القاهرة-مصر اليوم
دعا الإسلام إلى التسامح وجعل له أهمية عظيمة، ويظهر ذلك جليّا في عدة مجالات، منها العبادات والمعاملات، وينبغي على المسلمين أن يحرصوا على التسامح والتناصح فيما بينهم، حتى تجتمع كلمتهم، وتزول الفرقة بينهم، ويزول المنافقون من المجتمع، فقد شبّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تعاون المؤمن مع أخيه المؤمن بالبنيان الرفيع المتماسك.
والإسلام دين يدعو إلى التسامح والعفو والصفح عند المقدرة، وأنَّ من يتسامح في حقه ويعفو، ويصفح عن المسيء إليه يكون نبيل الخلق، عظيمَ الشأن، متساميًا عن الدنايا؛ قال الله - سبحانه وتعالى -: «وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» (فصلت: 34، 35).
مظاهر التسامح بين العباد:
ومظاهر التسامح بين العباد، أولًا: عدم إساءة الظن بالغير، ونشر الكلمة الطيبة، فهناك فرق كبير بين من يسعى لنشر الإساءة والفتن بين المسلمين حتى يسيء إليهم، وبين من ينصح الغير ببيان عيوب أحدا من الناس لا للازدراء أو الانتقاص، وإنما على سبيل بيان الحال والنصح للمؤمنين حتى لا يغترّوا بأحوال الناس. تقديم النصح وبيان الأخطاء للناس حتى لا ينخدعوا ويغترّوا، ثانيًا: وعدم التعرّض لأذية الآخرين أو التقوّل عليهم.
آثار التسامح
عندما يتمتّع بالأفراد بخلق التّسامح، تنتشر المنافع والآثار الإيجابيّة في حياتهم، ومنها:
- تأكيد مبدأ الاحترام المتبادل بين الناس على الرّغم من اختلاف أفكارهم.
-نشر النّاس بين بعضهم البعض الخبرات التي يتمتّع بها كلّ فرد، ممّا يؤدّي لتبادل المنافع.
-سلامة القلوب من الحقد، والحسد، وغيرها من الأمور التي تضعف القلب وتورثه الهم.
- تلاشي بعضًا من الأمراض النّفسية التي تكاد تصيب بعض الأفراد نتيجة عدم تسامحهم.
-سهولة العيش، والتّمتع بحياةٍ كريمةٍ بعيدةٍ عن المشاكل والفرقة.
-سيادة الألفة والمحبّة بين أفراد المجتمع، وعموم الخير بينهم.
- نبذ العنف الّذي من الممكن أن يؤدّي إلى انتشار الفتن والجرائم.
- انتشار الأمن في حياة الأفراد، وشعورهم الدّاخلي بالأمان.
- تمتّع الأفراد المتسامحون بالإيجابيّة. نيل الأجر والثّواب العظيم من عند الله تعالى.
صور من تسامح النبي
جاء رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- حاملًا هذه الرسالة العظيمة المتضمنة لكل معاني القيم الإنسانية والحضارية، وفي طليعة هذه القيم التسامح، وقد جسّد هذا الخُلُق في مفاهيم عملية فحوّلها من مجرد قيمة إلى مفهوم عملي لازم حياته في جميع مراحلها، قبل البعثة وبعدها، في حالات الضعف كما في حالات القوة.
ودعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى إشاعة جو التسامح والسلام بين المسلمين، وبينهم وبين غيرهم من الأمم، واعتبر ذلك من مكارم الأخلاق، فكان في تعامله مع المسلمين متسامحًا حتى قال الله _تعالى_ فيه: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ» (التوبة:128)، وكان مع غير المسلمين ينطلق من هذا المبدأ العظيم ليكرّس قاعدة التواصل والتعاون والتعارف بين الناس، ولتكون العلاقة الطيبة الأساس الذي تُبنى عليه علاقات ومصالح الأمم والشعوب، وحتى مع أعدائه الذين ناصبوه العداء كان متسامحًا إلى حد العفو عن أسراهم واللطف بهم والإحسان إليهم.
فها هو أثناء عودته من الطائف، وبعد أن أدموه وأغروا به سفهاءهم وغلمانهم، وبعد أن طردوه من قريتهم، وأساؤوا معاملته، يأتيه ملك الجبال يقول: مُر يا محمد. فيقول رسول الله: لعلّ الله يخرج من أصلابهم من يعبده وينصر هذا الدين. لقد كان ملك الجبال ينتظر منه إشارة ليطبق عليهم الأخشبين ويغرقهم في ظلمات الأرض فلا ينجو منهم أحد، ولكن الرحمة في قلبه وخُلُق التسامح الذي تربّى عليه دفعه إلى الاعتذار من ملك الجبال، وقال قولته الشهيرة التي تنمّ عن مسؤولية عظيمة وخُلُق فاضل.
ولم يكن الأمر أقل أهمية مع أهل مكة الذين ناصبوه العداء، وأخرجوه من أحب أرض الله إلى قلبه – مكة – وخاضوا حروبًا ضده في بدر وأُحد والخندق، فقتلوا من المسلمين وقُتل منهم، وأسروا من المسلمين و أُسر منهم، وردّوه عام الحديبية وقد جاء إلى مكة حاجًّا معتمرًا، وأساءوا إلى أصحابه فعذبوهم وطردوهم وأخرجوهم، ومع كل ذلك فإنه يوم الفتح، وبعد أن منّ الله على المسلمين بنصر ميمون، وسقط الشرك والباطل في عاصمة الجزيرة العربية، يومها قال لجموع أهل مكة وقد احتشدوا واصطفوا للقائه، ينتظرون ماذا هو فاعل بهم. قال: «ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء». فما أعظم هذا الخُلُق، وما أروع هذه الخصال.
ثمّ في علاقته بالمسلمين لم يكن أقلّ تسامحًا، فها هو يعفو عن حاطب بن أبي بلتعة وقد أفشى سر جيش الفتح، فأراد البعض أن يقتص منه، ولكن رسول الله قال: لعلّ الله اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم. وكان حاطب من أهل بدر. وكذلك الأعرابي الذي جاء يطلب مالًا وقد جذبه من طرف ردائه فعلّم ذلك في صفحة عنق رسول الله، يومها غضب عمر لهذا التصرف الأرعن من ذاك الأعرابي، فأراد أن يضرب عنقه، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له «ماذا تريد؟ قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك. قال: أعطه يا عمر. ثمّ مضى». فما أروع مكارم الأخلاق، وما أجمل أن نكون متسامحين مع بعضنا البعض في معاملتنا وعلاقتنا وبيعنا وشرائنا وكل حياتنا.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
جمعة يؤكد مصر تعيش أزهى عصور التسامح الديني تحت قيادة السيسي
جمعة يؤكد على إقامة صلاة الجمعة في مسجد السيدة نفيسة بعدد محدود