب أن يختار رفيقك المريح من الأحذية الرياضية. يتطلب الوصول إلى القمة، السير لمسافة تبلغ نحو 7 كيلومترات، بالإضافة إلى صعود ما يزيد على 750 درجة سلم صخري، والطريف أن الجميع يبدأ الطريق في منتهى النشاط والحيوية وبعد نصف ساعة فقط من السير على الأقدام تبدأ علامات الإرهاق واللهاث والرغبة في الاستسلام والعودة مرة أخرى إلى البداية. يمكنك ركوب أحد الجمال التي يرافقها البدو لمن تعرض للإجهاد مقابل مبلغ زهيد حيث يسير بك الجمل إلى نقطة السلالم الصخرية.
تتضمن رحلة صعود الجبل 5 استراحات، تستقبلك الاستراحة البدوية الأولى بعد ساعة تقريبًا من بداية صعود الجبل، حيث يقدم البدو من خلالها المشروبات الساخنة والباردة والمأكولات لمن هم في حاجة إليها، يمكنك تناول الشاي البدوي أو القهوة أو الكاكاو أو العصائر والمشروبات الغازية وقطع الحلوى والسناكس، وشراء بعض التماثيل والبيض الحجري الملون، ولمن يشعر بالبرد يمكنه استئجار «بطانية» لكي يتدثر بها، كما يمكنك خلالها التزود بالماء والاسترخاء للحظات، ثم تبدأ نداءات المرشد لمواصلة الرحلة الشاقة. وتكسر الدردشة والسمر مع الأشخاص المرافقين لك في الرحلة صعوبة الرحلة حيث تتعرف على أشخاص من مختلف دول العالم.
وقد يظن كثيرون أن صعود السلالم الصخرية أهون من السير لمسافة 7 كيلومترات، إلا أن صعوبة السلالم أنها عبارة عن كتل صخرية متعرجة وأيضًا مرتفعة يصل ارتفاعها إلى 75 سنتيمترًا في بعض الأحيان. لا بد من الحذر في الصعود لأنك ستفاجأ بأفواج من السائحين، خصوصًا من أفريقيا، يتسلقونها بسرعة قد تؤدي لسقوطك. وبعد نحو ساعتين من تسلق الصخور، سوف تجد نفسك على القمة الشاهقة بين السحب، وسوف تجد طريقًا شبه ممهد بين صخور وكنيسة صغيرة حيث يصلي قسيس بالمسيحيين ويقومون بتوزيع قطع من البسكويت على كل من يمر عليهم، وبجوارهم ترى اليهود يلتفون حول حاخام ينشدون تراتيلهم، وحولهم تجد المسلمين يصلون الفجر ويبتهلون إلى الله.
يتجمع السائحون ويفترشون قمة الجبل في انتظار شروق الشمس، هنا يمكنك التقاط مجموعة من الصور الفوتوغرافية الرائعة حيث ترى منظرًا بانوراميًا لجبال سيناء ووديانها، وهنا سوف يذهب كل التعب والإرهاق الذي شعرت به وتغمرك نشوة الإنجاز فأنت على القمة. وتعد لحظة الشروق من أروع ما يكون حيث ستشعر أنك في مواجهة الشمس تغمرك أشعتها الدافئة تستشعر معها عظمة الخالق وقدرته.
وبعد نحو ساعة من الاستمتاع بالشمس، يصحبك المرشد في رحلة النزول التي غالبًا ما تكون أسهل، ففي الصباح يمكنك مشاهدة منازل البدو في أحضان الجبال، وأشهرهم قبيلة الجبالية.
وقبيل مغادرة الجبل يصطحبك المرشد للتجول في أقدم دير في العالم هو دير «سانت كاترين» المشيد على طراز قلاع القرون الوسطى، يحيط بالدير سور عظيم، سمي الدير باسم «كاترين» التي هربت من الإسكندرية خوفًا من اضطهاد الإمبراطور الروماني لها لاعتناقها المسيحية، وعاشت تتعبد في هذه المنطقة التي سميت باسمها.
يحتوي الدير على مكتبة تضم آلاف المخطوطات الأثرية باللغات اليونانية والسريانية والعربية، وتعتبر مكتبة الدير هي الثانية من ناحية الأهمية في العالم بعد مكتبة الفاتيكان، من حيث العدد وقيمة المخطوطات النادرة وهي نحو 3500 بمختلف اللغات.
ويحتفظ الدير بنسخة من وثيقة «العهدة المحمدية» التي تعهد فيها الرسول (صلى الله عليه وسلم) بخط يده الشريفة، بحماية ساكني الدير في كل زمان عندما لجأ إليه المطارنة والرهبان طلبًا للحماية فما كان من النبي الأكرم إلا أن تعهد بذلك ملزمًا المسلمين بحمايته إلى يوم الدين.
ويعتبر هذا الدير الوحيد في العالم الذي يحتضن بين أرجائه مسجد، وهو مسجد «الحاكم بأمر الله»، الذي بُنِي بالحجر الجرانيت في العصر الفاطمي في القرن الحادي عشر الميلادي، وتوجد أسفل الجامع المعصرة التي وهي معصرة لعصر الزيتون. وهنا تنتهي الرحلة ويصطحبك المرشد بعدها لتناول الإفطار والاسترخاء قليلاً وشراء المنتجات البدوية، قبل أن يقلك إلى الفندق الذي تقيم به. هذه الرحلة الجميلة من الرحلات التي لا تنسى، لكنها لا تصلح لاصطحاب الأطفال أو كبار السن لما تتطلبه من مجهود بدني لكنك ستكررها كلما استطعت