لندن ـ وكالات
أقمار صناعية منتهية الصلاحية وبقايا صواريخ محطمة تتراكم مع الزمن لتشكل حطاما فضائيا. فما مدى خطورة هذا الحطام الفضائي وكيف يمكن التخلص منه؟ جهود أوروبية تحاول الإجابة على هذا السؤال.تتوقف الأقمار الصناعية التي تراقب الأرض عن العمل، إما بسبب نفاد الوقود أو لاصطدامها بحطام البعثات الفضائية. على أي حال هناك أسباب كثيرة لوقوع حوادث اصطدام في الفضاء. ولذلك التقى مؤخرا في مدينة دارمشتات الألمانية، وبدعوة من وكالة الفضاء الأوروبية، خبراء من جميع أنحاء العالم في المؤتمر السادس الخاص لمناقشة الحطام الفضائي. وبعد أربعة أيام من النقاشات وضعوا استراتيجيات مشتركة للتعامل مع الخردة الفضائية المتزايدة. في فبراير/ شباط 2009، كانت المرة الأولى في تاريخ الفضاء التي يصطدم فيها قمران صناعيان مازالا في الخدمة. قمر صناعي روسي وآخر أمريكي قبّلا بعضهما قبلة الموت على ارتفاع 790 كم فوق سيبيريا."مثل هذا الحدث كان متوقعا حدوثه في وقت ما"، كما يقول هاينر كلينكراد، رئيس قسم الحطام الفضائي في وكالة الفضاء الأوروبية. فكل بعثة فضائية تخلف أيضا قمامة وراءها – بدءا من مفكات البراغي مرورا بالصواريخ وصولا إلى حطام القمر الصناعي بأكمله. كل هذا يندرج تحت مفهوم الحطام الفضائي، كما يوضح كلينكراد وفرانك يورغن ديكمان رئيس بعثة مراقبة الأقمار الصناعية "انفيسات". ويشير كلينكراد إلى أن "المشاكل الأخطر تسببها على المدى الطويل الأجزاء الكبيرة"، لأنها تؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل، أي حوادث اصطدام كارثية لأقمار صناعية، والتي بدورها تهدد أقمارا صناعية أخرى. وحتى قطع الحطام الصغيرة يمكن أن تكون خطرة، كما يقول الخبير الألماني كلينكراد: "عندما يصطدم القمر الصناعي بجسم حجمه سنتيمتر مكعب واحد، فيمكننا أن نفترض أن وظيفته قد انتهت". أثر الاصطدام هنا يعادل قوة انفجار قنبلة يدوية. في قائمة "شبكة مراقبة الفضاء" الأمريكية، هناك حاليا حوالي 13000 قطعة كبيرة من قطع الحطام الفضائي. أما القطع الصغيرة فيقدر عددها بحوالي 700 ألف قطعة. تنشأ معظم الشظايا من التفجيرات. وهنا يتساءل من ليس لديه خبرة في الفضاء: هل يمكن أن تهبط هذه القطع يوما ما فوق رؤوسنا؟ فرانك يورغن ديكمان، رئيس بعثة مراقبة الأقمار الصناعية "انفيسات"، يهز رأسه: "إن احتمال حدوث ذلك ليس صفرا، ولكنه احتمال ضئيل جدا جدا". ووفقا لحسابات هاينر كلينكراد يعبر على الأقل جسمان كبيران (متر واحد) كل أسبوع حاجز الغلاف الجوي للأرض. ولكن تركيز الباحثين ينصب في المقام الأول على حماية الأقمار الصناعية باهظة الثمن. حوالي 6000 قمر صناعي جرى إطلاقها إلى الفضاء منذ عام 1957، ألف منها مازالت اليوم في الخدمة وتستخدم للبحوث العلمية والأغراض العسكرية والاتصالات. ومن أجل منع التصادم مع أحد الأقمار الصناعية الأوروبية المخصصة للبحث العلمي، تجري حسابات معقدة في مركز التحكم في دارمشتات: تتم مقارنة مدارات الأقمار الصناعية مع قائمة الخردة من "شبكة مراقبة الفضاء" الأمريكية. وبهذا ينتج تقويم للأسبوع القادم، يتضمن الأخطار المحتملة وكيف يمكن المناورة لتجنبها. ولكن هذا التقويم فيه ثغرات لأن الأمر يحتاج إلى أكثر من مجرد فنون حسابية. عقود من الخبرة والمعرفة في هذا المجال ومقاييس الرادار المتطورة كلاهما أمران ضروريان. كلا هذين العنصرين لا يتوفران حتى الآن بشكل كافٍ سوى لدى روسيا والولايات المتحدة. ولهذا فإن الأوروبيين يحلمون بامتلاك نظام مراقبة للخردة، كما يقول هاينر كلينكراد: "من دون هذه الخبرة والمعرفة لا يمكننا تطبيق مناورات فعالة لأقمارنا الصناعية لتجنب الخردة في الفضاء". منذ 20 عاما ووكالة الفضاء الأوروبية تهتم بهذا الموضوع. ولكن منذ فترة قصيرة فقط بدأ الأعضاء الأوروبيين الثمانية عشر يأخذون الأمور على محمل الجد من الناحية السياسية أيضا. وقريبا سيتم وضع اللبنات الأولى لتطوير نظام مراقبة أوروبي خالص.يتم القيام بمناورات لتحريك الأقمار الصناعية بسنتيمترات قليلة مما يحميها من الاصطدامات ولكن كل تغيير ولو بسيط في مسار القمر الصناعي يستهلك مزيدا من الوقود، وهو أمر يمكن أن يقصر من عمر أجيال اليوم من الأقمار الصناعية بما يتراوح بين 10 إلى 12 سنة.محاولا دولية للتعاون في هذا المجال، أهمها تأسيس 11 دولة "فضائية" لجنة تعرف بـ "لجنة الحطام الفضائي" IADC. ويقول كلينكراد: "هذا يساعد في أن الأمور لا تبقى سرية، فهي في نهاية المطاف قد تصيب من يتسبب بها". وبذات الوقت ينتقد الخبير الألماني الفراغ القانوني الحالي بخصوص الفضاء: "حتى هذه اللحظة لا شيء يمنع الدول من تفجير أقمارها الصناعية في الفضاء سوى العقلانية".وكيف يمكن التخلص من نفايات الأقمار الصناعية القديمة؟ هناك نوعان من الاستراتيجيات في الوقت الحالي. أن يدور في مدار قريب من الأرض، عندها يمكن السيطرة عليه وإسقاطه. فكلما كان القمر الصناعي أقرب من الغلاف الجوي للأرض، كلما بطأته عملية مقاومة الهواء. ويوضح هاينر كلينكراد العملية: "يتم سحب الوقود ومن ثم خفض القمر الصناعي حتى يدخل الغلاف الجوي ليحترق عندها".ولكن بالنسبة للعديد من الأقمار الصناعية فإن هذه الطريقة غير ممكنة، لأنها تسير في مدار يرتفع 35786 كيلومترا فوق الأرض، على ما يسمى بالمدار الأرضي الجغرافي المتزامن. عملية إسقاط مبرمجة ستكون حينها مكلفة للغاية، لذلك هناك إستراتيجية أخرى، كما يقول كلينكراد: "يتم إخراج القمر الصناعي المعطل إلى ما يسمى بمسار المقبرة". وتقع هذه المقبرة على بعد 300 كيلومترا فوق مسار الأقمار الصناعية. وحتى يومنا هذا تم بالفعل دفن 1000 قمر صناعي هناك.ولا يمتنع الخبيران كلينكراد وديكمان عن تخيل إمكانية الحصول على نوع من خدمة جر فضائية، كما في خدمات جر السيارات المخالفة أو السيارات التي تتعرض لحوادث. ولكن هذا ما زال شيئا بعيد المنال. ولكن ذلك لا يعتبر سببا للقلق بالنسبة لهاينر كلينكراد: "ربما كان النوم سيطير من عيوني لو كنت جالسا داخل القمر الصناعي. ولكن ما دمت هنا على الأرض فالأمور على ما يرام".