المرصعات

الأشياء الثمينة لا تحتاج التعريف؛ لأنها في كل أشكالها وحالاتها تحتفظ بذلك البهاء الذي يتجاوز المسميات، غير أن مثل هذا الأمر لا يحتاج توضيحًا بقدر ما يحتاج إضاءة، ففي مثل هذه الأعمال التي تنتفي فيها الحدود بين الحرفية البالغة الإتقان والفن الخالص في أسمى معانيه، يصبح من الضروري مراقبة التفاصيل بكل دقتها ومظاهرها وسموّها، فالتفاصيل هنا لا تتداخل مع نُبل المواد فقط، بل هي تشارك أيضاً في المعاني، وترفد العمل بخلاصات باهرة ترفعه الى أعلى مقامات الإبداع.

ولأن الأشياء الثمينة تحاكي الحواس أكثر من انتمائها إلى عالم المادة، فإن تقديراتها تتفاوت بين جيل وآخر، فهي مسألة تحكمها السلوكيات والثقافات، وربما عوامل اجتماعية متعددة، ولئلا يبقى الحديث عن الأشياء الثمينة محصوراً بعبارات تتناسل من بعضها بعض مثل خيالات جامحة، فإن التوقف عند بعض محطات ولادتها عملية تقتضيها المناسبة، مناسبة تربّع هذه الأشياء الثمينة في المشهد الزخرفي العالمي المعاصر، لنقرأ أسماء مصممين ومبدعين تقترن بأعمال مثيرة للدهشة والإعجاب.

وفي الصياغات المثيرة التي نتلمس في رؤاها كل مظاهر الإبداع، نجد أن العمل على تحويل المواد الطبيعية الخام إلى أشياء ثمينة يشبه ما تتحدث عنه الأساطير في عمل "الخيميائي"، ذلك الحالم بتحويل بعض العناصر الطبيعية إلى ذهب، تبدو أنها عملية يختلط فيها الحلم بالعلم، في جو تهيمن عليه الأسطورة إلى حد الخرافة.

وأمام هذه الإبداعات، نحن قاب قوسين أو أدنى من الجواهر والذهب والمرصّعات الغالية ومبتكرات يعمل عليها الحرفيون ومهندسو الديكور، من خلال استثمار كل ما تقدمه التقنيات الحديثة والمواد من إمكانيات تخدم تطوير المشهد الداخلي وتظهير جمالياته ووظائفه، ليخرج بعدها إلى دائرة الضوء، بملامح جديدة تتقاطع مع كل أساليب الديكور المعاصر، الكلاسيكي الرصين، الباروكي الغريب والريفي الساحر، بصياغات تخرج عن المألوف، تأسر الأنظار وتدغدغ المشاعر.

وتسليط الضوء على هذه الإكسسوارات الفخمة هو تكريم لموادها الطبيعية البسيطة وأساليب تطورها، مواد يتصدرها الخشب والحجر والمعدن والزجاج والألياف الطبيعية والأقمشة الفاخرة المرصّعة بخيوط من الذهب والفضة، مواد تخرج من مختبرات التصميم لتساهم في تشكيل المشاهد الداخلية بمقاربات مثيرة لا تخطر على بال وتزهو بالبساطة والفخامة المميزة المدعومة بتفاصيل دقيقة ومذهلة تساهم في تكوين الأجواء الغريبة الفريدة والساحرة، التي عبّر عنها المصمم الفنان فنسان غريغوار من خلال سينوغرافيا مدهشة، استحضرت الكثير من تلك الأشياء الثمينة في سيناريو مثير من الناحيتين الحسية والفكرية.

وهذا الفنان الذي يرصد تيارات الموضة ويتابع تطوراتها عن كثب، استطاع أن يرسم من خلال عرضه لتلك التحف الثمينة بعداً جديداً للديكور يشي بأجواء المستقبل، ومن هنا فإنه لن يكون مدعاة للدهشة حين يتكلم على الأشياء الثمينة ومبتكرات زينة المنزل التي تجاوزت بأدوارها حدود الكماليات من خلال رفدها الداخل بكل ما هو حيوي وجذاب.

وعلاقة تلك التحف الثمينة بالداخل، لا تقتصر على مظهر التزيين فقط، وإنما تمتد إلى ما تبثه هذه الأشياء من تأثيرات عميقة في النفس، ومشاعر فرح لا سبيل إلى الهروب منها، فالداخل هنا ليس مجرد مساحة أو ركن من فضاء يتطلب توافر الإمكانيات فيه للرفاهية والراحة، وإنما هو ملاذ حميم للعيش الجميل، حيث تبدو الأشياء الثمينة فيه كقيمة مضافة إلى باقي القيم الجمالية التي يوفرها الديكور في المنزل.

ومن ناحية الألوان، يطغى على هذا النمط من الأشياء الذهبي والفضي وألوان الأحجار الكريمة، إضافة إلى لون الخزف الأبيض والزجاج الشفاف والرملي والكريستال النقي، وكذلك الأقمشة التي تتصدر الأجواء بحبكاتها المرصعة بخيوط الذهب والفضة، وبألوانها البراقة الساحرة المشغولة بروحية "الهوت كوتور" والتي ترفد الأجواء بشلالات من الضوء والبريق تنضح بمعاني الإثارة والجاذبية وتحول المكان إلى ينبوع من الدهشة.