منظمة أوبك

نجح اتفاق منتجو النفط لخفض الإمدادات والتوترات الجيوسياسية في التغلب على أزمتي تباطؤ النمو الاقتصادي وتخمة المعروض، لتكون النتيجة هي ارتفاع قوي لأسعار الخام في 2019.

ورغم تخلي أسعار النفط عن قمتها المسجلة في منتصف عام 2019، لكنه تمكن من تحقيق مكاسب ملحوظة وصلت لـ35 بالمائة للخام الأمريكي.

وبدأ خام برنت القياسي عام 2019 عند مستوى 53.80 دولار للبرميل، واتجه لمسار صاعد تدريجي حتى وصل لقمة بالغاً 74.57 دولار، قبل أن ينهى العام قرب مستوى 66 دولاراً

وتكرر نفس السيناريو مع الخام الأميركي "نايمكس" الذي استمر في الارتفاع حتى 66.30 دولار خلال جلسة 23 أبريل/نيسان الماضي، قبل أن ينهي العام قرب 61 دولاراً.

وجاء تراجع أسعار النفط عن قمتها المسجلة في 2019 بفعل مخاوف تباطؤ الطلب على الخام جراء تراجع نمو الاقتصاد العالمي وتخمة المعروض وسط ضغط الإنتاج الأمريكي.

وخلال الربع الأول من العام الجاري، بلغت مكاسب "برنت" أكثر من 27 بالمائة، لكنه تراجع بنحو 2.6 بالمائة في الربع الثاني ثم عمق اتجاهه الهابط في الربع الثالث ليفقد 8.6 بالمائة، قبل أن يتجه إلى التعافي في الربع الأخير من 2019 بنحو 11.7 بالمائة.

ومنذ بداية عام 2019 وحتى نهاية جلسة 30 ديسمبر/كانون الأول، حقق خام "برنت" مكاسب بنحو 24.5 بالمائة، في حين بلغ ارتفاع "نايمكس" 36 بالمائة  في أكبر زيادة سنوية في 3 أعوام.

اتفاق أوبك والحلفاء

كان لقرارات أوبك باستمرار وتيرة خفض الإنتاج خلال 2019 بل وزيادة وتيرة الخفض أثراً إيجابياً على أسعار النفط.

وفي العام الماضي، وبعد الخسائر القوية لأسعار النفط وأملاً في تحقيق التوازن في سوق الخام، اتفقت أوبك وحلفاؤها على خفض إنتاج النفط بداية من يناير/كانون الثاني 2019 بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً ولمدة 6 أشهر.

وفي مراجعة سياسة الإنتاج خلال اجتماعها في يوليو/تموز الماضي، قررت منظمة الدول المصدرة للنفط والحلفاء تمديد اتفاقية خفض الإنتاج بنفس المستوى حتى نهاية مارس/أذار لعام 2020.

وأشارت أوبك في ذلك الوقت إلى أن قرارها يستند جزئياً إلى أن الاتجاه الهبوطي الاقتصادي نتيجة التوترات التجارية وتطورات السياسات النقدية العالمية والقضايا الجيوسياسية.

وبعد ذلك تناثرت شكوك أن أوبك لن توافق على المزيد من خفض الإمدادات وسط عدم امتثال بعض دول الأعضاء بمستوى الخفض المتفق عليه.

وفضلاً عن روسيا ونيجيريا ودولاً أخرى، كانت العراق أكبر صداع في رأس أوبك من ناحية عدم امتثالها لاتفاقية خفض الإنتاج حيث أن الدولة العربية تنتج نفطًا أكثر من أي عضو آخر في أوبك باستثناء السعودية بعد أن تضاعف إنتاجها في العقد الأخير.

وفي النهاية، قررت أوبك وحلفاؤها زيادة مستوى الخفض المتفق عليه لإنتاج النفط بنحو 500 ألف برميل يومياً بداية من يناير/كانون الثاني المقبل وحتى نهاية الربع الأول من العام المقبل.

وأرجعت أوبك ذلك إلى تزايد عدم اليقين، بما في ذلك المفاوضات المتعلقة بالتجارة وتطورات الاقتصاد الكلي والعواقب المحتملة لهذه التطورات على معنويات السوق والصناعة ككل.

التوترات الجيوسياسية

مبدئياً، كانت أكبر وتيرة ارتفاع يومية لأسعار النفط خلال 2019 والتي تجاوزت 14 بالمائة في جلسة 16 سبتمبر/أيلول مدفوعة من أحد أكبر الأحداث الجيوسياسية هذا العام وهو الهجوم على الشركة السعودية "أرامكو".

ومنذ بداية 2019 استمرت التوترات الجيوسياسية في دفع أسعار النفط لأعلى من خلال العقوبات الأمريكية على إيران والتي كان تأثيرها أكثر حدة على الأسعار بعدما أعلنت واشنطن  إلغاء كافة الاستثناءات التي تم إصدارها تجاه الدول الـ8 التي كان مسموح لها بالاستمرار في استيراد النفط من طهران دون عقوبات.

ووصلت أسعار النفط إلى أعلى قمة مسجلة في 2019 في اليوم التالي بعد قرار الولايات المتحدة.

وفضلاً عن التوترات الأمريكية الإيرانية، ساهم الهجوم على معملين للنفط تابعين لشركة أرامكو في السعودية في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي من قبل طائرات مسيرة "درون"، في دعم قوي لأسعار النفط في 2019.

وينبع ضخامة الهجوم في أنه أسفر عن وقف إنتاج نحو 5.7 مليون برميل من الخام، وهو ما يعادل نحو نصف الطاقة الإنتاجية للسعودية وحوالي 5 بالمائة من المعروض العالمي.

وسبق هذا الهجوم عدة تضررات لمنشآت وشاحنات نفطية بالقرب من مضيق هرمز نُسب أغلبها إلى إيران في أنها المتسبب الرئيسي وهو ما كان له تأثيراً كبيراً على أسعار الخام.

هل سيستمر الإنتاج الأمريكي كعامل ضغط؟

لا يتوقف إنتاج النفط في الولايات المتحدة عن تسلق قمم قياسية، حيث أنهى عام 2019 عند مستوى تاريخي بلغ 12.900 مليون برميل يومياً.

وتشير توقعات إدارة معلومات الطاقة إلى أن إنتاج النفط الأمريكي سوف يصل إلى مستوى 13.29 مليون برميل يومياً في 2020.

وتتوقع الإدارة الأمريكية أن يرتفع إنتاج النفط الأمريكي بنحو 370 ألف برميل يومياً فقط على مدى العام المقبل، لتكون أبطأ وتيرة نمو في نحو 4 سنوات.

وتشير توقعات بنك "جولدمان ساكس" إلى تباطؤ نمو إنتاج النفط الصخري الأمريكي في عام 2020، حيث خفض تقديراته لصعود الإمدادات في 2020 إلى 0.7 مليون برميل يومياً، مقابل التوقعات السابقة بأن يرتفع بمقدار مليون برميل يومياً، ومقابل 1.1 مليون برميل متوقعة في العام الحالي.

كما تراجع عدد منصات التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة في العام الجاري، لتفقد أكثر من 20 بالمائة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

مخاوف تباطؤ الطلب

على الجانب الأخر، أدى استمرار الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي ومن ثم تباطؤ الطلب على الخام.

واستمرت حرب التعريفات المتبادلة بين أكبر اقتصادين في العالم في إثارة المخاوف الاقتصادية حيث وصلت التعريفات الأمريكية المفروضة على السلع الصينية إلى أكثر من 500 مليار دولار، بينما تطبق بكين رسوماً على سلع بقيمة 110 مليار دولار من واشنطن.

ودفعت الحرب التجارية اقتصاد الصين لأبطأ وتيرة نمو في 28 عاماً، كما أدت إلى تباطؤ الاقتصاد الأمريكي وإن كان أقل تأثراً، وذلك قبل أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق بشأن صفقة تجارية جزئية قد يتم توقيعها في أوائل العام المقبل.

ومع الأزمة التجارية، خفض صندوق النقد الدولي تقديراته لنمو الاقتصاد العالمي 4 مرات على التوالي في 2019 إلى أدنى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية 2008-2009.

وكان لتوالي البيانات الاقتصادية السلبية المتعلقة بالنمو الاقتصادي أو المحركات الرئيسية له وعلى رأسها النشاط الصناعي الذي دخل في مرحلة انكماش هذا العام، تأثيرها السلبي على أسعار الخام.

النفط في 2020 إلى أين؟

تباينت التوقعات بشأن أسعار النفط خلال العام المقبل مع اسيعاب تأثير اتفاقية خفض الإنتاج لكن الغالب أنها لن تشهد تغييراً كبيراً عن 2019.

وتوقع "بنك.أوف.أمريكا" أن الامتثال القوي لاتفاق أوبك وحلفائها لخفض الإنتاج واتفاق التجارة بين الولايات المتحدة والصين قد يدفع سعر خام برنت إلى 70 دولارًا بحلول الربع الثاني من عام 2020.

كما رفع البنك الأمريكي "جولدمان ساكس" تقديراته لسعر خام برنت إلى 63 دولارًا للبرميل لعام 2020، ارتفاعًا من توقعاته السابقة البالغى 60 دولارًا، كما زاد أيضًا من توقعاته لسعر خام "نايمكس" إلى 58.5 دولارًا للبرميل من 55.5 دولارًا، بعد تعميق خفض الإنتاج من قبل أوبك وحلفاؤها.

بينما قال "مورجان ستانلي" إن اتقاقية أوبك ومنتجي النفط لتعميق التخفيضات خلال الربع الأول من العام المقبل ستدعم السوق فقط على المدى القصير، بينما من المرجح أن يتراجع سعر خام برنت إلى 60 دولارًا للبرميل  ونايمكس عند 55 دولاراً بحلول منتصف عام 2020.

كما ترى إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن سعر خام برنت سوف يصل إلى 60.51 دولار للبرميل في العام المقبل، كما تتوقع أن سجل خام نايمكس مستوى 55.01 دولار للبرميل في أحدث تقرير عن توقعات قصيرة الآجل.

وبالنسبة لتقديرات نمو الطلب على الخام، فترى وكالة الطاقة الدولية أنه سوف يصل 1.2 مليون برميل يومياً في العام المقبل،فيما ترى أوبك أن نمو الطلب العالمي على الخام في عام 2020 سوف ييلغ 1.08 مليون برميل يومياً.

قد يهمك أيضا : 

اتفاق التجارة الأميركي الصيني يدعم السوق النفطية بعد فترة من الحرب

 الكويت تعلق على توقيع "أوبك +" ميثاق طويل الأمد