القاهرة - مصر اليوم
يتناول علماء مركز الفتوي بالأزهر الشريف، اليوم معني الإنصاف، من خلال تفسير قول الحق سبحانه "وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ" { الأعراف : آية 85}.
في هذه الآية يوجّه الله تعالى الخطاب إلى عباده، ألاّ يظلموا النّاس شيئًا من حقوقهم التي يجب عليهم أن يوفّوهم إيّاها، كيلا كانت، أو وزنًا، أو غير ذلك من الحقوقِ الماديّة، والمعنويّة، ومعنى هذه الآية هو: الأمر من الله تعالى لجميع الخلق، ألاّ يعاملوا أحدًا إلاّ على سبيل العدلِ والإنصاف، وأن يجانبوا الميل والظلم والاعتساف، ونحن نلحظ في أزمنة الخلاف والشقاق ندرة الإنصاف، ونجد أنّا بصدد حالاتٍ من الجحود والأثرة ، يكاد يترجمها قول النبي – صلى الله عليه وسلم – في وصف المنافقين - أعاذنا الله من مسلكهم وطباعهم- :" وإِذَا خَاصَمَ فَجَر" إن هذا المسلك الفجّ حيال الخصومة هو ما يفاقمها، ويسدّ كل سبيل إلى معالجتها، ويوحش النفوس، ويوغر الصدّور، ويجعل من العزيز تلائم القلوب بعد أن تنافرت، إن الإنصاف عزيز، وعزيز من يتجمّل به كذلك، إلاّ أنه وحال التخلق به، فإنّا نصير أمام حالة فريدة من العظمة الإنسانية، ينحي فيها المرء أسباب الخصومة، ويُعمل العدل حتىّ مع خصمه، وينتصف له، ولو من نفسه؛ يغربلها بذلك من حظوظها ومطامعها، يسير وحاديه قول الله عز وجل: "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى "{المائدة: آية8} إنّها نفوسٌ منحها الله من التقوى ما تحاذر به الوقوع في أدنى مظلمة، ومن الرويّة ما بلغت به الانفكاك من حظها، ومن النبل ما يؤهلها لهذه الفضيلة، أعني فضيلة الإنصاف، وممّا يحسن إيراده هنا وهو ممّا يعين على الإنصاف أن يضع كل طرفٍ نفسه موضع الآخر، يلقي له المعاذير ذاتها التي كانت ستحضر لو أنّه هو الطّرف المقابل، هنا تهدأ حمية النفس، ويعتدل المزاج، وتحكم الأمور بزمام العقل، لا بغلبةِ الهوى، تميل النفس إلى هضم حقّ واحدٍ من عباد الله ، فيقومها صاحبها بتعداد فضائله، ثم يقيم عليها الحجّة بقول القائل:
من الّذي ترضى سجاياهُ كلّها، كفى بالمرء نبلا أن تعدّ معايبه، ثم يمضي مغتبطًا، أن انتصف لنفسٍ من نفسه، ابتغاء مرضاة الله.