أبوظبي - مصر اليوم
يعيش طلبة برنامج ماجستير العلوم الهندسية في مجال نُظم وتقنيات الفضاء في "معهد مصدر"، المتمثل في جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، جدول مفصل من الصباح إلى المساء، ينطوي على محاضرات وعروض وأبحاث مرتبطة بعلوم الفضاء؛ بهدف تأهيلهم لتصميم الأقمار الصناعية المكعبّة وبنائها.
دراسة تطبيقية
يعكف طلبة البرنامج على الدراسة والتطبيق العملي في مجال بناء أقمار صناعية صغيرة مربعة “كيوبسات”، وتطوير أجزائها الدقيقة التي تدخل في تركيبها، ورفع كفاءتها، والتقليل من كلفتها، وقال الدكتور فراس صلاح جرار، من قسم الهندسة الميكانيكية في جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، إنه تم إطلاق تخصص “نُظم وتقنيات الفضاء” في معهد مصدر المتمثل في جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا في إطار شراكة مع “الياه سات” و”أوربيتال أي تي كي”، الرائدتين في قطاع الفضاء واللتين تعملان حاليًا على بناء القمر الصناعي “الياه 3”.
وأضاف أن التخصص يتضمن تنفيذ قمر “ماي سات-1”، المُخطط إطلاقه بحلول عام 2018، مشيرًا إلى أن برنامج معهد مصدر لبناء “ماي سات-1”، بدأ مع أول دفعة من طلبة برنامج نظم وتقنيات الفضاء في المعهد، الذي أطلق عام 2015، على أن يصنع مجسمًا واحدًا مكعب الشكل (أبعاده 10×10×10 سم)، مزودا بكاميرا لالتقاط صور للأرض، وبطارية صممت وطورت في معهد مصدر.
وأكد جرار أن “مختبر الياه سات للفضاء” يوفّر لطلبة تخصصات الهندسة مختبرًا يزودهم بمواد لبناء أقمار صناعية مكعبة صغيرة يمكن حملها باليد، موضحًا أنها تصنع عادة من معدن الألمنيوم وحمولة قد تكون كاميرا أو أجهزة قياس علمية، بالإضافة إلى كمبيوتر، وأجهزة تنظيم الطاقة، وأنظمة للتوجيه إلى نظام اتصالات.
كوادر مؤهلة
في مختبر “الياه سات” الذي استقبل منذ افتتاحه 28 طالبًا، يقضي الطلبة أوقاتهم في الدراسة والتجريب، حيث أكد جرار أنه يتم تدريبهم على تقنيات صناعة الأقمار الصناعية المكعبة، وهي ذاتها المستخدمة في الأقمار الصناعية التقليدية ما يزودهم بخبرات عالية في التعامل مع الأقمار الصناعية بجميع أنواعها، وتاليًا يؤهل كوادر وطنية تعمل في هذا المجال، وصولًا لدعم رؤية أبوظبي 2030 المتمثلة في تقديم حلول الاتصالات الفضائية عالية التقنية؛ بهدف دعم نمو قطاع تقنية المعلومات والاتصالات وخلق فرص عمل وتمكين الشباب ليكونوا رواد المستقبل على الصعيد الدولي، لافتًا إلى أن الإمارات من أوائل الدول العربية المساهمة في نهوض قطاع الفضاء.
وقال “سيكون هذا الجيل قادرًا على القيام بأبحاث علمية تتعلق بالأقمار الصناعية المكعبة، فهي تقنية واعدة من المتوقع أن تكون لها تطبيقات جديدة”، موضحًا أن هذه التطبيقات كانت في البداية تعليمية فقط لمحاكاة القمر الصناعي الكبير، والآن أصبح لها تطبيقات بحثية مثل دراسة الغلاف الجوي وكوكب المريخ، ومن مميزاتها أنها صغيرة الحجم وقليلة التكلفة، بخلاف الأقمار الصناعية التقليدية التي تزن أطنانا وتحتاج إلى وقت طويل في التصميم والتصنيع والتركيب، وذكر أنه من الأقمار الصناعية الصغيرة، التي عمل المعهد عليها بنجاح قمر “ماي سات 1”، الذي سيتم هذا العام إطلاقه من قاعدة أميركية في مهمة تتعلق بأخذ صور للدولة من الفضاء، بالإضافة إلى تجربة بطارية تم تطويرها محليًا.
تكامل المنهج
ولا تقتصر دراسة تقنيات الفضاء على طلاب الماجستير فحسب، وإنما تشمل جميع طلبة البكالوريوس في جامعة خليفة، وفق ما أكده جرار، الذي قال “يشارك طلاب البكالوريوس من جامعات خليفة للعلوم والتكنولوجيا تخصصات الهندسة في تصميم وبناء الأقمار الصناعية كجزء من مشاريع التخرج، كما يقومون بالتجارب اللازمة لضمان جودة القمر الصناعي، وتشتمل الدراسة في المختبر الذي يتكون من غرفة التحكم والاتصال والغرفة النظيفة والأجهزة الخاصة بالقيام بالتجارب اللازمة لضمان جودة القمر الصناعي، وفق جانبين نظري من خلال المواد التي يتم طرحها ضمن البرنامج، وعملي متمثل في تصميم وبناء القمر الصناعي المكعب، فضلًا عن جانب بحثي متمثل في رسائل الماجستير المتعلقة بتقنيات وأنظمة الفضاء”.
وفي مختبر “الياه سات”، يعمل طلبة بشغف كبير، طامحين بأن يكون لهم دور ريادي في تطور قطاع الفضاء الإماراتي وتعزيز مكانته عالميًا، في السياق ذاته، أكد جرار “شكّل دخول الإمارات إلى قطاع تكنولوجيا الفضاء منعطفًا تنمويًا مهمًا في مسيرة الدولة، لكونه أحد محركات النمو الاقتصادي، وإنتاج كوادر إماراتية في مجال الفضاء تسهم في استكشاف الفضاء الخارجي، وزيادة المعرفة البشرية، مضيفًا “لتعزيز الجانب العلمي لدى الطلاب نعقد اتفاقيات مع جامعات ووكالات فضائية لتبادل التجارب والخبرات”.
وتابع “ستسهم البيئة البحثية المتقدمة التي يوفرها المختبر في دعم تطوير رأس المال الفكري اللازم لتطوير قطاعات الفضاء والطيران، ويهدف المختبر الجديد إلى أن يكون منصة لإجراء أبحاث في مجال الفضاء مستقبلًا، ما يتيح لوكالة الإمارات للفضاء التعاون مع المعهد وشركاء آخرين في مشاريع تسهم في النهوض بقطاع الفضاء الوطني”.
مشاريع طلابية
وقالت فاطمة أحمد الشحي، طالبة ماجستير هندسة كهربائية تخصص تقنيات الفضاء، إن التحدي الذي يكمن في دراسة الماجستير يتمثل في طريقة البحث، حيث يجب على الطالب أن يقسم وقته بين البحث ودراسة المواد، مضيفة “تعلمت تخصصات أخرى يمكن دمجها لدراسة تقنيات علوم الفضاء”، كما أشارت إلى أنها بصدد إنجاز مشروع قمر صناعي مصغر كيوبسات لتتبع أشعة أشعة جاما ما يساعد في دراسة علوم الأرض.
من جهته، قال عبد الله الشريف، طالب ماجستير هندسة النظم وتخصص نظم الفضاء، إنه يستغرق وقتًا طويلًا في البحث داخل المختبر. حيث يتمتع الطالب، الذي يحمل بكالوريوس هندسة ميكانيكية، بشغف كبير لممارسة دور فعاّل في دفع عجلة التطور في مجال هندسة أنظمة الفضاء، ودعم الأبحاث التي من شأنها إعطاء الإمارات أفضلية في منافسة الدول المتقدمة. وأكد أنه أسهم إلى جانب زملائه في تطوير بطارية القمر الصناعي “ماي سات 1”، في المختبر استعدادًا لاختبارها في الفضاء واكتشاف قدرتها على تحمل درجات الحرارة المرتفعة جدًا والمنخفضة جدًا.
ومن البحوث التي يعمل عليها الشريف حاليًا “بناء الأنظمة المعقدة”، مؤكدًا أن هذا النوع من الأنظمة يتعرض لمشاكل سرعان ما تنتشر في جميع أجهزتها، والبحث يتعلق بكيفية الحد من انتشار هذه المشاكل المعقدة، لزيادة جودة الأنظمة. وأوضح أن مثل هذه الحلول أصبحت ضرورية جدًا في مشاريع الفضاء التي يصعب إصلاح أعطابها، فضلًا عن تكلفتها العالية، مشيرًا إلى أن مشروعه يتمثل في إيجاد تقنية الإصلاح الذاتي للأقمار الصناعية خلال الرحلة.
رحلة اليابان
واستفاد طلبة من خمس جامعات في الدولة، من رحلة إلى اليابان اختبروا خلالها انعدام الجاذبية وصناعة قمر صناعي مصغر، في هذا الصدد، قال أحمد عبد الكريم مراد، من إدارة النظم الهندسية وتقنيات الفضاء تخصص الهندسة الكهربائية، منسق إقليمي لمنطقة الشرق الأوسط المجلس الاستشاري لجيل الفضاء التابع لبرنامج الأمم المتحدة للتطبيقات الفضائية (SGAC)، إن الرحلة إلى اليابان دامت أسبوعين تم خلالها تجريب القمر الصناعي “العلبة” (كان سات)، وهو علبة معدنية بداخلها أجهزة لقراءة الضغط الجوي ودرجة الحرارة وتتضمن أجهزة كهربائية، توضع في صاروخ من الكرتون على أن تكون العلبة معلقة في باراشوت صغير، والعملية محاكاة للقمر الصناعي التقليدي، بحيث نطلقه عن طريق الضغط على الزر ويتم انفصال الجزء الأمامي عن الخلفي، ونستعمل في هذه العملية البارود لتحقيق قوة الدفع، وعندما ينفصل الجزء الخلفي تبقى العلبة معلقة بالباراشوت، ثم تنزل تدريجيًا، ما يسمح بأخذ القراءات من الحساسات المتواجدة بداخلها، وبالتالي إجراء دراسات عليها.
وأضاف "خلال الرحلة، اختبرنا صاروخًا هجينًا يعمل بنوعين من الوقود، كما جربنا انعدام الجاذبية وكانت التجربة عبارة عن غرفة داخل طيارة بسرعة عالية وفِي مرحلة الطيران المنحني لمدة 30 ثانية نشعر بانعدام الجاذبية، وجاءت هذه الرحلة بعد فوزنا في مسابقة شاركت فيها خمس جامعات من الإمارات نظمتها وكالة الإمارات للفضاء ووكالة اليابان للفضاء تحت عنوان “ماراثون الأفكار”، وكانت الجائزة عبارة عن محاكاة انعدام الجاذبية”، وذكر: “حاليًا أعمل على تصميم ألواح شمسية للقمر الصناعي المكعب تتلاءم مع طبيعة القمر، ولا تعوق مهمته وتلائمه في الحركة والاتجاه”.
التحكم في الحركة
من طلاب علوم تقنيات الفضاء بمعهد مصدر المتمثل في جامعة خليفة أدهم محمد الخاجة، هندسة ميكانيكية علوم تقنيات الفضاء ماجستير، الذي يعمل على نظام “التحكم في حركة الساتيلايت”، موضحًا أنه يبحث عن طريقة للتحكم في حركة القمر الصناعي.
وأكد أنه سيتعمق في مشروعه لاستكمال الدكتوراه في المجال ذاته، مشيرًا إلى أن التطورات الكبيرة والسريعة في تقنيات الفضاء من التحديات التي يجب التصدي لها بتخصيص وقت كاف للبحث والدراسة. ومن طموحات أدهم أن يصنع قمرًا صناعيًا صغير الحجم بمواصفات عالية مزودًا بكاميرات ذات جودة ودقة عاليتين.
مهام فضائية
بحسب الدكتور فراس صلاح جرار، فإن الأقمار الصناعية ستتمكن من القيام بأنشطة متعددة تشمل الخرائطية والمسح الطوبوغرافي، وتتبع الأنشطة الزراعية، والوقاية من الكوارث الطبيعية، وتتبع التطورات البيئية والتصحر، فضلًا عن مراقبة الحدود والساحل وتعزيز الترسانة الأمنية، بالإضافة إلى استعمالات أخرى كالبث التلفزيوني والاتصال، وتحديد المواقع وتحديد مصادر المواد الطبيعية، مشيرًا إلى أن دولًا كبرى بدأت تفكر في التنقيب عن معادن على الكواكب الأخرى كبدائل للطاقة.
غرفة تحكم
في مجال العمل على أبحاث علمية تسهم في تطور قطاع الأقمار الصناعية في الدولة بشكل عام وأبو ظبي بشكل خاص، إلى جانب تأثيرها على الصعيد الدولي، وقالت هدى الحميري، علوم الحاسب وتقنيات الفضاء: “أعمل على مشروع “غرفة التحكم في الساتيلايت” يتم من خلاله إرسال الأوامر للقمر الصناعي، كما يجب أن نحدد مكان اللاقط بكفاءة عالية لنستقبل الصور والبيانات التي نحتاجها”، مضيفة “يهدف مشروعنا أيضًا إلى متابعة مكان الساتيلايت بسرعة فائقة، وهذه الإمكانية تسمح بمتابعة مسار أي قمر صناعي يمر عبر الإمارات بسرعة فائقة، ويشمل المشروع تحليل البيانات والصور ليتم قراءتها بشكل واضح، فضلا عن جوانب اجتماعية وبيئية وأمنية.