القرآن الكريم

دخل معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري، وكنيته أبو عبد الرحمن، نسبة إلى ابنه عبد الرحمن، الإسلام وعمرة 18 عامًا، وكان من بين السبعين رجلًا من الأنصار الذين شهدوا بيعة العقبة الثانية .

وشهد غزوتي بدر وأحد مع النبي، وبعثه النبي إلى اليمن ليعلم الناس القرآن ويجمع منهم الصدقات، ويفقههم في الدين,و كان معاذ من خيرة شباب قومه، وقيل عنه إنه من أجمل الرجال في قبيلته، حيث كان شابًا أبيض اللون، وجهه مضيء، مجموع الحاجبين وأكحل العينين.

 وقال عنه أحد التابعين "دخلت مسجد حمص فإذا أنا بفتى حوله الناس، جعد قطط، فإذا تكلم كأنما يخرج من فيه نور ولؤلؤ، فقلت من هذا؟ قالوا معاذ بن جبل"، وقال فيه الخولاني"أتيت مسجد دمشق فإذا حلقة فيها كهول من أصحاب محمد، وإذا شاب فيهم أكحل العين براق الثنايا، كلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى، فسأل عنه أحد الجلساء فقال هو معاذ بن جبل رضي الله عنه". مواقف من حياة معاذ بن جبل كانت حياة الفتى قارئ القرآن وإمام العلماء، مليئة بالمواقف العظيمة، التي كان لها دور في نصرة الإسلام والمسلمين، ونشر الدعوة الإسلامية. بعث النبي معاذ إلى اليمن حتى يعلم أهلها القرآن، وذلك لعلمه ودينه وصحة تلاوته للقرآن، فقد كان معاذ أحد أربعة أوصى النبي بأن نأخذ القرآن عنهم حيث قال صلى الله عليه وسلم "خذوا القرآن من أربعة.. من عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب". 

وكان معاذ من الكارهين للأصنام وعبادتها، وقد ذكر ابن هشام في السيرة "أن عمرو بن الجموح قبل أن يسلم كان له صنم في داره من خشب يقال له مناة، فلما أسلم فتيان بني سلمة، ومنهم معاذ بن جبل، جعلوا يدخلون على صنم عمرو فيأخذونه ويطرحونه في بعض حفر بني سلمة، وفيها قاذورات الناس وأوساخهم منكسا على رأسه، فإذا أصبح عمرو قال ويلكم من عدا على آلهتنا هذه الليلة؟ ثم يغدو يلتمسه حتى إذا وجده غسله وطهره وطيبه، ثم قال: أما والله لو أعلم من فعل هذا بك لأخزينه، فإذا أمسى ونام عمرو عدوا عليه، ففعلوا به مثل ذلك، فيغدو فيجده بمثل ما كان فيه من الأذى، فيغسله ويطهره ويطيبه، ثم يعدون عليه إذا أمسى فيفعلون به كما فعلوا، فلما أكثروا عليه استخرجه من حيث القوة يوميا، فغسله وطهره وطيبه، ثم جاء بسيفه فعلقه عليه ثم قال: إني والله ما أعلم من يصنع بك ما ترى، فإن كان فيك خير فامتنع، فهذا السيف معك، فلما أمسى ونام عمرو عليه، أخذوا السيف من عنقه ثم أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل، ثم ألقوه ببئر من آبار بني سلمة، فيها براز الناس، ثم غدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به، فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكسا مقرونا بكلب ميت، فلما رآه وأبصر من شأنه، كلمه من أسلم من رجال قومه، فأسلم".

 وكان النبي يحب أنسا ويعلمه الكثير من تعاليم الدين الإسلامي، وكرمه في الكثير من أقواله فقد روى أنس بن مالك عن النبي قوله "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ، وأفرضهم زيد، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة"، ويقول النبي أيضا "نعم الرجل معاذ بن جبل"، وذات يوم أمسك النبي يدي معاذ وهو يعلمه أحد الأدعية قائلا له "يا معاذ والله إني لأحبك، فقال معاذ، بأبي أنت وأمي والله إني لأحبك، فقال الرسول يا معاذ أوصيك ألا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
 

و كان معاذ محبًا للنبي صلى الله عليه وسلم، لذا عندما عاد من اليمن بعد أن أنهى مهمته التي كلفه بها النبي، ووجده قد مات، صلى الله عليه وسلم، فلم يستطع أن يعيش في المدينة دون أن يكون مع نبي الأمة صلى الله عليه وسلم، فطلب من أبي بكر الصديق أن يتركه يلتحق بجيوش المسلمين في الشام، فوافقه أبو بكر، ولكنه أصيب هناك بمرض الطاعون، وتوفى وعمره ثلاثة وثلاثون عامًا.