القاهرة - مصر اليوم
تفيد دراسة حديثة بأن أكثر من 50 في المئة من سكان العالم قد يحتوي برازهم على جسيمات بلاستيكية دقيقة!
»كوكب البلاستيك». المصطلح لم يعد مجرّد عنوان عريض لافت مُقتبس عن إصدار «ناشونال جيوغرافيك» الشهير، الذي خصّصته المجلة في حزيران (يونيو) الماضي لبحث تداعيات التلوّث البلاستيكي في المحيطات. فالتسمية قد تصبح قائمة لكوكب الأرض عمّا قريب، مع تكشّف حقائق جديدة لطالما تخوّف العلماء من إثبات صحتها.
البلاستيك وصل إلى موائدنا، أي إلى جهازنا الهضمي وتالياً نحو برازنا. ما يمكن استخلاصه من هذه الدراسة هو أن إنكار هذه الحقيقة لم يعد ممكناً.
نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، توصلت دراسة نُشرت حينها إلى أن جزيئات البلاستيك بإمكانها الإفلات أو الانتقال من المياه الملوّثة عن طريق الحشرات الطائرة، في عملية تبيّن أنها تلوّث بيئات جديدة وتهدد الطيور ومخلوقاتٍ أخرى تأكل الحشرات.
أمس، اتّضح لأول مرة في دراسة جديدة أجرتها هيئة البيئة النمساوية (EEA)، أن براز الإنسان يحتوي كذلك على جسيمات بلاستيكية دقيقة. وهو اكتشاف يشير إلى أن الجسيمات قد تكون منتشرة في السلسلة الغذائية البشرية.
وفق تقرير صحيفة «ذي غارديان» البريطانية، تستند الدراسة الصغيرة في بنيانها إلى عيّنة مؤلفة من ثمانية أشخاص ينحدرون من أوروبا واليابان وروسيا. وقد تبيّن لدى تحليل برازهم أن جميع العينات التي أُخضعت لفحوصات تحتوي على جزيئات بلاستيكية دقيقة. وبشكلٍ أدقّ، تم العثور على تسعة أنواع مختلفة من البلاستيك من بين 10 أنواع تم اختبارها، في جسيمات تتراوح أحجامها بين 50 و500 ميكرومتر (Micrometer)، أبرزها مادتا «بولي بروبلين» (Poly Propylene) و«بولي ايثيلين تيريفثاليت» (Polyethylene terephthalate)، الأكثر انتشاراً في البراز على ما بيّنت النتائج. وفي تقدير أكثر تفصيلاً، تم العثور على 20 جزيئاً من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في كل 10 غرامات من الإفرازات الخاضعة للفحوصات.
تُعرَّف الجسيمات الدقيقة على أنها جسيمات أقل من 5 ميليمترات، بعضها مُخَصَّص للاستخدام في منتجات مثل مستحضرات التجميل، وبعضها الآخر يظهر نتيجة تحطيم قطع كبيرة من البلاستيك، غالباً ما يتمّ في عرض البحر.
استناداً إلى هذه الدراسة، قدّر الباحثون أن «أكثر من 50 في المئة من سكان العالم قد تكون لديهم مادة بلاستيكية صغيرة في برازهم»، مشدّدين في الوقت نفسه على ضرورة إجراء دراسات على نطاقٍ أوسع لتأكيد هذه النتيجة. وفي تقريرها، أفادت هيئة البيئة النمساوية بأن الاختبارات أجريت باستخدام إجراء جديد، قال الباحثون إنه سلّط الضوء على حجم امتداد تلك اللدائن الدقيقة (قطع صغيرة يترواح قطرها بين خمسة ميليمترات ومئة نانومتر) في السلسلة الغذائية. وقد تمّ إرسال عينات من براز المشاركين الثمانية إلى مختبر في فيينا، حيث تمّ تحليلها باستخدام «مطياف الأشعة تحت الحمراء المزوّد بمحول فورييه» (FT-IR).
البلاستيك في كل مكان
في تصريحٍ للصحيفة البريطانية، قال الباحث في جامعة فيينا الطبية، فيليب شفابل، الذي قاد البحث، إن الدراسة «هي الأولى من نوعها، وتؤكد ما كنا نشتبه به منذ فترة طويلة، أن البلاستيك يصل في نهاية المطاف إلى أمعاء الإنسان». وما يثير القلق بشكلٍ خاص، وفق شفابل، «ما يعنيه هذا بالنسبة لنا، وبالأخص المرضى الذين يعانون من أمراض الجهاز الهضمي».
علماً بأن دراسات سابقة أجريت على السمك وجدت، أيضاً، جسيمات متناهية الصغر في قنواتها الهضمية. حتى أنه تم العثور على جزيئات بلاستيكية في مياه الصنبور (أغلبها صالح للشرب) حول العالم، في المحيطات وفي الحشرات الطائرة، في حين وجد تحقيق استقصائي أجري أخيراً في إيطاليا، أن اللدائن الدقيقة موجودة في المشروبات الغازية.
كذلك، يشير شفابل، الذي يقدم اليوم تقريراً حول الدراسة في مؤتمر الأسبوع الأوروبي لأمراض الكبد والجهاز الهضمي (UEG-Week) في فيينا، إلى أن الجسيمات المتناهية الصغر قادرة على دخول مجرى الدم والجهاز اللمفاوي، وربما تصل إلى الكبد. ويستدرك: «بعدما أصبح لدينا أول دليل على وجود مادة بلاستيكية صغيرة داخل البشر، نحتاج إلى المزيد من البحث لفهم ما يعنيه هذا بالنسبة إلى صحة الإنسان».
هل فات الأوان؟
يقول الباحثون إن جسيمات البلاستيك في القنوات الهضمية يمكن أن تؤثر على الاستجابة المناعية للجهاز الهضمي. وثمة احتمال أن تساعد أيضاً في انتقال المواد الكيميائية السامة والباكتيريا إلى جهازنا الهضمي. من جانبٍ آخر، يقول الباحثون إن مصادر البلاستيك التي عُثر عليها في عينات البراز بقيَت مجهولة. لكن المؤكد هو أن الأشخاص الذين تم إخضاعهم للدراسة اتبعوا نظاماً غذائياً يومياً، أظهر أنهم جميعاً تعرّضوا لمادة البلاستيك عن طريق استهلاك الطعام الملفوف بالبلاستيك أو الشرب من زجاجات بلاستيكية. علماً بأن أياً من المشاركين في الدراسة لم يكن نباتياً، كما أن ستة من المشاركين الثمانية تناولوا أسماك البحر.
فور صدور نتائج الدراسة المذكورة، أعلنت الحكومة البريطانية الإثنين إجراء مشاورات حول اقتراحات حظر القش البلاستيكي (أو ما يعرف بالماصة البلاستيكية) وأعواد الأذن، والتي يمكن أن تتحول إلى جسيمات بلاستيكية صغيرة أثناء تكسّرها. ومن المتوقع أن يبدأ سريان الحظر بحلول تشرين الأول (أكتوبر) 2020. غير أن النقاد يقولون إن هذه الإجراءات متأخرة وغير كافية للتعامل مع مشكلة وصلت إلى مستوى غير مسبوق.