تعرض أنطونيو ميليلو إلى حادث سيارة مزق تماما نخاعه الشوكي، وبات غير قادر على الحركة، أو الشعور بقدميه منذ ذلك الحين. وها هو الآن في مختبر تابع لمستشفى «سانتا لوسيا» في روما وهو يتحرك ويتنقل. وميليلو هو الشخص الأول المصاب بشلل في أطرافه السفلى الذي قام بتجربة «مايند ووكر» MindWalke، أول هيكل خارجي في العالم المخصص لمساعدة المشلولين والأشخاص العاجزين عن المشي، وذلك بالاستعانة بعقولهم فقط. * وكان خمسة أشخاص قد اشتركوا في التجارب السريرية لهذا الجهاز خلال الأشهر الماضية. وكانت ذروة هذه التجارب أخيرا، قيام المفوضية الأوروبية بمراجعة هذه التجارب التي مولت العمل. وتمثل التجارب نهاية فترة تطوير للمشروع الذي استغرق ثلاث سنوات، والذي يتميز بثلاثة عناصر رئيسة. فهنالك «الهيكل الخارجي» exoskeleton ذاته، الذي هو عبارة عن أداة غريبة الشكل تقوم باحتواء كل وزن جسم الشخص المعني، وتحرك قدميه لدى تلقيها تعليمات بذلك. وفي العنصر الثاني يتعلم الأشخاص كيفية استخدام الأداة في بيئة من الواقع الافتراضي. ثم هنالك العنصر، أو المكون، الثالث لقراءة الأفكار. وفي أحد أركان المختبر يقبع ثوماس هويلينجر من الجامعة المفتوحة في بروكسل (يو إل بي)، وهو يضع على رأسه قبعة للتخطيط الكهربائي الدماغي EEG، التي تقوم بقياس النشاط الكهربائي في نقاط متعددة من جمجمته. وثمة أساليب متعددة لاستخدامها للتحكم بالهيكل الخارجي عبر الفكر فقط. وفي الوقت الراهن فإن أحد الأمور الواعدة ينطوي على وضع زوج من النظارات بصمامات ثنائية ومّاضة مركبة على كل عدسة. وتقوم كل مجموعة من الصمامات الثنائية بالوميض بتردد مختلف ضمن المجال الطرفي البصري للشخص الذي يرتدي النظارة. وتجري معالجة الضوء عن طريق منطقة في الدماغ تدعى القشرة المخية (اللحاء القذالي). وبمقدور القياسات في هذا الجزء من الدماغ تحري ما إذا كان هويلينجر يركز على الصمامات اليمنى، أو اليسرى. ولدى التركيز على الصمامات اليسرى، يبدأ الهيكل بالسير، ولدى التركيز على الصمامات اليمنى، يتوقف الهيكل عن الحركة. كل ذلك كان يحدث في أقل من ثانية واحدة. * ولا يقوم ميليلو حاليا بوضع القبعة هذه على رأسه، لكون فريق العمل اصطدم بعقبة. فلدى تحرك الهيكل هذا تقوم محركاته بإصدار ضجيج كهربائي يشوش على إشارات التخطيط الدماغي، بحيث تصبح القراءات غير مفهومة، ولا يمكن التعويل عليها. ولذلك بدلا من التحكم بالنظام بواسطة التفكير، أصبح ميليلو يسير عن طريق تحريك الجزء الأعلى من جسمه. ولدى الانحناء إلى اليسار يقوم مستشعر للضغط، يقع فوق الردف، بتسجيل الحركة وتحريك ساق الهيكل المعاكسة. ولدى تكرار هذه العملية بالجانب الآخر يجري الشروع بالمشي. «إنه شعور رائع»، كما نقلت عنه مجلة «نيوساينتست» البريطانية، «ليس المشي فحسب، بل الوقوف بشكل منتصب أيضا». وقد تمكن الفريق من التعرف على ترددات وماضة لا تتأثر كثيرا بالصوت الميكانيكي، وقام بتصوير باحث يتحكم بالهيكل هذا عن طريق أفكاره فقط. ويخطط الفريق لقضاء خمس سنوات أخرى في تهذيب «مايند ووكر» عن طريق التحكم به عن طريق العين، تمهيدا لإنتاجه تجاريا. «فنحن سنخفض من وزنه، ونلطف حركاته»، كما يقول جيرمي غانسيت من «سبايس أبليكيشن سيرفيسزز» في زافينتيم في بلجيكا، التي تشارك بتنسيق المشروع، «وربما تضمين النظام في بنطال، لجعل منظره لا يشابه كثيرا الروبوت»، على حد وصفه. ويرغب الباحثون أيضا في التخلص من النظارات ذات الصمامات الوماضة، فقد تمكن فريق برئاسة غاي شيرون من جامعة «يو إل بي»، بالتعرف على النشاط الدماغي الذي يقابل رغبة، أو نية المشي، وهو الذي يحدث خلال ثانية واحدة قبل الشروع فعلا بالمشي، والذي يمكن التعرف عليه بواسطة إشارات EEG الصادرة عن القشرة الحركية في الدماغ. وبإمكان هذا الفريق حتى التمييز بين رغبة المشي بسرعة، أو ببطء. إن ابتكار خوارزميات يمكنها التعرف على هذه الإشارات بصورة موثوقة، سيفتح الباب أمام إمكانية منح الأشخاص المشلولين والمقعدين تماما، وحتى غير القادرين منهم على تحريك عيونهم، المزيد من التحكم الحدسي في المشي.