لندن ـ وكالات
بحلول عام 2045 سيتمكن البشر من تحقيق حالة «الخلود الرقمي» من خلال تحميل عقولهم على أجهزة كومبيوتر، أو على الأقل هذا ما يعتقده بعض المتنبئين بالمستقبل. وقد شكلت هذه الفكرة أساس مؤتمر «غلوبال فيوتشرز لعام 2045» الدولي، وهو مؤتمر للنقاش حول التطورات المستقبلية عقد في نيويورك يومي 14 و15 يونيو (حزيران) الماضي. واحتلت تقارير المؤتمر، وهو من بنات أفكار المليونير الروسي ديمتري إتسكوف، مركزا وسطا بين طروحات العلم الصارمة وتصورات الخيال العلمي. وشاركت فيه مجموعة متنوعة من الشخصيات العلمية اللامعة مثل راي كورزويل وبيتر ديامانديز ومارفين مينسكي فضلا عن شخصيات شهيرة في عالم الروحانيات. يتوقع كورزويل، المخترع وأحد العاملين في ميدان التنبؤ بالمستقبل الذي يشغل حاليا منصب مدير الهندسة في شركة «غوغل»، أن التكنولوجيا بحلول عام 2045 سوف تتجاوز قوة العقل البشري وتقدم نوعا من الذكاء الفائق، وهو ما يطلق عليه مصطلح «التفرد» أو «الفرادة»singularity. وقال علماء آخرون إن الإنسان الآلي سوف يتفوق على الإنسان بحلول عام 2100. وحسب «قانون مور»، فإن قدرات الكومبيوتر تتضاعف كل عامين تقريبا. وتشهد الأشكال المختلفة من التكنولوجيا تقدما مماثلا بداية من الهندسة الوراثية ووصولا إلى الطباعة ثلاثية الأبعاد كما أوضح كورزويل في المؤتمر. وقدم الأدلة على هذا من خلال عرض مجموعة من الرسوم البيانية توضح التقدم الراسخ الذي شهدته مجالات التكنولوجيا المختلفة. وأكد كورزويل أنه بحلول عام 2045، استنادا إلى تقديرات حذرة خاصة بالحد الذي تحتاجه من الحوسبة لمحاكاة عقل بشري، سنتمكن من توسيع نطاق ذكائنا مليار مرة. يرى إتسكوف وآخرين من الذين يطلق عليهم مصطلح «المتجاوزون للبشرية» transhumanists هذا التفرد باعتباره خلودا رقميا، ويعتقدون على وجه التحديد أنه خلال بضعة عقود سيتمكن البشر من تحميل عقولهم على أجهزة كومبيوتر وعندها يمكن تجاوز الحاجة إلى جسد بشري! تبدو الفكرة مجرد خيال علمي على الأقل حتى هذه اللحظة. مع ذلك الواقع فإن الهندسة المحايدة تحقق خطوات ملموسة كبيرة باتجاه تصميم نموذج للمخ البشري وتطوير تكنولوجيا هدفها استعادة بعض وظائفه البيولوجية أو إحلال بديل لها. تم تحقيق إنجازات كبيرة في مجال واجهات التفاعل بين المخ والكومبيوتر. وكانت زراعة قوقعة أذن، يتم خلالها تحفيز عصب المخ إلكترونيا من أجل إعادة حاسة السمع لشخص يعاني من صعوبة في السمع، أول إنجاز في هذا المجال. ويعمل كثير من المجموعات حاليا على تطوير هذا المبدأ بحيث يمتد إلى المهارات الحركية لدى حدوث ضرر للجهاز العصبي نتيجة جلطة في المخ أو إصابة في العمود الفقري. ويعمل كل من جوزيه كارمينا وميشال مهاربيز، وهما مهندسان في الإلكترونيات بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، على تطوير واجهة تفاعل متقدمة. وتتكون هذه الأجهزة من مجموعات من الأقطاب في حجم قرص دواء تسجل الإشارات العصبية الصادرة من المناطق الحركية في المخ ثم يتم فك شفرتها عبر جهاز كومبيوتر وتستخدم في التحكم في مؤشر كومبيوتر أو طرف صناعي مثل ذراع الإنسان الآلي. وتحدث الاثنان عن التحدي المتمثل في صنع واجهة التفاعل هذه التي تعمل بتوازن مع مرور الوقت ولا تحتاج إلى توصيلها بأسلاك. وينتقل ثيودور بيرغر، مهندس الأعصاب بجامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجليس، بهذا الاختراع إلى مستوى جديد من خلال تطوير ذاكرة صناعية. ويهدف بيرغر إلى تقديم بديل لجزء من حصين المخ المسؤول عن تحويل الذكريات قصيرة الأجل إلى ذكريات طويلة الأجل باستخدام واجهة التفاعل هذه التي تسجل النشاط الإلكتروني، ويضع الرموز لذكرى قصيرة الأجل مثل الضغط على زر ويحولها إلى إشارة رقمية. وتمر هذه الإشارة عبر الكومبيوتر حيث يتم تحويلها رقميا قبل أن تعاد مرة أخرى إلى المخ حيث يتم الاحتفاظ بها كذكرى طويلة الأجل. وقد نجح في اختبار هذه الوسيلة على الفئران والقرود ويجربها حاليا على مرضى من البشر. اتخذ المؤتمر منحى سرياليا عندما تحدثت المحامية والمؤلفة وصاحبة المشروعات الرائدة والرئيسة التنفيذية لشركة «يونايتد ثيرابويتيكس كوربوريشين»، مارتين روثبلات. وحتى عنوان كلمتها كان مستفزا وهو: «غرض التكنولوجيا البيولوجية هو إنهاء الموت». وقدمت روثبلات مفهوم «استنساخ العقل» وهو يشير إلى عمل نسخ رقمية من البشر يستطيعون البقاء أحياء إلى الأبد. وشرحت إمكانية استنساخ العقل من «ملف عقلي» وهو أشبه بمستودع للشخصيات على الإنترنت، وترى أن البشر لديهم مثله على شكل حسابات على «فيس بوك» على سبيل المثال. يتم تشغيل هذا المستودع على «مايند وير» «mindware» وهو نوع من البرامج البديلة للوعي. وقالت روثبلات: «ستحقق أول شركة تنتج هذا البرنامج نجاحا يفوق نجاح (غوغل) بآلاف المرات». مع ذلك، هل سيكون هذا المخ المستنسخ حيا؟ تعتقد روثبلات ذلك. واقتبست أحد تعريفات الحياة وهو أنها شفرة تتكاثر ذاتيا وتحافظ على وجودها في مواجهة الفوضى. اعترض بعض المنتقدين على ما سمته روثبلات بـ«الازدواجية الديكارتية المخيفة»، مشيرين إلى ضرورة دمج العقل في عالم الأحياء. على العكس من ذلك، ترى روثبلات أن البرامج والأجهزة ليست أقل من المخ أو المواد الحيوية. وناقشت روثبلات نتائج استنساخ العقل ومنها استمرار الإنسان لأن شخصيته لن تصبح حبيسة جسد. كذلك هناك حقوق في استنساخ العقل ستكون مثارا للجدل في القرن الواحد والعشرين كما توضح. كذلك ذكرت استنساخ العقل وإعادته للحياة بعد الموت. وبالتوازي مع الحديث عن تكنولوجيا المخ وتحميل العقل، قيل الكثير عن طبيعة الوعي في العالم. يختلف عالم الفيزياء، روجر بينروز، من جامعة أكسفورد وآخرون مع النظر إلى المخ باعتباره مجرد جهاز كومبيوتر، حيث يرى بينروز أن الوعي ظاهرة كمية ميكانيكية تنشأ عن نسيج الكون. ويعتقد أتباع مدرسة بينروز أن تحميل المخ يجب أن يتضمن أجهزة كومبيوتر كمية، وهو أمر غير مرجح الحدوث بحلول عام 2045. مع ذلك يعترض إتسكوف على هذا، حيث يبدو أن رئيس المؤتمر البالغ من العمر 32 عاما عاقد العزم على البقاء على قيد الحياة إلى الأبد؛ إلكترونيا بالطبع!