بيروت - مصر اليوم
تخوض المصارف اللبنانية سباقا غير متكافئ مع الوقت بغية إعادة تمتين مراكزها المالية طبقا للتعاميم الصادرة عن البنك المركزي من جهة، والسعي لاستعادة تفاعل الزبائن مع أنشطتها الاستثمارية والائتمانية من جهة موازية. علما بأن المسارين محكومان أصلا بوجود حكومة منسجمة تتكفل بإحياء التواصل مع صندوق النقد الدولي، كمحطة ملزمة لإيقاف الانهيار وبدء الرحلة لاستعادة التعافي، بينما تنذر السلطة النقدية بوضع يدها على «المتخلفين».
ويتعين على البنوك العاملة زيادة رساميلها بنسبة لا تقل عن 20 في المائة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، أي ما يماثل نحو 4.5 مليارات دولار، وتكوين ما يماثل 3 في المائة من إجمالي ودائعها كاحتياطات خارجية، أي ما يوازي نحو 3 مليارات دولار. فضلا عن حجز مخصصات لمقابلة توظيفاتها في السندات الحكومية بالليرة وبالدولار، بما يتعدى 5 مليارات دولار على محفظة سندات «يوروبوندز» وحدها والبالغة نحو 11 مليار دولار. إضافة إلى «إلزامها» باستعادة 15 في المائة من تحويلات الزبائن بالدولار إلى الخارج، و30 في المائة من تحويلات السياسيين وكبار المصرفيين.
ووفق معلومات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، فإن إدارات المصارف شرعت فعليا بإبلاغ مساهميها بمقتضيات التعاميم الصادرة عن البنك المركزي والخيارات المتاحة للالتزام بزيادات الرساميل المطلوبة قبل نهاية فبراير (شباط) المقبل. وذلك عبر توزيع للأحمال يشمل الضخ النقدي بما يشمل حصيلة بيع وحدات خارجية تابعة وإعادة تقييم العقارات المملوكة ضمن الهوامش المتاحة من البنك المركزي وإشراك طوعي للمودعين وترشيق أحجام المؤسسات من خلال تقليص المديريات والأقسام وشبكات الفروع.
ويندرج ضمن هدف زيادة الرساميل، تنشيط حركة بيع الوحدات الخارجية التابعة لمصارف لبنانية في كل من العراق والأردن ومصر، بالتوازي محليا مع إعادة هيكلة الوحدات المستقلة العائدة للمجموعات المصرفية، بحيث سيجري التخلي عن العديد من المصارف التابعة والمرخصة بوصفها متخصصة استثمارية وأعمالا وإسلامية وتحويلها إلى وحدات أو أقسام ضمن المصرف التجاري الأم؛ مما يحقق وفورات حجم داخلية لجهة مجالس الإدارة والوظائف والمقرات. كما سيتم إقفال بعض الفروع المصنفة «غير منتجة» للغاية ذاتها.
واستبعد رئيس جمعية المصارف سليم صفير اعتماد خيار الاندماج كخيار أول بين مصرفين مستقلين أو أكثر في الظروف الحاضرة، وطالما لم يتضح المسار الحكومي واعتماد خطة إنقاذية موحدة ومدعومة بالتشاور المسبق مع الكتل النيابية الرئيسية. مؤكدا أن استعادة الثقة هي الأولوية المطلقة التي تؤسس لإعادة ترتيب وهيكلة القطاع المالي بكامل مؤسساته النقدية والمصرفية، فيما يعول على إنجاز اتفاق حكومي مع صندوق النقد الدولي، كإنجاز مفصلي لإعادة ضخ الأموال الخارجية، وبما يشمل التزامات المبادرة الفرنسية، في «الشرايين» المالية اللبنانية التي تتعرض لاستنزاف حاد وخطر، بانت مؤشراته في الخلل الكبير لميزان المدفوعات وفي تلويح البنك المركزي بإمكانية تعذر الاستمرار بتمويل السلع الأساسية في غضون أشهر قليلة.
وأكد صفير لـ«الشرق الأوسط» أن «المحاذير ذات الخلفيات الاجتماعية تفوق بتداعياتها المعيشية والمؤلمة مجمل الفوائد المتوخاة من عمليات الاستحواذ والاندماج بين المصارف العاملة. ولن يكون عادلا تشريد مئات الموظفين ومثلهم الموردين والمتعاملين من كل مصرف مندمج ضمن الظروف المعقدة السائدة حاليا، فهذا النوع من المعالجات الهادف أساسا إلى تعظيم الأصول والحصة السوقية ومتانة المركز المالي للمصرف الدامج واستيعاب تعثر ما، يتطلب أساسا مناخات ملائمة وخصوصا لجهة الاستقرار السياسي والمالي والنقدي. كما يشترط وجود فرص لإعادة توظيف وفورات الحجم في الأسواق المحلية والخارجية».
وعلى خط مواز، أطلقت غالبية البنوك، ومن دون إشهار بارز، إطلاق حزمة منتجات تستهدف استعادة الأنشطة العادية بغية الخروج من حصر الخدمات بتلبية السحوبات اليومية تحت السقوف المعتمدة من دون الاستناد إلى مظلة قانونية كانت تتوخاها عبر مشروع قانون «الكابيتال كونترول» المتعثر في كواليس المجلس النيابي، وبإدارة «مكلفة» لمحافظ ائتمانية سابقة لدخول الوضع المالي والنقدي في دوامة الانهيارات.
ويتم رفد برامج المنتجات الجديدة بمزايا السحب المفتوح بالليرة وبالعملات وإجراء التحويلات المعتادة داخليا وخارجيا والاستخدام غير المقيد للبطاقات المربوطة بالحسابات، شرط أن تكون الأموال المستثمرة جديدة (Fresh Money). كما تتيح بعض المصارف لعملائها تملك أسهما تفضيلية عبر التحويل من الليرة إلى الدولار بالسعر الرسمي البالغ نحو 1520 ليرة لكل دولار، أو المشاركة في منتج استثماري جاذب بربحيته، حيث يتم تجميد الحساب لفترة لا تقل عن 15 شهرا وقد تصل إلى 36 شهرا. علما بأن السحب في نهاية الفترة يتم بسعر المنصة التابعة للبنك المركزي، أي 3900 ليرة للدولار.
ومن الواضح أن هذه المنتجات تستهدف تخفيف ضغوط السحوبات من الودائع بالليرة وتسييل ودائع الدولار على حد سواء. لكن الأهم بالنسبة للبنك المركزي وللبنوك يكمن في إعادة جذب الأموال النقدية المخزنة في البيوت، والتي يربو مجموعها على 10 مليارات دولار، وليس من الممكن إعادة ضخها في السوق ودورة الاقتصاد من دون تقديم مغريات توظيفية وموثوقة للمدخرين الذين اكتووا بالقيود المشددة التي تم فرضها على إدارة حساباتهم في المصارف.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :