القاهرة - مصر اليوم
الصوم شريعة شرعها الله سبحانه وتعالى لعباده من أجل التزكية والتطهر، وهو فُرض على المسلمين كما فرض على الأمم السابقة طبقًا لقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) آية 183 سورة البقرة .
ومن هذا المنطلق يرصد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار معالم الصيام قبل الإسلام عند قدماء المصريين والرومان والهنود واليهود والمسيحيون، وقد عرف قدماء المصريين شعيرة الصوم ومارسوها في أعيادهم كنوع من التقرب إلى المعبود وكان الصوم عندهم متنوعًا ما بين الواجب والمستحب والتطوع، فقد عرف المصريون القدماء الصوم ثلاثة أيام من كل شهر من أجل الحفاظ على صحتهم، كما كانوا يصومون احتفالًا بأعياد وفاء النيل والحصاد وبداية السنة الجديدة، وكان هناك نوع آخر من الصوم يسمى بصوم الانقطاع، وكان يستمر لمدة 70 يومًا يحرم فيه تناول أي شيء عدا الماء والخضر.. وذلك طبقًا لما جاء فى دراسة أثرية للدكتور حسين دقيل الباحث المتخصص فى الآثار اليونانية الرومانية.
ووضح الدكتور ريحان طبقًا لما جاء فى الدراسة أن الصوم عن قدماء المصريين انقسم إلى قسمين: صوم الكهنة وصوم الشعب وكان صوم الكهنة يبدأ منذ التحاق الناسك بخدمة المعبد؛ فعليه أن يصوم لسبعة أيام متتالية دون طعام أو شراب، بهدف التطهر من علائق الجسد والنفس ولتجهيزه للمهام الروحية التي تلقاها، وذكر بعض الباحثين أن هذا القسم من الصوم قد يمتد إلى 42 يومًا، ويمر الكاهن من خلاله بمراحل، أولًا بصيام عشرة أيام عن اللحوم والنبيذ، ثم يعقب ذلك تلقينه واجباته بالمسائل المقدسة، ثم يستأنف الصوم لعشرة أيام أخرى يمتنع فيها كل طعام فيه الروح ويتغذى على خبز الشعير والماء، ليترقى إلى مرحلة أعلى في المهام الروحية، ثم في العشرة أيام الأخيرة يمتنع عن جميع أنواع الطعام والماء.
وتابع الدكتور ريحان أن صوم الكهنة كان يبدأ منذ طلوع الشمس وحتى غروبها، وكان يشتمل على عدم مباشرة النساء ويقضونه في التطهر والنسك والتعبد أما صيام الشعب فكان لمدة أربعة أيام من كل عام تبدأ عندما يحل اليوم السابع عشر من الشهر الثالث من فصل الفيضان وهو صوم كامل يمتنع فيه الصائم عن الطعام والشراب والنساء من طلوع الشمس وحتى الغروب وقد ذكر الدكتور علاء الخزاعي في كتابه (التطور التاريخي للصيام) أن كلمة (صوم) هي كلمة مصرية قديمة تنقسم إلى قسمين هما (صاو) بمعنى امتنع و(الميم) بمعنى عن أي (امتنع عن).
ولفت الدكتور ريحان إلى صيام اليونانيين أيام متواصلة خلال السنة فقد صام أفلاطون وسقراط وفيثاغورس بهدف الوصول إلى ذروة الإتقان الذهني والتخلص من طغيان الجسد، وقد صام عالم الرياضيات الشهير فيثاغورس أربعين يومًا لاقتناعه بأهمية الصوم لتنشيط الذهن وصام سقراط وأفلاطون عشرة أيام، للتقرب إلى العالم الروحي والابتعاد عن ملذات الحياة ثم انتقل الصيام إلى الرومان، وصام البوذيون فى الهند من طلوع الشمس إلى غروبها كل أربعة أيام من كل شهر قمري وعرفت بأيام اليوبوزاتا ويجنح الصائمون فيها إلى الراحة ومنع مزاولة أي عمل.
وأشار الدكتور ريحان إلى الصوم فى الديانة اليهودية حيث يصومون ستة أيام فقط طوال العام ويتبع اليهود فى صيامهم طقوس التقشف، كالنوم على الأرض والامتناع عن الأكل والشرب والجماع والاستحمام وتغيير الملابس والتعطر وغسل الأسنان والعمل وارتداء الأحذية، منذ غروب الشمس إلى غروب اليوم التالى ويتم إعفاء الأطفال والمرضى والنساء الحوامل والمرضعات من الصيام، ويعتبر أهم أيام الصيام بالنسبة لليهود هو "يوم الغفران" ويوافق أكتوبر أو سبتمبر، يصومون فيه 25 ساعة مع الكثير من الصلوات ويرتدى فيه الرجال وشاحًا أبيض والنساء ملابس بيضاء، وهناك نوعان من الصوم لدى اليهود، الأول فردى ويُسَمى صوم الأسر ويقع فى حالات الحزن الفردى أو عند التكفير عن خطيئة والثانى جماعى وهو غير ثابت وغالبًا ما يفعلونه عند حدوث حزن عام يقلقهم كالصوم عند رداءة المحصول أو غارات الجراد أو الهزائم فى الحروب.
ونوه الدكتور ريحان إلى الصوم فى المسيحية وينقسم إلى عدة اقسام، الصوم الكبير (قبل عيد القيامة)، الصوم الصغير (قبل عيد الميلاد)، صوم الرسل (بعد عيد العنصرة بِأسبوع)، صوم السيدة العذراء (قبل عيد رقاد السيدة العذراء ِبأربعة عشر يوم)
والصَّوْمُ الكَبِيرُ أو الصَّوْمُ الأَرْبَعِينِيُّ هو أحد فترات الصيام ويبدأ في يوم أربعاء الرماد حسب الطقس اللاتيني، أما حسب الطقس الشرقي يبدأ يوم الاثنين وتستمر فترة الصيام إلى حوالي ستة أسابيع قبل عيد القيامة، والغرض التقليدي من الصوم الكبير هو إعداد المؤمن من خلال الصلاة والتوبة من الذنوب، والصدقة وممارسة أعمال الرحمة، ويستمر زمن الصوم المسيحي خمسين يومًا، (40 يومًا هي أيام الصوم التي تسبق أسبوع الآلام فضلًا عن أسبوع الآلام بما فيه سبت النور بالإضافة إلى أربعة أيام تعويضية عن أيام الآحاد التي يتم الإفطار فيها وهذا هو المتعارف عليه في أغلب الكنائس)، وتختلف تقاليد الصوم المسيحي بحسب الطوائف والطقوس.
وتتنوع تقاليد الصوم الكبير في العالم المسيحي بين الامتناع عن الطعام ساعات محددة أو الامتناع عن ألوان محددة من الطعام؛ الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وغيرها من الكنائس المسيحية الغربية تفرض على أتباعها انقطاع عن اللحوم ومنتجات الألبان يومي الأربعاء والجمعة، في حين أن الكنائس الأرثوذكسية الشرقية وغيرها من الكنائس ذات التقاليد المسيحية الشرقية تفرض انقطاع عن اللحوم لمدة أربعين يومًا.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
دراسة تكشف أن قدماء المصريين عرفوا تبني الأطفال
العثور على بقايا قارب في الإسكندرية يعود إلى القدماء المصريين