سيدنا أبو بكر رضي الله عنه

هو صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأول من أسلم من الرجال، وأحب الصحابة لقلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والد الصديقة عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحامل أمانة الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومهما تكلَّمنا عن فضائله فلن نوفِّيَ حقَّهُ رضي الله عنه، لكن علينا من آنٍ لآخر أن نذكر أنفسنا ونعلم أبنائنا تاريخنا وسيرة سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحياة صحابته الكرام رضي الله عنهم، عسى أن ننتفع بها ونقتبس من أنوارها.
وسيدنا أبو بكر الصديق هو أحد العشرة المبشرين بالجنة وأولهم وأول الخلفاء الراشدين؛ لذلك نحتاج دائمًا معرفة ما تتميز به شخصيته، وما الذي أهّله إلى هذه المكانة العليّة في الإسلام.
ولادته وأسرته:
ولد سيدنا أبو بكر الصديق بمكة بعد ميلاد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعامين، واسمه عبد الله بن عامر بن عثمان، أما أبو بكر فكُنيته، له من الأولاد ستة: ثلاثة ذكور؛ هم: عبد الرحمن، وعبد الله، ومحمد. وثلاثة من البنات؛ هن السيدات: أسماء، وعائشة أم المؤمنين، وأم كلثوم.
حبه للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ودفاعه عنه:
منذ اليوم الأول لبدء الدعوة الإسلامية كان يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه، ويسارع إلى مساعدة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحمايته هو وأهل بيته، وفي إحدى المرات اجتمع عدد من كفار قريش -منهم عتبة بن ربيعة- حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريدون إيذاءه، فقام لهم أبو بكر الصديق، وقام عتبة يضربه في وجهه حتى ما يعرف وجهه من أنفه، وذلك من شدة تورم وجهه، وجاء بنو تيم قوم سيدنا أبي بكر وأبعدوا عنه المشركين، وحملوه في ثوب حتى أدخلوه منزله ولا يشكّون في موته، ثم رجعت بنو تيم إلى المسجد، وقالوا: والله، لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة. ثم رجعوا إلى أبي بكر، فجعلوا يكلمون أبا بكر، وهو في إغماءة طويلة، حتى أفاق آخر النهار، فرد عليهم، فماذا قال؟ قال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! فهو لم يسأل عن حاله وما الذي جرى له، بل سأل عن حال حبيبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
مواقف وبطولات:

كان سجلّ بطولات سيدنا أبي بكر الصديق في الإسلام حافلًا، وقد صحب أبو بكر رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم في الهجرة، وسجّل القرآنُ الكريم ذلك في قوله تعالى: ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: 40]، فقد كان حزن سيدنا أبي بكر خوفًا على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يلحقه أذى المشركين، فكان ذلك أدعى أن يقدمه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العديد من المهام؛ فكان إمامًا لبعثة الحج الأولى في الإسلام سنة تسع من الهجرة، ثم بعد ذلك وفي مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استخلفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إمامة الصلاة؛ إشارة لمكانته رضي الله عنه، وهو ما دعا الصحابة الكرام لمبايعته بالخلافة بعد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث قام بأمر الخلافة وبأمر الدين من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير قيام، وكان مبادرًا لاقتفاء أثر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واتباع هديه الشريف في كل أموره حتى ظهر الدين وخمدت الفتنة التي أطلت برأسها برجوع كثير من القبائل عن الطاعة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما كان يهدد بقاء دولة المسلمين قائمة، وكان ينذر بعودة قبائل الجزيرة العربية كما كانت قبل الإسلام متفرقة ومتحاربة فيما بينها، لكن الله جعل أبا بكر الصديق سببًا بما قام به من سياسة وقرارات حاسمة نجحت في إرجاع الجزيرة ومن فيها كلهم تحت ظل دولة المسلمين الناشئة ليتم التفرغ للدعوة الإسلامية في شتى بقاع الأرض.
وفاته:

وفي السنة الثالثة عشرة من الهجرة ليلة الثلاثاء لسبع بقين من جمادى الآخرة توفي سيدنا أبو بكر عن ثلاث وستين من عمره. وكانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر وثلاثة أيام. ودفن في بيت ابنته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بجانب قبر النّبي صلّى الله عليه وآله وسلم.

توفي رضي الله عنه بعد أن قام بحمل أمانة الخلافة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورحل راضيًا مرضيًّا بعد أن ثبت أركان دولة المسلمين، ولم يهدأ له بالٌ رضي الله عنه على مدار سنتين اثنتين هي مدة خلافته، وخاض حروبًا ضد أعداء الإسلام في الداخل والخارج، ثم -وبعد أن استشار كبار الصحابة فيمن يكون بعده في الخلافة، وبعد ترشيح كثير من الصحابة- تسلّم المسئوليةَ بعده سيدُنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قال فيه: "لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر".

نقلاً عن موقع دار الافتاء المصرية