نايبيداو ـ سليم الحلو
أصبحت رئيسة وزراء ميانمار أون سان سو تشي، (الحائزة على جائزة نوبل للسلام)، منبوذة عالمياً، لأنها تقود نظاماً ينتهك حقوق الإنسان ويقوم بالإبادة الجماعية، للصحفيين المسجونين والنقّاد المعارضين لها، ويهجر مسلمي "الروهينغا" من ديارهم، في ظل نظام قمعي، وذلك بعد ثلاث سنوات من الترحيبب بانتخابها لمنصب مستشار الدولة (رئيسة للوزراء) في عام 2015، باعتبار أن تلك اللحظة كانت لحظة تغيير حقيقية في البلاد.
في الأسبوع الماضي، أعلنت "منظمة العفو الدولية"، أنها سحبت أرفع مرتبة شرف، وهي جائزة "سفير الضمير"، من أونغ سان سو تشي، في ضوء خيانة مخزية اقترفتها زعيمة ميانمار للقيم التي كانت تناضل من أجلها يوماً ما، مستشهدة "بخيبة أملها العميقة" فيها.
وبعد بضعة أيام ، رفض 700 ألف لاجئ مسلم روهينغيا الذين فروا من ميانمار بعد حملة التطهير العرقي التي قادها الجيش في آب / أغسطس العام الماضي بالمشاركة في خطة لإعادة توطينهم في مخيم ، بسبب إخفاق ميانمار في ضمان حصولهم على الحرية والحقوق والأمان. ويعتقد الكثيرون أن حكومة ميانمار ، التي تقودها آونغ سان سو، ليس لديها نية لاعادة الروهينغا الى موطنهم على الإطلاق.
ومع ذلك ، كانت هناك دائما مسافة بين الأسطورة التي صورت في وسائل الإعلام لأونغ سان سو وبين الحياة الواقعية . عندما انتخبت في عام 2015، عرفها معظم أنحاء العالم بأنها "السيدة"، وهي شخصية مقدسة يعشقها الغرب بشكل فريد ومجموعات عرقية عديدة في "بورما"، فهي كما صورت في وسائل الإعلام "البطلة الداعية للسلم والديمقراطية التي ضحت بحياتها وعائلتها من أجل بلدها، فهي امرأة كانت تقف على طاولة متهالكة خارج منزل عائلتها في "يانغون"، إلى حد أنها صارت تلقي خطابات عن المساواة في مجتمعها".
ولكن في الحقيقة كانت أيضاً أونغ سان سو ، الشخصية ذات الأسلوب القيادي ، خلف الأبواب المغلقة ، والذي كان دائماً منبعا للاستبداد ، حيث أنها كانت ترفض منذ البداية تفويض حتى أصغر المهام إلى مستشاريها. وكانت مهووسة بالتحكم في كل اجتماع وكل رسالة ، لم يكن ذلك بسبب أيديولوجية القيادة، ولكن التصميم الأسري لمواصلة إرث والدها، الجنرال أونغ سان ، المعروف بـ"أبي ميانمار" المعاصرة.
لم يحاول أحد أن يقاوم النسخة المثالية لأونغ سان سو، أكثر من أونغ سان سو نفسها ، وهي تدرك هشاشة الركيزة التي وضعها الغرب لها على وجه الخصوص. وقالت في مقابلة بعام 2015 : "أنا مجرد إمرأة سياسية. أنا لست تماما مثل مارغريت تاتشر (رئيسة وزراء بريطانيا السابقة) ، ولكن من ناحية أخرى ، أنا لست الأم تيريزا ايضا. لم أقل أبدا أنني كنت أو سأكون كذلك"، رافضة بذلك الصورة المثالية التي وضعها الغرب عنها.
ومع ذلك ، فإن تحولها من ناشطة في حقوق الإنسان المشهورة، إلى شخص يدان على نطاق واسع بسبب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، مما صدم مؤيديها في شتى البقاع.
وقال بيتر بوبام الذي كتب سيرة ذاتية لأونغ سان سو: "لا أعتقد أنها معادية للأجانب ولكن ربما بسبب التيار الغالب للرأي داخل بورما ، التي هي معادية للإسلام ، فقد اقتربت من ذلك.. الحقيقة أنه خلال انتخابات 2015 ، رفضت الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية [NLD] جميع أنواع المرشحين المسلمين ، بالفعل كانت علامة مقلقة جداً عن ضعفها بشأن هذه القضية".
وُلدت أونغ سان سو في ميانمار ، التي كانت تحت الحكم البريطاني في عام 1945 ، وكانت ابنة الجنرال الأكثر شهرة في البلاد سان سو، والذي ضمن استقلال بلاده عن الإمبراطورية البريطانية في عام 1947 ، ولكن تم اغتياله في نفس العام.
ودرست سو في "جامعة أكسفورد" ، ثم عملت في الأمم المتحدة لمدة ثلاث سنوات ، قبل الزواج من مايكل آريس في عام 1972 واستقرت في المملكة المتحدة، ومع ذلك ، في بورما ، استمر النظام العسكري القمعي ، بعد الانقلاب في عام 1962 ، وأغلقت البلاد أبوابها على نفسها أمام العالم.
وعندما انتقلت أونغ سان سو كي إلى ميانمار في عام 1988 من أكسفورد ، تاركة وراءها زوجها وطفليها ، لم تكن لديها أية نية أخرى غير رعاية أمها المريضة. ومع ذلك ، وكما تروي القصة ، أثناء وجودها هناك ، في المظاهرات المناهضة للتيار العسكري ، والمؤيدة للديمقراطية ، وجدت نفسها تقود الحركة ، بدعم من آلاف المؤيدين.
و في عام 1988 شاركت في تأسيس "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" ، وفي عام 1989 ، وضعت تحت الإقامة الجبرية من قبل النظام العسكري ، حيث بقيت كذلك حتى عام 2010.
ولكن منذ البداية كانت مهارات القيادة الضعيفة لأونغ سان سو واضحة. وقال مارك فارمانر ، رئيس حملة بورما في المملكة المتحدة ، التي ساعدت في تدريب شخصيات الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية في ميانمار: "عندما كانت تحت الإقامة الجبرية ،لم تكن تتمتع بشخصية قوية حينذاك".
وأضاف: "على الرغم من ذلك كان الجميع خائفين من القيام بأي شيء أو اتخاذ أي مبادرة ، ولم نكن نفوض أي مناطق أو قضايا لأي شخص غير سو على الإطلاق ، ولم يكن هناك أي توضيح لأي سياسات. حتى في ذلك الوقت كنا نشعر بالقلق من عدم وجود أي نوع من الإيديولوجية وكان كل شيء يركز على سو ".
بمجرد أن تم إطلاق سراحها من الإقامة الجبرية ، ساءت الأمور أكثر. وبتشجيع من السفارة البريطانية ، أنشأت مكتبها الخاص في منزلها المنفصل عن مكتب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، وبدأت في الابتعاد عن العديد من الشخصيات الرئيسية في الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية التي كانت مؤيدة لها. حتى المستثمر جورج سوروس ، الذي كان ممولاً كبيراً للرابطة و كافح من أجل الالتقاء بها.
وقال يان ميو ثين ، المحلل السياسي في ميانمار: "في ذلك الوقت ، اعتقدنا جميعًا أنها كانت زعيمة يمكنها إحداث تغييرات رائعة في دمقرطة ميانمار". "لكنها بدأت تتجاهل وتهمش رفاقها وزملاءها السابقين ، بمن فيهم قادة الأقليات العرقية. إنها متحدثة جيدة ولكن ليست مستمعة جيدة". وأصبح عجز أونغ سان سو عن التفويض مصدر قلق كبير للسفارة البريطانية في ميانمار ، التي اعتبرت أنها أفضل أمل لبلدها هو الديمقراطية ، خاصة بعد انتخابها عضوا في البرلمان في عام 2012.
في رحلة إلى المملكة المتحدة في عام 2012 ، في محاولة لإثبات أهمية وجود فريق واسع من المستشارين ، عندما قامت أونغ سان سو بزيارة وزير الخارجية آنذاك ويليام هيغ ، كانت تتجول عمداً عبر مكاتب مليئة بجميع موظفيها حتى تتمكن من أن تظهر أنه لم يعمل بمفرده، وبالمثل ، عندما التقت بزعيم "حزب العمل" إد ميليباند ، اتخذت القرار بتقديمها ليس فقط له بل إلى الحكومة كاملة ومستشاريها. واقترح ميليباند أن تصبح "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" في ميانمار طرفًا شقيقًا لحزب العمال ، على الرغم من أن الاتفاقية لم يتم إضفاء الطابع الرسمي عليها. وأدى فوز الرابطة في انتخابات عام 2015 إلى حصول الحزب على أغلبية برلمانية وتم تعيين أونغ سان سو مستشارًا حكوميًا ، أي رئيسة للوزراء.
وقال بينيديكت روغرز ، رئيس فريق شرق آسيا في منظمة "سي اس دبليو" لحقوق الإنسان ، الذي التقى بأونغ سان سو مرات عديدة أن التوقعات العالمية التي قُدمت عن سو كانت عالية بشكل غير واقعي، ورغم كل الحديث عن التقدم ، كانت لا تزال مقيدة بدستور عام 2008 ، الذي يضمن السلطة العسكرية التي لا يمكن المساس بها ويضمن لها 25٪ من المقاعد البرلمانية فالأغلبية البرلمانية للرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية تمنح الحزب السلطة التشريعية ولكن لم تتجسد أي سياسة لدفع تقدم الديمقراطية في غضون ثلاث سنوات.
وتواصل أونغ سان سو رفض قبول التفويض ، حيث لا تحتفظ فقط بلقب مستشار الدولة ولكن أيضًا وزيرة التعليم ووزيرة مكتب الرئيس. ومعظم القرارات - كبيرة أو صغيرة - يجب أن تمر عليها أولا، مما يجعل حكومة ميانمار عملية غير فعالة إلى حد كبير
قال روغرز : "كنا نعلم أن انتخابات عام 2015 لم تكن انتقالاً إلى الديمقراطية ، بل كنا نعلم أن نية الجيش لم تكن حقيقية ، لكننا اعتقدنا أن أونغ سان سو على الأقل ستتحرك بأغلبية برلمانية في قضايا مثل إطلاق سراح السجناء السياسيين ، وإلغاء القوانين القمعية ، وإنشاء صحافة حرة ، ومحاولة تحسين الاقتصاد ، والقضايا البيئية لكنها لم تفعل أيًا من هذه الأشياء. حتى التوقعات المحدودة التي لدينا لم تتحقق. "
لكن اسم أونغ سان سو شوه بشكل لا رجعة فيه بسبب رفضها التحدث علناً ضد العنف الوحشي ضد الأقلية المسلمة من الروهنغيا وسجن الصحفين بعد تعرضهم للأعمال الوحشية .
في حين أنها لم تكن مسؤولة عن الحملة العسكرية التي وقعت في ولاية راخين ضد الروهنغيا في أغسطس 2017 ، فإنها لم تقل شيئًا لتدينها منذ حدوثها. وقد روجت أونغ سان سو لتأكيدات بأن تصرفات الجيش كانت استجابة مناسبة لانتفاضة ميليشيا الروهنغيا ، حتى وصف الجنرالات المتهمين بالإبادة الجماعية بأنها "حلوة للغاية".
لطالما كان مسلمو الروهنغيا من أكثر الأقليات اضطهاداً في ميانمار ، لكنهم طالما وضعوا ثقتهم في أونغ سان سو كزعيم قد يعاملهم أخيراً كمواطنين صالحين. كانوا دائما من بين الذين يتظاهرون باسمها منذ التسعينيات ، وكانوا يقفون جنبا إلى جنب مع الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية.
كما كان رولف ماير ، السياسي الجنوب أفريقي الذي ساعد في التفاوض على إنهاء الفصل العنصري، واحدا من الشخصيات القليلة التي لا تزال على تواصل منتظم بأونغ سان سو.
وهو يعمل الآن في "راخين" بشأن المصالحة مع الروهينغا. وقال ماير ، الذي تحدث للمرة الأولى عن تورطه في ميانمار: "يمكنني الوصول إليها ولدي إمكانية الوصول إلى ما أريد تحقيقه في راخين ولا أحد يحظرني". "كلما أريد مقابلتها لتقديم ملاحظات ، أستطيع. إذا لم تكن تريد حل هذه المشكلة ، لما سمحت لي بالاستمرار ".
وحتى مع تقليص مساحة المجتمع المدني بسرعة ، تم سجن النقاد وتعثرت عملية السلام ، ولا يزال الولاء لأونغ سان سو داخل ميانمار ثابتا. لكن مقاومتها المستمرة ، للسماح لأي شخص بالظهور كخليفة لها جعل العديد من الناس خارج البلاد قلقين من المستقبل.
لقد مُنحت أونغ سان سو لقب "سفيرة الضمير" لمنظمة العفو الدولية في عام 2009، تقديراً لنضالها السلمي وغير العنيف من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان. ففي ذلك الوقت، كانت تحت الإقامة الجبرية، وعندما تمكنت أونغ سان سو في النهاية من قبول الجائزة في عام 2013، طلبت من منظمة العفو الدولية: " لا تبتعدوا بعيونكم وقلوبكم عنا، وساعدونا على أن نكون البلد الذي يُدمج فيه الأمل والتاريخ معاً" إلا انه وبالرغم من ذلك تحت ظل قيادتها قتلت قوات الأمن في ميانمار الآلاف، واحتجزت وعذبت المعارضين، وأحرقت مئات المنازل والقرى بالكامل وفر أكثر من 720 ألف من الروهنيغيا إلى بنغلاديش في جريمة إبادة جماعية شنيعة.