القاهرة-مصر اليوم
دون المصري القديم بمعبد الكرنك بالأقصر انتصار الجيش المصري بقيادة الملك رمسيس الثاني علي الحيثيين، الذين جمعوا أقوي تحالف عسكري لمواجهة رمسيس الثاني، حيث تم تدوين وقائع أول معاهدة سلام بين الطرفين بعد انتصار رمسيس الثاني في معركة قادش، التي تقع علي الضفة الغربية لنهر العاصي جنوب بحيرة حمص بسوريا.
كانت البعثة الأثرية العاملة بمنطقة سقارة، والتابعة لكلية الآثار جامعة القاهرة، كشفت منذ عدة أيام عن مقبرة كبير قادة الجيش في عهد الملك رمسيس الثاني ( الأسرة التاسعة عشرة – الدولة الحديثة ) والذي كان يدعي " إيورخي"، وأكدت الدكتورة علا العجيزي، رئيس البعثة أن المقبرة كبيرة الحجم، وقد احتفظت بالعديد من النقوش الهامة التي تنم عن علو مكانة هذا الرجل، حيث نقش علي جدرانها منظر يصور جيشا من الخيالة والمشاة متجهين في حملة عسكرية إلي خارج حدود مصر الشرقية من خلال حدود مدينة محصنة. لافتة إلى أن نقوش المقبرة تضمّنت أسماء بعض أفراد أسرة " إيورخي "، وهم ابنه وأحفاده. ويتضح من خلالها أنهم أيضا يحملون ألقابا عسكرية مهمة، مما يدل علي أنهم جميعا ينتمون إلي عائلة من الطبقة العسكرية في الدولة الحديثة.
وأوضحت أن " إيورخي" صاحب المقبرة قد بدأ حياته العسكرية في عهد الملك سيتي الأول والد الملك رمسيس الثاني، وتقلد أعلي المناصب العسكرية في عهد الملك رمسيس الثاني منها منصب المشرف علي أملاك الملك رمسيس الثاني في معبده المعروف باسم "الرامسيوم" بطيبة الغربية.
المؤرخون والأثريون يؤكدون أن الجيش المصري تم تأسيسه في بداية الدولة المصرية قبل رمسيس الثاني بقرون عديدة، حيث استطاع الجيش المصري أن يحوز علي أقوي الجيوش في العالم القديم، مؤكدين أن حرب التحرير ضد الهكسوس التي قادها أحمس في عصر الدولة القديمة أسست لنظريات جديدة في علم الحروب العسكرية مثل الحرب الخاطفة المفاجئة ، وتقسم الجيش إلى قلب وجناحين (ميمنة و ميسرة) واستعمال القوات البرية والبحرية ، مع مشورة القائد مع قواده عند مواجهة أمر حاسم أو خطير أثناء المعارك.
تظهر اللوحة المكتشفة في أسيوط في بدايات القرن العشرين، الدقة المتناهية للجيش المصري، كما يؤكد الأثري فرنسيس أمين لــ"بوابة الأهرام " لافتا إلى أن في عصر الأسرة الحديثة تم تقسيم الجيش المصري إلي فرق مثل المشاة والرماه وغيرهما من الأقسام، أو طائفة نعرين التي كان لها دورها الكبير في حرب قادش التي خاضها رمسيس الثاني في بلاد الشام، وأضاف أن هناك الكثير من مقابر القادة العسكريين الذين تم اكتشاف مقابرهم، مثل حور محب الذي أعاد الاستقرار لمصر بعد الثورة الدينية التي قادها أخناتون، والتي أدت لانحسار النفوذ المصري في آسيا، لافتاً إلى أن مقابر القادة العسكريين لا تتطرق للعمليات الحربية التي خاضها المتوفي خلاف المعابد، وإن كانت تذكر رتبته كي ينال الثواب ومنصبا في العالم الآخر
كان علي مصر أن تعيد نفوذها بعد حالة عدم الاستقرار والفوضي التي عاشتها في ظل حكم أخناتون، وكان للجيش المصري مسئولية كبري سواء في إعادة الاستقرار في الداخل أو إعادة النفوذ في الخارج، خاصة سوريا التي كانت تعتبر أمناً قومياً لمصر، حيث قام ملك الحيثيين "تركيا حاليا" علي إشاعة الفتن والفوضي في سوريا ومحاولة فصلها عن مصر .
يقول أحمد فخري في كتابه مصر الفرعونية إن "رمسيس الثاني، والذي كان يقود أقوي جيش في العالم، قرر المواجهة الحتمية والوقوف ضد ملك الحيثيين، الذي عقد تحالفاً عسكرياً ضخماً لمواجهة رمسيس الثاني، حيث جمع تحالفا عسكريا كبيرا من شتى الدول بقيادة ملك خيتا مواتللى الثاني، ضم نحو 50 ألف جندي و3000 عربة حربية في قادش؛ بينما استعد رمسيس الثاني للقتال بإنشاء أربعة فيالق، فيلق آمون، وفيلق رع، فيلق بتاح، وفيلق ست بمجموع 30 ألف جندي و2000 عجلة حربية كما قام بتجهيز فرقة من الشباب الفدائيين اسمها "نعرينا" كاحتياطي للتدخل السريع وتركها على الساحل السوري.
شن رمسيس الثاني في بداية حكمه الرابع حملة عسكرية، وعبر نحو فلسطين، واتجه بجيشه نحو نهر الكلب بالقرب من بيروت حاليا، وأقام لوحة تذكارية واستعاد بعض المقاطعات من الحيثيين، وفي العام الخامس من حكمه اتجه بجيشه نحو سوريا لتبدأ المواجهة بينه وبين الحيثيين.
ويضيف أمين، أن الجيش المصري في عهد رمسيس الثاني كان يتكون من 4 فيالق، فيالق آمون ورع وبتاح وست، بينما الملك الحيثي الذي يدعي مواتللي فقد كان أغلب جيشه من الجنود المرتزقة، لافتاً إلى أن معركة قادش احتوت الكثير من الأحداث والوقائع الغريبة التي تم تدوينها، منها محاولة الحيثيين إرسال جواسيس له كأنهم فارون من حكم الملك الحيثي وبأن ملك الحيثيين ما إن سمع بمقدم الفرعون حتي ارتعد وتقهقر بجيوشه إلي حلب في الشمال من سوريا.
وأوضح فرنسيس أن التاريخ يسترسل بإسهاب عن الوقائع الحربية التي خاضها الملك رمسيس الثاني بنفسه بعد انكشاف حيل الجواسيس الذين أرسلهم الملك الحيثي، لافتاً إلى أن رمسيس الثاني أشاد بكتيبة الفرسان الشباب الذين قدموا له وببسالتهم وشجاعتهم لأنهم أنقذوا الملك رمسيس الثاني في المعركة التي انتهت بعقد معاهدة صلح، لافتا إلى أن الكاتب العسكري المصري المرافق لرمسيس أكد أن رمسيس ظل يقاتل لساعات، في عدد قليل من جنوده حتي وصلت أخبار المعركة الدائرة إلى جنود "نعرينا" التي كانت تتركز قرب الساحل السوري، فتقدمت قوات الفيلق الاحتياطي بسرعة، وهاجموا الحيثيين من الخلف، ما أسهم في ارتباك صفوف الحيثيين، وخلخلة صفوفهم على نحو مَكّن رمسيس من الفرار من مصيدتهم والتحامه بفيلقيه الباقيين (بتاح وست) . حيث تجمعت باقي الفيالق المصرية استعداداً للمعركة الحاسمة في الصباح التالي، الذي اشتد فيه القتال وحين تيقن الملك الحيثي أن الانتصار سيكون حليفاً للمصريين، طلب في رسالة أرسلها إلى رمسيس الثاني:
قال الملك خيتا في رسالته لرمسيس الثاني " يعلن خادمك المتواضع على الملأ أنك ابن رع الذي ولدك من صلبه واستودعك مختلف البلدان المتحدة، أما القطر المصري وبلاد الحيثيين فهم خدامك، لقد وهبهم إياك والدك الإله رع، لا تلجأ إلى استخدام ما أوتيت من سلطة ضدنا، أجل إن سلطاتك عظيمة وقوتك تثقل وطأتها على الحيثيين، ولكن هل من الصواب قتل خدامك لتظل مرهوب الجانب منهم ودون رحمة، انظر لما يحدث بالأمس قضيت يومك في ذبح مائة الف رجل وعدت اليوم ولم تبق على حياة الورثة، فلا تتوسع بالاستفادة من تفوقك، أيها الملك الظافر فالسلم أفضل من الحرب، وامنحنا نسيم الحياة"
يضيف فرنسيس أمين أنه استجاب رمسيس للعرض، وتم توقيع معاهدة صلح بين الجيشين، واعترف الحيثيون بحكم مصر في سوريا، وبعدم التعرض لها وكان اشتراط رمسيس الثاني أن يأخذ ابنة الملك موتلي (ملك خينا الحيثي) زوجة له؛ لضمان تنفيذ المعاهدة، واستجاب الملك الحيثي لطلبه وبعد سنتين فقط من المعاهدة قرر رمسيس الثاني ضم بلاد الآموريين، بل تجاوز كثيراً تلك الحدود التي نصّت عليها المعاهدة السابقة، وامتدت المعارك حتى جزر البحر الأبيض، والتي ضمٌها الملك رمسيس الثاني لمصر، فأخضع جزيرتي كريت وقبرص لسلطانه، كما قام بعدّة حملات حربية على بابل وآشور، على نحو جعله يقترب كثيراً من بسط نفوذه وسلطانه على معظم حدود امبراطورية المحارب العظيم تحتمس الثالث بفضل قوة الجيش المصري .