القاهرة:سهام أبوزينة
أصبحت منطقة شرق المتوسط تحظى بالاهتمام الإقليمي والعالمي في مجال الطاقة بعد الاكتشافات الهائلة للغاز الطبيعي في المنطقة التي يرى خبراء نفط أنها ستكون من أهم مكامن الطاقة في العالم خلال السنوات القليلة المقبلة وشبهوها بالخليج العربي بداية السبعينيات، ويتوقع أن تصبح مركزا للصراع حول حق استغلال حقول الغاز والنفط بين الدول المتنازعة بالأساس ليزيد من حالة التوتر القائمة في المنطقة.
وتصاعد الصراع على غاز شرق المتوسط مؤخرا مع إرسال تركيا سفينة أبحاث إلى منطقة التنقيب المشتركة مع قبرص التركية واليونانية مدعومة بقوة بحرية، وهو ما رفع درجة التوتر في المنطقة.
ومنعت تركيا ، الأحد ، أعمال حفر تعاقدت عليها قبرص مع شركة إيني الإيطالية مما سلط الضوء على التوترات بشأن الثروات البحرية في شرق البحر المتوسط التي تقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات.
وتداخل الحدود البحرية بين مصر وإٍسرائيل وقبرص ولبنان وتركيا واليونان، خلّف صراعا خفيا وتسابقا للفوز بهذا الكنز الجديد، خاصة أن إسرائيل وقبرص بدأتا بالفعل في بسط نفوذهما واستغلال بعض الحقول.
إلا ان مثلث اتفاق الغاز بين إسرائيل وقبرص واليونان وضمنياً مصر كشريك رابع يواجهه تحالف آخر لم يتبلور تشكيله بعد بين "سوريا وفلسطين ولبنان" بسبب الظروف السياسية، وإن كانت المصلحة تجمع بين أطرافه؛ فتركيا لم تدخل رسمياً بعد مجال إنتاج النفط والغاز، وإن كانت تستهدف أن تتحول إلى مركز عالمي للطاقة مستقبلا كان يقوم في جزء منه على أن تكون محور ارتكاز لنقل الطاقة من الأماكن المنتجة، خاصة في روسيا وكازاخستان لنقلها إلى أوروبا عبر مشروع "السيل التركي" وغيره من المشروعات المطروحة. مصر تحذر واستدعى إعلان تركيا اعتزامها التنقيب عن النفط والغاز شرق البحر المتوسط تحذيرا مصريا من المساس بـ "حقوق مصر السيادية".
التحذير المصري جاء استنادا إلى اتفاقية أبرمتها القاهرة مع قبرص لترسيم الحدود البحرية في 2013 تسمح بالتنقيب عن الغاز في المنطقة. وساهم اكتشاف مصر لحقل ظهر العملاق للغاز في 2015 في تشجيع سباق للتنقيب في منطقة شرق البحر المتوسط التي يعتقد أنها تحتوي على مخزون كبير من الغاز الطبيعي.
إعلان تركيا جاء عبر وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو الذي أبدى اعتراضه على اتفاقية 2013 بين مصر وقبرص. أوغلو قال إن الاتفاقية لا تحمل "صفة قانونية" مؤكدا على أحقية بلاده بدورها في التنقيب بالمنطقة البحرية، حسب ما نقلت وكالة "الأناضول".
ويقول الوزير التركي: "لا يمكن لأي دولة أجنبية أو شركة أو حتى سفينة إجراء أي أبحاث علمية غير قانونية أو التنقيب عن النفط والغاز في الجرف القاري لتركيا والمناطق البحرية المتداخلة فيه".
وتشترك جزيرة قبرص الواقعة شمال شرق البحر المتوسط في حدود بحرية مع مصر جنوبا وتركيا شمالا.
ويتقاسم السلطة في الجزيرة دولة قبرص إلى جانب جمهورية شمال قبرص التركية التي تعترف بها أنقرة.
وفي معرض حديثه حول أعمال التنقيب عن النفط والغاز في المتوسط يقول أوغلو إن "القبارصة الأتراك، بصفتهم شركاء في ملكية الجزيرة، لهم حقوق غير قابلة للتصرف في الموارد الطبيعية المحيطة بها".
وردا على ما قاله أوغلو أصدرت الخارجية المصرية بيانا قالت فيه إن اتفاقية 2013 "لا يمكن لأي طرف أن ينازع في قانونيتها"، مضيفا أنها مودعة لدى الأمم المتحدة كاتفاقية دولية.
ويوضح البيان أن المتحدث باسم الوزارة أحمد أبو زيد "حذر ... من أي محاولة للمساس أو الانتقاص من حقوق مصر السيادية في تلك المنطقة، وأنها تعتبر مرفوضة وسيتم التصدي لها".
وبدأت مصر بالفعل إنتاج الغاز من حقل ظهر العملاق شرق المتوسط الذي اكتشفته شركة إيني الإيطالية في 2015 ويحتوي على مخزون يقدر بنحو 30 تريليون قدم مكعبة.
قبرص تخفف تركيا تزعم أن مناطق معينة في المنطقة البحرية قبالة قبرص تقع ضمن المنطقة السيادية لتركيا أو للقبارصة الأتراك. ولا توجد علاقات دبلوماسية بين تركيا وقبرص.
وقال رئيس قبرص نيكوس أناستاسيادس، إن تركيا خرقت القانون الدولي بعرقلة السفينة، وإن بلاده ستتخذ "الخطوات اللازمة" دون أن يدلي بتفاصيل، لكنه بدا حريصا على التخفيف من أي تصعيد.
وأضاف للصحفيين في نيقوسيا "تعكس تصرفاتنا ضرورة تفادي أي شيء يمكن أن يؤدي إلى تصعيد (الموقف) دون التغاضي بالطبع عن انتهاك تركيا القانون الدولي".
وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الإيطالية أن السلطات التركية لم تسمح للسفينة بالتوجه إلى مقصدها.
وقال المتحدث إن إيطاليا تتابع الأمر "على أعلى مستوى من خلال دبلوماسييها في نيقوسيا وأنقرة... وتتبع كل الخطوات الدبلوماسية الممكنة لحل المسألة"، وقامت قبرص بتوقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع لبنان عام 2007 ويدور النزاع فعليا في الوقت الحاضر بين لبنان وإسرائيل من جهة حول غاز "بلوك 9"، الذي طرحته لبنان للاستثمار في التنقيب عن الغاز فيه، وبين قبرص وتركيا حول حقوق تركيا في الغاز من منطقتها الاقتصادية المشتركة مع قبرص واليونان.
لبنان وإسرائيل والجمعة الماضي، تعهد وزير الطاقة اللبناني، سيزار أبي خليل، بأن يكون هناك تنقيب كامل في منطقة الامتياز البحرية رقم 9، التي يقع جزء منها في المياه المتنازع عليها مع إسرائيل، في حين أعلنت توتال أنها ستحفر أول بئر بامتياز 4 في لبنان عام 2019. أما وزارة الطاقة اللبنانية فوقعت الجمعة الماضية على أول اتفاقات التنقيب والإنتاج للنفط والغاز البحريين في منطقتي امتياز يقع جزء من إحداهما في المياه المتنازع عليها مع إسرائيل.
وقال وزير الطاقة اللبناني سيزار أبي خليل إن النزاع مع إسرائيل لن يمنع لبنان من الاستفادة من الاحتياطيات المحتملة تحت البحر في منطقة الامتياز 9 محل النزاع، بينما قالت شركة توتال الفرنسية إنها ستحفر أول بئر في الامتياز قرب المنطقة المتنازع عليها.
ووقع كونسورتيوم يضم توتال الفرنسية (40%) وإيني الإيطالية (40%) ونوفاتك الروسية (20%) اتفاقيتين لمنطقتي الامتياز، وهما من بين خمس مناطق طرحها لبنان في أول جولة تراخيص تأخرت كثيرا.
وهو ما رد عليه وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان خلال مؤتمر حول الأمن في تل أبيب بالتهديد علنا بقوله: "عندما يطرحون عطاء يخص حقلا للغاز يشمل الامتياز 9 الذي هو ملك لنا بكل المقاييس... فإن هذا يمثل تحديا سافرا وسلوكا استفزازيا هنا".
وتتبادل إسرائيل ولبنان التهديدات والإدانات بشأن العطاء، وسط تزايد التوترات بخصوص الحدود البرية والبحرية.
ويتوقع في هذا الإطار أن تكون هناك وساطة سيقوم بها وزير الخارجية الأميركي ريك تيلرسون أثناء زيارته المنتظرة للبنان خلال الأيام المقبلة.
وتعمل في البحر المتوسط، بين قبرص ومصر وإسرائيل، مجموعة من الشركات النافذة على مستوى العالم، أبرزها ثلاث: ENI الإيطاليّة في مصر وقبرص، وTotal الفرنسيّة في قبرص، وائتلاف Nobel Energy الأمريكية مع شركة Delek الإسرائيليّة، الذي كان يحتكر حقول الغاز في فلسطين المحتلة، علماً بأن Nobel Energy تعمل في قبرص أيضاً.
هذه الشركات تمثّل مصالح مالية ضخمة، إلى جانب شركات أخرى في العالم، وهي تمتلك قدرات فائقة للتاثير بسياسات الدول ومقارباتها النفطيّة، وتُسهم في تكييف خططها الجيواستراتيجيّة.
وبحسب دراسة بعنوان "موارد الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط: التحديات والفرص"، تقدر موارد النفط وسوائل الغاز الطبيعي في حوض "NGLs" غير المكتشفة القابلة لاستخلاص تقنيًا بحوض بلاد الشام بحوالي 3.5 مليار برميل، والأهم في الأمر الكميات الهائلة غير المكتشفة من موارد الغاز الطبيعي المقدرة بحوالي 450.3 مليار متر مكعب.