الاعتكاف عبادة عظيمة عرفتها الأديان

 يعتبر الاعتكاف عبادة عظيمة عرفتها الأديان والشرائع من قبل ظهور نور الإسلام الذي جاء ليؤكد قيمة الاعتكاف وأهميته بخاصة في العشر الأواخر من شهر رمضان.

ويعني الاعتكاف في اللغة لزوم الشيء وحبس النفس عليه، أما عن معنى الاعتكاف في الشريعة الإسلامية: فهو المكث في المسجد بقصد التعبّد للّه وحده. وهو مشروع قرآناً وسنة وإجماعاً.

و شرع الإسلام الاعتكاف ليكون وسيلة موقوتة وعبادة محدودة تؤدى بين حين وآخر، لتحقيق نقلة إلى رحاب اللّه يعمّق فيها الإنسان صلته بربِّه ويتزود بما تتيح له العبادة من زاد، ليرجع إلى حياته الاعتيادية وعمله اليومي وقلبه أشدّ ثباتاً وإيمانه أقوى فاعلية.

في الشرائع القديمة
يعد الاعتكاف من الشرائع القديمة التي كان يلجأ إليها أصحاب الديانات الأخرى قبل الإسلام، فيقول الله تعالى: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ).

وقال عز وجل عن السيدة مريم عليها السلام: (فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا)، وقال: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً). وهو نوع من الاعتكاف الذي كانت تأديه السيدة مريم.

و كان الاعتكاف معروفًا في الجاهلية قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما يدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال "كنتُ نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام ,فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أوفِ بنذرك".

الاعتكاف في المسيحية
 يعتبر الاعتكاف في المسيحية هو انقطاع الإنسان للعبادة في سرية، وقد تكون أحيانًا وسيلة تهذيب حيث قد يفرضها أب الاعتراف على أحدهم، إن ارتكب خطيئة للتطهر أو معالجته روحيًا بحسب العقيدة المسيحية-.

و ذكر الاعتكاف عند المسيحيين في كتابهم المقدس في سفر يوئيل النبي "قدسوا صومًا، نادوا باعتكاف".

ويعتبر من يقوم بالاعتكاف في الديانة المسيحية أنه يخلو بوقت للعمل الروحي ليكون في صمت فيتكلم مع الله، كما يرتبط الاعتكاف كذلك عندهم بالصوم حيث يقولون إن الصائم في نسكه وجوعه، قد يكون في حالة من الضعف، لا تساعده علي بذل مجهود، فالاعتكاف بالنسبة إليه أليق. في صومه، روحه مشغولة بالعمل الجواني مع الله، لذلك فالكلام يعطله عن الصلاة والهذيذ والتأمل، والمقابلات والزيارات تمنع تفرغه لله، وربما توقعه في أخطاء.

وذكروا أن المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام في صومه، كان معتكفًا على الجبل –بحسب العقيدة المسيحية-.

يوجد نوع أخر من الاعتكاف اعتادت عليه الكنيسة القبطية الارثوذكسية، منذ عهد البابا الراحل شنودة الثالث، وهو دخول البطريرك فترة اعتكافية خلال أسبوع الآلام في خلوة روحية تتناسب مع هذا الأسبوع، حيث يعد أسبوع الآلام أقدس أسبوع في السنة كلها.

الاعتكاف عند اليهود
وعرف اليهود أيضًا الاعتكاف، كما أن عندهم عيد يسمى "عيد الاعتكاف" ويكون في اليوم الثَّامن من ما يسمونه بـ "أيام المظلة" وهو اليوم الثَّاني والعشرون من شهر تشري.

ويحتفل اليهود بعيد "المظلة" أو أيام المظلة بترك أماكن سكناهم ليقيموا في مظال مصنوعة من أغصان الأشجار والنخيل سواء في الساحات أو الشوارع أو أسطح المنازل  أو التلال المحيطة بأورشليم، وكان الهدف  من عيد المظال بحسب العقيدة اليهودية:

ويعني أن يتذكر شعب الله حياتهم في برية سيناء لمدة أربعين عامًا، وقد أعالهم الله ولم يتخلَ عنهم، وحياتهم في الأكواخ المتناثرة تذكّرهم بحياتهم الماضية في البرية.

و يعتبرون أن هذه فرصة للتخلي عن الحياة اليومية الروتينية، والسكن الذي اعتاد عليه الإنسان، فيفيق على حقيقة غربته على الأرض.

وتعد فترة يعيش فيها الجميع سواسية في الخيام لا فرق بين غني وفقير.